IMLebanon

الحريري بعد الحكم… خطاب منزوع فتيل التفجير

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

بشيء من الاقتضاب والتمسك بالثوابت، كان تعليق رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري على قرار غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. خطاب انتظره مؤيدو الرجل أكثر من خمسة عشر عاماً نتيجة المسار الطويل الذي فرضه المسار القضائي، ليعلن انّ الحقيقة باتت واضحة وجلية، والآن صار دور احقاق العدالة.

خطاب متوقع منزوع منه فتيل التفجير. اختار نجل الشهيد ألا يغرق في المماحكات الداخلية والخصومات المتوارثة وقرر السير على ضفاف الاصطفاف السياسي، ولو أنّ المحكمة قضت أنّ اغتيال والده حصل لاعتبارات سياسية لا يمكن تجاهل تأثيرها أو الوقوف ملياً عند أسبابها ومقتضياتها، وهو ما تطرق إليه في كلمته، التي حملت رسالتين بارزتين:

الأولى تتصل بـ”حزب الله” مطالباً اياه بتسليم المدان الوحيد، أي سليم عياش، مؤكداً أنّ “المطلوب منه أن يضحي اليوم، هو “حزب الله” الذي صار واضحاً ان شبكة التنفيذ من صفوفه، وهم يعتقدون انه لهذا السبب لن تمسكهم العدالة ولن ينفذ بهم القصاص”.

الثانية ترتبط بالأهداف الكامنة وراء الاغتيال حيث قال: “إنّنا اليوم سمعنا الكثير بالسياسة لماذا اغتالوا الحريري، وبات واضحاً للجميع أنّ الهدف هو تغيير وجه لبنان ونظامه وحضارته وهويّته، ولا مجال للمساومة على هويّته وحضارته”.

وبينما كان الحريري يتلو بيانه من لاهاي، كانت ردود الفعل في بيروت تتوزع على خطّ مستقيم بلغ 180 درجة: هناك من روى غليله، لا سيما من جانب “الحريريين” الذين اكتفوا بخلاصة تصيب بسهام المنطق السياسي، دور قيادة “حزب الله” في زلزال 14 شباط 2005. إذ سيكون منافياً للعقل التصديق أنّ المدان الوحيد سليم عياش هو الذي نفّذ وحده وبإمكاناته “جريمة العصر”. وبالتالي لا داعي بنظر هؤلاء لقولها بشكل واضح خصوصاً وأنّ المحكمة ليست مخولة توجيه الاتهام إلى أحزاب أو دول، كما لم تضع أيديها على أدلة قد تدين قيادة “حزب الله”، ولكن سياق الأمور بات واضحاً.

وهناك من عبّر عن خيبة أمل بسبب حصر الحكم بأشخاص من دون قيادات كونه كان يتوقع تصويباً واضحاً ناحية “حزب الله” لفرض حالة المواجهة السياسية، بعد السير لسنوات على خيط رفيع اسمه “ربط النزاع”. وهناك من لجأ إلى أسلوب التهكم على قرار انتظره اللبنانيون 15 عاماً وتكبدوا في سبيله حوالى 800 مليون دولار، وإذ به يستعرض شبكة اتصالات ملونة، لينتهي بإدانة شخص واحد لا أكثر، لعدم كفاية الأدلة.

في مطلق الأحوال، يعتبر “الحريريون” أنّ خلاصة الحكم تثبت أنّ المحكمة غير مسيسة وأنّ كل الاتهامات التي سيقت بحقها لم تكن بمحلها. وهذا ما يرفع من شأن القرار الصادر عنها، ويعيد كرة المسؤولية إلى ملعب “حزب الله” لتسليم المدان بعدما جرى سابقاً وصف المتهمين بالقديسين. ولذا يرى هؤلاء أنّ دعوة الحريري “حزب الله” إلى التضحية، يقصد بها تسليم سليم عياش لتأمين الاستقرار وسحب فتيل التوتر من الشارع، خصوصاً وأنّ “تيار المستقبل” يقوم بدوره في محاصرة الفتنة على أكمل وجه، ويفترض بـ”حزب الله” أن يبادر الى تحصين الوضع الداخلي ومنع العابثين بالأمن من اللعب بالماء العكر، من خلال الاستجابة للحكم الصادر عن المحكمة الدولية، بانتظار جلسة اعلان العقوبات.

وفي السياق عينه، ثمة من يعتبر أنّ هذه الدعوة من جانب الحريري تتجاوز مقتضيات الحكم، إلى مستوى العلاقة مع “حزب الله”، مشيرين إلى أنّ الأخير يعرف جيداً كيف تكون ترجمة هذه الدعوة الموجهة من رئيس “تيار المستقبل” بالتضحية!

في الخلاصة، تجنّب الحريري نبرة المواجهة. راح صوب العموميات والثوابت. ترك للعلاقة مع “حزب الله” مطرحاً ولذا لم يتبن النظرية غير المثبتة بالبراهين، التي تربط سليم عياش بـ”حزب الله” وبكونه لا يمكن أن يقوم بعملية بهذا الحجم من تلقاء ذاته، رغم التسليم بأنّ عياش قائد عسكري في “الحزب”، وفي ضوء الاقرار أنّ الجريمة ارتكبت لأسباب سياسية واضحة.

يقول “الحريريون” إنّ الهدف هو احقاق العدالة، لأن الثأر هو أهون الشرور وأكثرها كسباً في الشارع. لكن الحريري يريد حماية السلم الأهلي ولذا يطالب “حزب الله” بمبادلته بالمثل.