IMLebanon

التنمية والإصلاح الإداري: خطوات نحو تطوير الإدارة العامّة

كتب مازن خطاب في “اللواء”:

من خلال عملي مستشاراً لوزير الدّولة لشؤون التنمية الاداريّة، اتّضح لي كم أن مفهوم الدولة للتنمية والإدارة بعيدٌ عن الحداثة والتقنيات في شؤون وضع وتطبيق الخطط، وأنّنا بحاجة مُلحّة لتفعيل الإصلاح والتطوير الإداري، الى جانب التنمية، بهدف توفير الخدمات الحكوميّة الى المواطنين بشكل فعّال عبر هيكليّات تُساهم في تقديمها بالفعاليّة والكفاية والسّرعة والكلفة التي تتماشى مع حاجات المواطنين وتطلّعاتهم. ولكن قبل أي شيء تبيّن أنّ هناك ضرورة ماسّة لتعريف مفهوم الإصلاح الإداري والتنميّة الإدارية لكي نستطيع أن نمضي قدُماً في هذا المجال.

يُمكن تعريف الإصلاح الإداري بأنّه تغيير منتظم في الهيكلية والعملية الإدارية بهدف القيام بتحسينات في المخرجات الإدارية ضمن بناء تنظيمي جديد، أي أنّه يرتكز على إعادة هندسة الإدارة أو إعادة التصميم للعملية الإداريّة؛ بينما تشدّد التنمية الإداريّة والتطوير الإداري على تنمية الموارد البشريّة بهدف تحقيق أعلى قدر من الخدمة للمواطنين واستجابة سريعة لمتطلباتهم.الّا أنّ الإدارة العامة بوضعها المتردّي الحالي عاجزة عن تقديم الخدمات إلى المواطنين بفعالية وكفاءة، حيث يكثر الشكاوى من تدنيّ مستوى الخدمات وتعقيد في الإجراءات التي تُنفّذ اعتباطياً وتأخر في إنجاز المعاملات. وهناك عدّة عوامل سلبيّة تستدعي الإسراع في عمليّة الإصلاح من خلال تفعيل الدّور الذي من الممكن أن يلعبه مكتب وزير الدّولة لشؤون التنمية الاداريّة في هذا المجال، وأبرزها ارتفاع عجز موازنة الدولة اللبنانية وبالتالي الدّيْن العام وخدمة هذا الدّيْن، والإنفاق المتزايد للحكومة على القطاع العام، والفساد المستشري في الإدارة العامة.

وللأسباب المُشار اليها آنفاً، على وزير الدّولة لشؤون التنمية الإداريّة المسارعة الى تحديث استراتيجية التنمية والتطوير الإداري بهدف إعادة تأهيل الادارات العامة وتفعيل التغيير التنظيمي بكافة مدرجاته، لاسيّما فيما خصّ موظفي القطاع العام، ووضع دراسة لكيفيّة إعادة توزيع وتقليص عدد موظفي القطاع العام خصوصاً في ضوء الاعتماد على المكننة والتكنولوجيا، وفي ظلّ التضخم الحاصل نتيجة التوظيف السياسي العشوائي في الوزارات والإدارات العامّة، وما يستدعيه ذلك من لزوم إقرار آليّة للتوظيف وتصنيف وتوصيف الوظائف وتقييم الأداء، والتخطيط للتعاقب الوظيفي. ووجب وضع أنظمة محدّثة للمساءلة وتحفيز الموظّفين والقادة الإداريين، وإعادة تقييم الحاجة الى تطوير مهارات موظفي القطاع العام وبالتالي تحديث لائحة برامج التدريب التي من شأنها أن تساهم في تأمين خدمة أفضل للمواطن.

وفي مجال تقديم الخدمات الحكومية، على وزير التنمية الاداريّة أن يضع التدابير التي من شأنها أن تُساهم في رفع مستوى جودة الخدمات الحكوميّة وتسريع الاستجابة لحاجات المواطنين، بدءاً من اقرار استراتيجية للحكومة الالكترونية والدولة الرقميّة واطلاقها بالتوازي مع تذليل العقبات الاداريّة التي تمنع تبسيط الإجراءات الاداريّة، لا سيّما القيود القانونيّة المتعدّدة والمتضاربة، ما يسمحُ بالولوج الى كافّة الخدمات المطلوبة من خلال الانترنت والتطبيقات الالكترونية. كما يجب تفعيل مكاتب الاستقبال والشكاوى من خلال اعتماد تجهيزات ملائمة ونظم معلوماتيّة حديثة وكوادر مدرّبة، اضافةً الى وضع مخططات واضحة لسير المعاملات وسير الشكاوى، ووضع آلية رقابيّة لهما. كذلك يجب انشاء مراكز موحّدة للخدمات الإدارية (one-stop service center) في المناطق بالاعتماد على اللامركزية الخدماتيّة وتطوير الإدارات المحلّية.

في خلاصة الأمر وبالاستناد الى خبرتي العمليّة في مجال الإدارة والتطوير أدرك أنّ الاصلاح والتنمية الإدارية لا يقتصران على المكننة والبرامج فقط، لأنّها أدواتٌ وأنظمة تتطلّب المُعالجة، بل تحتاجان إلى تغيير في الذهنيّة وأسلوب التعاطي مع المواطن، وبالتالي فانّ تعزيز جودة الخدمة للمواطن يرتكز على تبنّي مفهوم الادارة الاستراتيجية المبنيّة على جدارة الموارد البشريّة ومرونة التنظيم وتطوّره وقدرته على التكيّف مع الأوضاع المستجدّة، إضافةً إلى إرساء ثقافة الخدمة العامة.

إنّ كلّ ما تقدّم يستوجب رؤية وقرار سياسيّ جريء وداعم للإصلاح، فهل من احدٍ يجرؤ؟.