IMLebanon

سيّارات اللبنانيين “خردة” في سوريا

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

ونحن ننتظر “نَفَساً” ما في الجميزة، في الأشرفية، في مارمخايل، في الكرنتينا والمدور وزقاق البلاط، في جونية وطرابلس والمتن الشمالي وصيدا والنبطية وبشري ودير الأحمر وزحلة والشوف وبريتال وشتورا… سرح لصوص السيارات في “لبنان الكبير” للإستيلاء على ما تبقى من “عرق الجبين”. فهل دخلنا في متاهة متجددة من مسلسل سرقة السيارات في لبنان؟

ونحن نعيش تبعات مأساة بيروت وكل لبنان الكبير، تسربت أخبار من هنا وهناك عن عصابات تسرق وتنهب وتتوارى و”لا مين شاف ولا مين دري”، وفي الموازاة تتالت بيانات من جهاز مكافحة جرائم سرقات السرقات الدولية في وحدة الشرطة القضائية عن توقيف عصابات وجهتها، بنسبة 99,999، سوريا.

البارحة، أوقفوا عصابة. ومن يومين أو ثلاثة كشفوا عن أسماء اللصوص، وفي آب حددوا “كذا مرة” هويات أشخاص ينشطون في هذا المجال، وفي تموز وحزيران وأيار ونيسان… حكوا “رسميا” عن رؤوس مدبرة وتنسيق الجرائم بين لبنان وسوريا وعن سرقات من لبنان الى “شقيقته” عبر معبر القصر. ومن يُمسك بالمعبر مسؤول. والصغير والكبير يعرفان كيف تنتقل السيارات من لبنان الى سوريا.

لارا إدوار قهوجي (إبنة شقيق قائد الجيش السابق) فقدت سيارتها من نوع كيا صنع 2014 في سن الفيل. نامت وقامت ولم ترها. سرقوها. والبحث لا يزال مستمراً. 12 مركبة في بلدة سن الفيل سُرقت في أقل من شهر. في المتن الشمالي سرقات كثيرة. في الحازمية أيضا. وفي زحلة أيضا وأيضا. فماذا في أرقام قوى الأمن الداخلي؟ يجيب مصدر في المديرية: “صحيح أن عدد السيارات المسروقة ارتفع في الآونة الأخيرة لكنه يستمر اقل مما وصل إليه قبل ستة أو سبعة أعوام. في المقابل، نحن ننجح في توقيف هذه العصابات وأكثرها خطورة أوقفناها في 30 تموز. ويستطرد: مبدئياً، أكثر السرقات تحدث في جبل لبنان وفي قضاءي زحلة وبيروت. والتهريب يتم الى سوريا. والرؤوس المدبرة هنا، في لبنان، من الجنسية اللبنانية وتنفذ السرقات بمساعدة سوريين”.

يعتبر المصدر وجود استحالة في إقفال كل المعابر الحدودية اليوم ويقول “هذه المسؤولية ملقاة على الجيش اللبناني لا على قوى الأمن الداخلي” أما عن نوعية السيارات المسروقة فهي غالبا من نوعي “هيونداي وكيا”.

ماذا يعني كل هذا الكلام؟ لماذا عادت لترتفع أرقام سرقات السيارات في لبنان ذات الوجهة الواحدة: نحو سوريا؟ هل لقانون قيصر تأثير؟ الباحث الإقتصادي والمالي يونس الكريم، وهو سوري مقيم في فرنسا، يقول: “هناك طرق مختلفة لسرقة السيارات من لبنان الى سوريا ومنها عبر القوى العسكرية اللبنانية الموالية للنظام السوري وتُشكل هذه السرقات سوقا رائجة للعساكر وتتم عبر المعابر الكثيرة جدا بين البلدين غير الخاضعة بغالبيتها لرقابة رسمية. وكثير من هذه السيارات يستخدم كوسيلة في خلال عمليات تهريب المخدرات. السيارات المسروقة تحول دون معرفة هويات المهربين بالكامل إذا قُبض على عناصر منهم. ثمة سبب آخر، وهو ان سوريا تعيش اليوم ازدواجية في وضعها الاجتماعي، بين أمراء الحرب الذين يعيشون البحبوحة ويحتاجون الى سيارات فارهة تعكس حالة الرفاهية التي يعيشون وفي المقابل، هناك فقر مدقع، وهاتان الحالتان تشجعان قطاع الطرق في كلا البلدين، في سوريا وفي لبنان، على تعزيز عملية سرقة السيارات. فالأغنياء يريدونها والفقراء يريدونها”.

