IMLebanon

تلاقي مواقف رؤساء الحكومات مع دار الفتوى لحماية موقع الرئاسة

كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:   

يواصل رئيس الجمهورية ميشال عون خرقه للدستور وتعاليه على أصول العمل السياسي الوطني واستبداده بالسلطة وتجاهله لضرورة التحرّك السريع في ملاقاة الجهود الدولية لإنقاذ لبنان عبر تشكيل حكومة تستجيب لنداءات المجتمع الدولي والعربي، وتلبّي في الأساس حاجة الشعب اللبناني للإصلاح وتفتح المجال أماماستعادة الثقة بالدولة بعد أن انهارت تحت وطأة التخريب السياسي والمالي الذي مارسه الائتلاف الحاكم.

الثوابت الوطنية: دار الفتوى وبكركي تتحرّكان

أمام هذا الواقع، برزت مواقف المرجعيات الدينية، وتحديداً البطريرك الماروني بشارة الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، للتذكير بالثوابت الوطنية المبنية على منطق الدولة. فواصل الراعي حملته لتأكيد حياد لبنان وتحرير الشرعية عبر تطبيق القرارات الدولية، جامعاً هذه الرؤية في الوثيقة التي أطلقها وحملت عنوان «لبنان والحياد الناشط»، ثم أكمل هجومه في رفض تحويل المناطق السكنية إلى مخازن أسلحة وذخائر تهدّد سلامة المواطنين وتحمل مخاطر قد تكون أسوأ من انفجار مرفأ بيروت.

أما المفتي دريان، فإنّه شدّد على ضرورة إجراء تحقيق دولي في انفجار مرفأ بيروت، وضرورة قيام رئيس الجمهورية بالدعوة الفورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة وتحرير الحياة السياسية من القيود المانعة للتغيير المطلوب من الشعب اللبناني.

هذا هو المَخرَج الملزِم

وأمام تفاقم الأزمة السياسية والدستورية، هل كان بإمكان الرئيس الحريري أن يستمر مرشحاً في ظلّ هذا الحجم من الانتهاكات الدستورية التي يمارسها رئيس الجمهورية، وهو يواجه صدور قرار المحكمة الدولية بإدانة القيادي في «حزب الله» سليم عياش باغتيال الشهيد رفيق الحريري، وحتمية الامتناع عن المشاركة في حكومة واحدة مع الحزب؟

الجواب أعطاه النائب نهاد المشنوق من دار الفتوى بالتشاور مع المفتي دريان، وذلك عندما أعاد التذكير بالقواعد والمرتكزات التي باتت منسيّة في الخطاب السياسي السائد، عندما دعا اللبنانيين إلى «المشاركة في تحرير لبنان من الاحتلال السياسي الإيراني، وذلك على الأسس العميقة والجديّة التي وضعها المفتي الشيخ عبد الطيف دريان، والبطريرك بشارة الراعي»، معتبراً «أيّ كلام آخر هو تضييع الوقت في تسويات لم تؤدّ منذ 14 شباط 2005 إلى اليوم إلا إلى نتائج مثل تفجير مرفأ بيروت».

الحريري يناور: تعطيل الموقف الجامع بانتظار ماكرون

يمكن تلخيص المشهد اللبناني بالقول إن البلد ينهار، بينما أركان السلطة يتصرّفون وكأنّه لم يحصل شيء، ويناورون للحصول على الحصص واغتنام ما تبقى من الدولة، وفي هذا التناتش تحوّل موقع رئاسة الحكومة إلى «كرة» تتقاذفها القوى المسيطرة، بينما وقف أهل السنّة المعنيون بهذا الموقع أولاً في وضعية المتفرّج المنتظر ما سيأتيه من ضربات.

وبعد لَأْيٍ وتعثّر، بدأ رؤساء الحكومات السابقون يُصدرون المواقف الداعية إلى الالتزام بالدستور ورفض الهرطقات التي تقوم بها رئاسة الجمهورية والتأكيد على ضرورة المباشرة بالاستشارات النيابية الملزمة، وصدر عنهم بيان بهذا الخصوص، ثم صدرت تصريحات فردية عن بعضهم، لكن كان لافتاً أن اجتماعهم يوم الثلاثاء 25 آب الجاري بقي صامتاً وبدون بيان.

مصدر مقرّب من الرئيس نجيب ميقاتي قال إنّه كان مقرراً الدعوة إلى إلى عقد لقاء جامع في دار الفتوى، مهمته تحديد الثوابت السياسية في مواجهة الخروقات الدستورية المتواصلة، وتحديد أسماء عدد من المرشحين المقبولين سنياً، على أن يتولى مفتي الجمهورية إعلان الموقف باسم أهل السنة ويحدّد المسؤوليات ويسمي الأمور بأسمائها، إلاّ أن المشاورات أفضت إلى تأجيل هذه الخطوة بغية الوصول إلى تفاهم حول الأسماء.

وتذكر المعلومات أن الحريري طرح ترشيح ميقاتي، فكان جواب الأخير أنّ لديه تواصلا محلياً وخارجياً، وعنده تصوّر عن كيفية إدارة المرحلة، لكنه لا يقبل رئاسة الحكومة في ظل المعادلة الراهنة، وكذلك فعل الحريري مع تمام سلام الذي اعتذر بدوره عن قبول تسميته لرئاسة الحكومة.

وأفادت مصادر متقاطعة بأنّ أحد أسباب عدم صدور بيان عن الاجتماع الأخير للرؤساء السابقين يكمن برغبة الرؤساء إفساح المجال أمام المزيد من المشاورات الهادئة، وتجنب صب الزيت على نار العصبية التي يحاول تيار باسيل التلاعب بشد أوتارها، سعيا لتعويض بعض خسائره في الشارع المسيحي .وفي هذا الإطار جاء بيان الحريري بسحب ترشيحه لرئاسة الحكومة.

لماذا يصرّ الحريري على استضعاف نفسه؟

ما يفعله جبران باسيل الآن مناوراتٌ في غير وقتها، لأنّ محاولة تكرار تجربة حسان دياب لا يجب أن تمرّ، ولن تمر بعد تصليب الموقف الوطني والإسلامي، بعناصر القوّة والدعم التي يشكّلها تعاون دار الفتوى مع رؤساء الحكومات، الذين ينادون بالحفاظ على مكانة رئاسة الوزراء، وحماية صلاحيات رئيس الحكومة، وإستعادة بعض ما تعرضت له من تجاوزات في عهد الرئيس عون. ويُلاقي هذا التوجه إرتياحاً في الأوساط الإسلامية، وصولاً إلى الموقف الإسلامي الجامع والواضح والحاسم في هذه المرحلة بالذات، التي تستلزم استجماع كلّ عناصر القوّة للحفاظ على الوجود الإسلامي في إطار الدولة اللبنانية الحرّة والمستقلّة، وإعادة التوازن إلى المعادلة الوطنية، التي تُعاني خللا أساسياً، أدى إلى تدهور الأوضاع في العهد الحالي إلى حد الإنهيار الشامل.