IMLebanon

تحييد لبنان على الطريقة النمساوية!

كتبت زينة طبارة في “الأنباء الكويتية”:

«الدولة الحيادية» هي الصفة القانونية لبلد يمتنع عن المشاركة في اي من التحالفات الدولية، ويقف على مسافة واحدة من كل الدول المتصارعة سياسيا او المتحاربة عسكريا او حتى المتقاضية أمام المحاكم الدولية، مع ضرورة اعتراف الدول الأخرى بنزاهة وحيادية هذا البلد. وقد أكد القانون الدولي على أن حقوق البلدان الحيادية تتضمن عدم استخدام أو احتلال أراضيها من قبل الدول المتصارعة، والأهم الإبقاء على العلاقات الديبلوماسية مع كل الدول سواء كانت محايدة او منحازة.

وللتوسع بالموضوع تواصلت «الأنباء» مع الباحث الجيوسياسي د.نبيل خليفة فأشار الى وجود فارق كبير بين مفهومي الحياد والتحييد، فحياد الدولة يتم بناء على رغبة شعبها في الوقوف على مسافة واحدة من كل التحالفات والصراعات الدولية او المحيطة بها ونموذجها دولة سويسرا، بينما تحييد الدولة يتم بناء على رغبة الأسرة الدولية ممثلة بمجلس الأمن الذي يفرض نظام الحياد الدولي الدائم عليها ونموذجها النمسا، ليصبح أمن هذه الدولة من مسؤولية الأمم المتحدة وتصبح خارج الأحلاف العسكرية والتجاذبات الإقليمية والدولية.

ويقول خليفة: ليس من السهل تحقيق الحياد في لبنان نظرا لوجود انقسامات عمودية بين جهات ترغب فيه وجهات ترفضه، ففي لبنان أحزاب وحركات ومنظمات مرتبطة عضويا وإيديولوجيا وسياسيا ودينيا وماديا بقوى ودول خارجية، وهي بالتالي لن تقبل بأن يكون لبنان دولة محايدة، ومن الطبيعي ان تواجه بشراسة هذا الطرح، فيبقى الحل الوحيد تحييد لبنان بقرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع بما يمنع كلا من اسرائيل وسورية وإيران وأي دولة اخرى لها اطماع معينة من الاعتداء عليه او العبث باستقراره الامني والسياسي، لكن مثل هذا القرار يستوجب تقديم المبررات اللازمة التي تقنع الأسرة الدولية بضرورة اتخاذه، فالشعب النمساوي على سبيل المثال كان منقسما بين مؤيد لحلف وارسو ومؤيد لحلف شمال الاطلسي، فتدخلت الاسرة الدولية من خلال مجلس الامن لتحييد النمسا ومنع الصدام بين الحلفين على اراضيها، وهو النموذج الذي ينطبق على لبنان المنقسم بين مؤيد للشرق ومؤيد للغرب، الأمر الذي يبرر وبقوة المطالبة بتحييد هذا البلد «الحاجز» بين اسرائيل وسورية عن الخلافات والصراعات الاقليمية والدولية.

ولفت خليفة الى ان لبنان مصنف دوليا بالدولة الحاجز (Etat Tampon) بين سورية وإسرائيل اللتين تعتبران لبنان خطأ جغرافي وتاريخي وليس حقيقة جغرافية وتاريخية، لأن قيام دولة لبنان ينقض فكرة «اسرائيل من النيل الى الفرات» وفكرة «سورية الكبرى» وهو ما يعطي كلا من الدولتين مبررات الهيمنة عليه وإضعافه تمهيدا لإلغائه وضمه اليها سياسيا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا.

ولذلك قال ميشال شيحا: «لبنان بلد يعيش على حدود الخطر الدائم»، فسورية ترفض أن ترسم معظم حدودها مع لبنان بسبب عدم اعترافها به دولة نهائية سيدة حرة ومستقلة، واسرائيل تتلاعب بحدوده البرية المرسمة مع فلسطين منذ العام 1923، كما تسعى لفرض حدود بحرية معه بما يسمح لها استثمار مخزونه البحري من النفط والغاز.

وأردف خليفة: ميزات البلد المحايد او المحيّد انه صغير جغرافيا وسريع العطب (Vulnerable)، وغالبا ما تكون طبيعته الجغرافية جبلية وشعبه متنوع دينيا ومذهبيا وثقافيا، كما هو حال الدولة اللبنانية، حيث يجتمع فيه اكبر عدد من الاقليات في العالم، الامر الذي يسهل على الدول المجاورة الطامعة فيه استغلال سرعته بالعطب وتنوعه الديني والثقافي والاتني بهدف زرع الخلافات بين شعبه على قاعدة فرق تسد، ناهيك عن ان موقع لبنان استراتيجي وقد صنفه رئيس وزراء إيطاليا السابق رومانو برودي بـ «مستجمع استراتيجيات العالم» بمعنى ان كل دولة في العالم شرقية كانت ام غربية تشعر بأن لها مصلحة فيه، ومن هنا انطلق الصراع السياسي والايديولوجي فيه.

وردا على سؤال أكد خليفة ان النأي بالنفس مزحة وكلام فارغ، فلبنان بتركيبته الطائفية والاتنية والثقافية اضافة الى موقعه الاستراتيجي يشكل شرارة المواجهات بين القوى الاقليمية المتناقضة، ولكي لا يصبح لبنان الموقدة التي تشعل المنطقة بين اتجاهين متضادين، ولكي لا يبقى مهددا من قبل الجارتين اضافة الى ايران وكل من له فيه اطماع، على الامم المتحدة ان تفرض سلطتها عليه وتحيده بمعنى التحييد (Neutralisation) عن صراعات المنطقة كحل وحيد للاحتفاظ بنهائيته، وهذا الحل القانوني ليس اجتهادا لا شخصيا ولا حزبيا ولا طائفيا (مارونيا) ولا فئويا، وليس وجهة نظر لجهة معينة كائنا من كانت هذه الجهة.