“أعلى أرقام سجلتها سرقات السيارات في لبنان كانت في العامين 2013 و2014، اي بعيد فرض العقوبات على سوريا، واليوم، بعد تنفيذ قانون قيصر، عاد عدد السرقات الى الإرتفاع. فسوريا تخضع للعقوبات ما يؤثر عليها سواء عبر فتح الإعتمادات المستندية للإستيراد أو من خلال الجمارك والرسوم المرتفعة. أضافة الى أن الشركات الأم تخشى التعامل مع سوريا، خصوصا بعد قانون قيصر، الذي منع أي شكل من أشكال التواصل مع النظام السوري. وهذا الأمر شجع الرعاع وقطاع الطرق على البحث عن طرق غير نظامية للحصول على السيارات”. يقول الباحث الإقتصادي يونس الكريم ذلك ويتابع “جعل كل هذا أمراء الحرب ينشدون وسائل تساهم في إثبات الرفاهية التي يتمتعون بها، فيحثون على السرقات أو يغضون الطرف عنها ويموهون سرقاتهم بنمرٍ كاذبة غير حقيقية. وهناك سيارات مسروقة كثيرة تدخل الى أقاليم المناطق الذاتية أو الى مناطق في شمال غربي سوريا”.

تبلغ نسبة الفقر في سوريا اليوم 93 في المئة. هؤلاء يعجزون عن إكمال حياتهم حتى آخر الشهر. وهناك نحو 5 في المئة من أمراء الحرب يستطيعون حيازة كل انواع السيارات الفخمة لكن العقوبات تحول دون ذلك، فلا أحد من الشركات العالمية تريد ان تدخل في متاهة عقوبات قيصر على سوريا. لذا، وجهة هؤلاء وأولئك، الفقراء والأغنياء في سوريا، هي في اتجاه شبه واحد وهو: لبنان. وهناك بعض السيارات تُسرق الى سوريا من العراق.

هناك من يقول، تعرفون قوة العصابة من خلال إختياراتها. فالعصابة الصغيرة، الناشئة، تسرق السيارات المتواضعة، أما العصابة القوية، المتمرسة، فتختار السيارات الفارهة. وفي هذا الإطار يقول يونس الكريم “السيارات المتوسطة وما دون تُسرق من أجل بيع قطعها أما الحديد، حديد المركبات، فيُباع الى مصاهر الحديد الكثيرة التي تعمل في سوريا، والتي تتزاحم من أجل الحصول على حديد المركبات لزوم أعمال البنى التحتية. فالحديد، بسبب قانون قيصر، مفقود، والسيارات المسروقة من لبنان هي الحل”. في هذا الإطار يهم أن تعرفوا أن أسعار الحديد تقفز هناك بأسعار خيالية. هي ارتفعت قبل أشهر 18 في المئة في اقل من عشرة أيام و”الخير لقدام”. وهذا معناه بحثهم المستمر عن حديد يصهرونه ويعيدون استخدامه والمركبات المسروقة خيار أول.

سيارات لكل الفئات

اذا كانت السيارات المتوسطة وما دون تُسرق لتباع قطعا ويُصهر حديدها فإن السيارات الفخمة تباع الى “أمراء الحرب” وما دون بأسعار تقل بنسب أقل بثلاثين وأربعين في المئة من سعرها الحقيقي.

