IMLebanon

عون لا يبحث عن حلّ بل عن اختلاق أزمة

كتب عوني الكعكي في “الشرق”:

من يعرف الرئيس ميشال عون… ويعرف طريقة تفكيره وكيفية تصرفاته، يدرك تماماً أنّ هذا الرجل، تتملّكه أنانية عجيبة ونرجسيّة غريبة، لا يجاريه فيها أحد من السياسيين أو من غير السياسيين.

يدّعي أنه عسكري، أمضى «حياته» في ساحة المعركة… بينما هو في الحقيقة، عكس ما يدّعيه… فعندما كان مسؤولاً عسكرياً في سوق الغرب خلال حرب الجبل، لم يكن يتواجد في ساحة المعركة، بل كان يدير الأمور هاتفياً… وهنا تحضرني قصة رواها لي أحد أصدقاء الرئيس أمين الجميّل وأشار فيها الى أنّ الرئيس الجميّل قرّر زيارة جبهة سوق الغرب للإطلاع على الوضع هناك، وطلب من ميشال عون (قائد المنطقة يومذاك) مرافقته في الجولة… لكن ميشال عون حاول التملّص بذرائع واهية، لكنه أذعن للأمر بعد إلحاح الرئيس الجميّل ومطالبته بالتواجد معه خلال تلك الزيارة.

حادثة أخرى مشهورة في حياة الرئيس عون لا يمكن أن تنسى، حين وقف متحدياً الرئيس حافظ الأسد، مهدداً «بكسره» واعداً أنه لن يتخلى عن قصر بعبدا، ومطالباً ضبّاطه وعناصره بالصمود أمام الهجمة عليه. لكن ما حصل، كشف المستور، فقد كان ميشال عون أول الهاربين بالبيجاما تاركاً زوجته وبناته الثلاث في قصر بعبدا، فارّاً الى السفارة الفرنسية في مار تقلا بالحازمية.

فهل يصدّق أحد أنّ هذا البطل التاريخي، الذي أشبع «الناس» بخطاباته الحماسية الشعبية الطنّانة الرنّانة، البطل الذي لم تلد مثله نساء الدنيا… ترك قصر بعبدا عند أول طلقة رصاص تاركاً أغلى ما يملك في القصر.

ونعود الى يوم تسلم مهام رئاسة الحكومة من الرئيس أمين الجميّل، بعد انتهاء عهده من دون إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، كانت مهمة حكومته العسكرية إجراء انتخابات رئاسية فقط لا غير.. وتمسّك بالكرسي، واختلق خلافات مع «القوات اللبنانية» كي يتناسى الناس قضية انتخابات الرئاسة..

صدقه القائد «المخدوع» سمير جعجع وأجرى معه بعد ذلك ثلاث اتفاقيات:

الأولى في حرب التحرير وحرب الإلغاء والثانية حرب توحيد البندقية والثالثة كانت «اتفاقية معراب» التي نصّت على بنود ثلاثة:

– أولاً: تأييد جعجع لعون في انتخابات الرئاسة ما فتح الطريق أمام عون الى قصر بعبدا.

– ثانياً: أن تكون هناك مناصفة في عدد النواب المسيحيين في الانتخابات.

– ثالثاً: مناصفة في عدد الوزراء المسيحيين بين العونيين و»القوات».

فاز عون بالرئاسة واستراح، لكنه كلف الطفل المعجزة جبران باسيل بنقض «اتفاق معراب»… وهذا ما حصل بالفعل.

نفّذ جبران باسيل أفكار وتوجيهات ميشال عون بحذافيرها… وبشكل جيّد ومتقن، ما زاد ميشال عون إعجاباً بالصهر الداهية، حتى قيل، إنّ جبران أخذ جملة تسجيلات صوتية لخطابات ميشال عون، وراح يقلّده فيها تقليداً أعمى.

أكتفي بهذه المقدمة لأقول: إننا اليوم أمام استحقاق تشكيل حكومة جديدة، بعد الفشل الذريع الذي خلفته حكومة «الحزب العظيم» برئاسة دياب.

المصيبة ان الرئيس ميشال عون، لا يفتّش عن حلّ للأزمة، كما أنه يرفض الإعتراف بأنّ هناك أزمة عصفت ولا تزال تهدد الوطن وكيانه ومستقبل اللبنانيين على اختلاف مشاربهم وتعدد أهوائهم وانتماءاتهم.

المصيبة لم تعد تميّز بين لبناني وآخر، فالكل يغرقون، وربان السفينة لا يريد الإعتراف بما هو حاصل… أليْس هذا مستغرباً؟

رئيس الجمهورية يعيش في عالم آخر، يتصرّف وكأنّ لبنان لا يعاني من مشكلة مادية، ولا أزمة حياتية إقتصادية تلقي بثقلها على المواطن الذي راح يبحث عن لقمة عيشه فلا يجدها…

رئيس الجمهورية لا يعي أنّ هناك أزمة مصارف، وكأنّ ما يحدث ليس في لبنان، وإنما في زيمبابوي…

رئيس الجمهورية لا يريد الإعتراف أنّ الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، جاء وليدة وجود مخازن نيترات الأمونيوم العائدة لـ»الحزب العظيم»… فالمطار والمرفأ مرفقان يخضعان لحكم الحزب وأوامره.

الرئيس لا يشعر بـ300 ألف مشرّد في العراء، ولا يعرف أنّ مائتين من الأبرياء قضوا ظلماً، وأنّ ما يربو على الخمسة آلاف جريح، لا يزالون يعالجون في مستشفيات هي بحاجة الى أدوات طبية وأدوية لمتابعة عملها.

يا جماعة… الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زار لبنان، وجال في الأحياء البيروتية المدمرة متحدياً «الكورونا»، متعاطفاً مع اللبنانيين… ورئيس جمهورية لبنان في قصر بعبدا، ينظر الى أحياء الاشرفية والجميزة ومار مخايل والدورة والصيفي وغيرها من المناطق من عَلٍ، لا يكلف نفسه عناء مشاركة أهالي هذه المناطق المنكوبة ولو بجولة ميدانية بسيطة.

صدقوني… ان رئيس جمهورية لبنان غير مهتم بأوضاع البلد، الذي صار بحاجة الى حكومة إنقاذ فعلية ترفع عنه سواد هذه الحقبة المؤلمة…

صدقوني… ان لا حلّ في لبنان، لأنّ الرئيس لا يبحث عن حلّ بل عن اختلاق أزمة.