IMLebanon

لبنان والمنطقة في فلك «الاستحقاق الأميركي»

يسود اعتقاد على نطاق واسع في لبنان بأن حكومة حسان دياب المستقيلة ستستمر في تصريف الأعمال لفترة طويلة، أقله حتى موعد الانتخابات الأميركية، وأن ما يجري من «مناورات وشد حبال» حول الملف الحكومي يندرج في خانة «اللعب في الوقت الضائع».

فما يحكى عن تسوية فرنسية ـ إيرانية ستؤدي الى ولادة قريبة للحكومة لا يستند الى أساس سياسي متين، لأن الدور الفرنسي هو دور وسيط ومُسهّل، والطرف الأميركي هو الممسك بالملف اللبناني، ولأن ترتيبات الوضع في لبنان، بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة، تقع في نطاق وملعب المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، وحيث يشكل الملف اللبناني جزءا من الملفات العالقة بين الدولتين والمؤجلة الى ما بعد الانتخابات الأميركية.

لبنان في مرحلة «الوقت الإقليمي الضائع»، فيما المنطقة في مرحلة «تجميع الأوراق»، أوراق القوة والتفاوض لمرحلة ما بعد الاستحقاق الأميركي.

وهذا ما يفعله الأميركيون من خلال العودة الى الشرق الأوسط بعد إهمال لأشهر بسبب الانهماك في ملفات ومشاكل داخلية.. وفي هذا الإطار، يندرج اتفاق السلام الإماراتي ـ الإسرائيلي، المتفرع عن «صفقة القرن»، وزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى واشنطن التي تلتها مباشرة قمة مصرية ـ عراقية ـ أردنية في عمان.. أما إيران، فإنها متمسكة بأوراقها لا تفرط بها في كل مناطق تواجدها وتمركزها.

هذا ما تفعله في العراق بفرض قيود ورقابة مشددة على حركة الكاظمي، وهذا ما تفعله في لبنان بالتصدي الناعم للاندفاعة الفرنسية المتماهية مع الضغوط الأميركية وعدم إظهار المرونة الكافية في الملف الحكومي، وعدم الطلب من حزب الله تقديم تنازلات جوهرية في هذه المرحلة.. وبات واضحا أن إيران، التي اتبعت استراتيجية صمود في عهد ترامب، تنتهج سياسة انتظار لما سيكون عليه مصير ترامب بعد أشهر قليلة، وحتى ذلك الحين «لا حرب ولا مفاوضات».

في قراءة سياسية استباقية للانتخابات الأميركية التي ينتظرها الجميع للبناء على نتائجها، يمكن استخلاص الاستنتاجات التالية:
1 ـ حظوظ دونالد ترامب تراجعت مقارنة بما كان عليه من وضع متقدم ومتفوق بداية العام، ولكنه مازال منافسا قويا ل‍جو بايدن ومتقدما عليه ولم يخسر فرصته في ولاية رئاسية ثانية.

الرجل مازال قويا رغم الانتكاسة التي لحقت به من جراء أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية.. ولذلك، فإن إيران التي تفضل سقوط ترامب لاستجماع قواها وإنعاش خططها، لا تراهن على سقوطه ولا تبني حساباتها على هذا الأساس.

2 ـ احتمال فوز بايدن صار أقوى من قبل وفرصه تتعزز، ولكنه مازال يشكو من ثغرتين: شخصيته التي تفتقر الى الكاريزما القيادية وحملته الانتخابية الباهتة التي لم تحسن استغلال نقاط ضعف ترامب لضرب شعبيته.

3 ـ فوز ترامب إذا حصل يعني أنه سيكمل ما بدأه، وخصوصا في سياسة الضغوط القصوى على إيران لجلبها الى طاولة المفاوضات ومن موقع أقوى بعد الفوز.. أما فوز بايدن، في حال تحقق، فإنه سيؤدي الى وقف العمل بسياسة ترامب الشرق أوسطية، ولكنه لا يعني أن هناك تحولا أميركيا «سريعا وجذريا»، ولا يعني أن إيران ستنتقل فورا من حال الضائقة والحصار والعقوبات الى حال الارتياح واستعادة القدرات والمعنويات.. وللأسباب التالية:

٭ إعادة تركيز السياسة الأميركية الخارجية بحاجة الى 6 أشهر بعد التسلم والتسليم (في 20 يناير 2021) أي أن المرحلة الانتقالية ستمتد حتى منتصف العام المقبل على الأقل.

٭ لا يكفي لبايدن والحزب الديموقراطي أن يربحوا انتخابات الرئاسة، وإنما عليهم أيضا أن يربحوا الانتخابات النصفية للكونغرس لامتلاك الأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ (الآن مع الجمهوريين) وقدرة التحكم بالقرارات والسياسات الخارجية.

٭ سيكون بايدن والديموقراطيون محكومين بقرارات وقوانين أميركية أقرت في عهد ترامب وباتت ملزمة للجميع، خصوصا تلك التي أقرت بإجماع الحزبين مثل «قانون قيصر»، أو الخطوات التي اكتسبت قوة الأمر الواقع مثل «صفقة القرن» ونقل السفارة الأميركية الى القدس.

٭ العلاقة بين إيران وأميركا لن تعود الى ما كانت عليه أيام باراك أوباما، وإنما ستدخل عليها تعديلات وتكون أقل حرارة وأكثر حذرا.

وحتى أنه لن تكون عودة الى الاتفاق النووي كما هو وبصيغته الموقعة مع إيران.

والولايات المتحدة ستعود الى الاتفاق النووي شرط أن تقبل إيران الالتزام به أولا، وأن تبني واشنطن اتفاقا أقوى مع شركائها لمراقبة أي نشاطات إيرانية يراها الغرب غير مقبولة، ما يستدعي مفاوضات جديدة ومعقدة.

وهذه الصورة تتنافى مع التبسيط السائد عن رفع فوري للعقوبات وعودة الى الاتفاق السابق إذا فاز بايدن بالانتخابات الرئاسية.. فالأوضاع في المنطقة وإيران شهدت تغييرات عميقة منذ العام 2016، سواء بسبب العقوبات أو بسبب تغير المناخ السياسي في المنطقة.