هناك من يشير، ولو في شكلٍ غير مباشر، الى مصدر آلاف السيارات التي تباع في المعارض السورية حاليا تحت خانة “وارد من لبنان”. فهل هذا معناه أن تجارة السيارات لا تزال قائمة بين البلدين؟ وكيف تباع السيارات، الواردة “شرعيا” من لبنان، في المعارض السورية بأقل من ثمنها في البلد المورد؟

نقلب في مواقع بيع السيارات في سوريا. نتمهل عند صفحة “مفتاح وسيارة”. نقلب بين إعلانات موقع “وارد لبنان”. نتوقف عند صفحة “سوبر كار”… سيارات موديل 2018 و2019 و2020 واردة من لبنان. فكيف يتم ذلك في حين يعجز لبنان عن الإستيراد وممنوع على سوريا بموجب العقوبات الإستيراد؟

تجار بيع السيارات المستعملة في لبنان يتحدثون عن “ترانزيت” كان قائما بين لبنان وسوريا يتم خلاله شحن السيارات الى مرفأ بيروت ومنه الى سوريا. لكن، كيف تستورد سوريا مركبات في حين أن قانون قيصر يمنع إجراء عقود من هذا النوع؟ صاحب معرض “وارد لبنان” يتحدث عن أن نحو 90 في المئة من المركبات المستوردة تعبر من لبنان الى سوريا على أنها أنقاض مزودة بشهادة جمركية وشهادة منشأ ويشرح: نحن نأتي بالسيارات المستوردة عبر مرفأ بيروت مقابل رسم ترانزيت نسبته 50 ألف ليرة. نحن نستعين بمرفأ بيروت لأنه “أوفر” من مرفأ اللاذقية. كنا نأتي بالسيارات ترانزيت من العراق أيضا غير ان قانونا صدر هناك يمنع دخول المركبات التي تزيد عن الثلاثة أعوام، فما عاد الترانزيت من العراق مجديا”.

يبدو أن السوريين مأزومون اليوم أكثر من اللبنانيين، فمرفأ بيروت هو مرفأ بيروت وسوريا. وهناك من يغمز من “نيترات الأمونيوم” التي وصلت الى بيروت بعد عامين على اندلاع الحرب في سوريا. فهل كانت ستعبر ترانزيت؟ سؤال على ذمة الراوي.

هناك، في سوريا، ينتظرون مثلنا عودة العمل في مرفأ بيروت الى كامل قدراته. هذا ما يشير إليه صاحب أحد أكبر معارض السيارات المستخدمة هناك ويقول: سياراتنا المسجلة تحت خانة “وارد من لبنان” ليست مسروقة، فنحن نعمل علناً والسارق يعمل خلسة”. وما هي أنواع السيارات المرغوبة في سوريا؟ يجيب “شو ما بيجي بيروح” لكن يحبذ السوريون سيارات رينو وكيا وهيونداي. والإستيراد منذ العام 2012 يتم عبر لبنان”.

السوريون يحبون سيارات هيونداي توكسون وكيا ورينو. وإذا راجعنا أخبار السرقات نتبين أن أكثر من نصف السيارات المسروقة من هذه الأنواع.

نتابع تعليقات السوريين على السيارات المعروضة على صفحاتهم. نراهم يكتبون تحت صورة سيارة بي أم “للخواجات”، ونقرأ في مميزات سيارة مرسيدس سبور كلوك 430 “8 سيلندر جنط رياضي سرعات عالية ودوزان فول الفول”. والسعر؟ 5500 دولار. ونقرأ على سيارة كيا سيراتو “تمّ البيع الله جبر”… هناك يبيعون ويشترون ويسرقون ويبيعون قطعا وحديداً عبر لبنان، الرئة، ولبنان، الشقيق، يموت.

في الأرقام صافي السيارات المسروقة من لبنان كانت تعادل قبل العام 2019 الخمسمئة أو أكثر بقليل أو أقل بقليل (551 سيارة في 2016 و552 سيارة في 2017 و544 سيارة في 2018 ومثله في 2019) وها نحن في 2020، بعد بدء تنفيذ قانون قيصر في سوريا، وكما دائما، من يتحمل تبعات الآخرين هو لبنان. إنتبهوا الى سياراتكم في ما تبقى من 2020 كي لا يكتمل النقل بالزعرور وتخسرون ما تبقى من عرق الجبين.