IMLebanon

هاربون من لبنان بـ”قوارب الموت”: تعذبنا كثيراً ولا نريد العودة

تقرير لـ”الحرة”:

مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان، لاسيما بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، وازدياد الرغبة بالهجرة لدى عدد كبير من اللبنانيين، وقع المحظور في الآونة الأخيرة، وبدأت “قوارب الموت” بنقل شبان، فقدوا الأمل بالمستقبل في بلدهم، عبر رحلات منتظمة من طرابلس في شمال البلاد، نحو السواحل القبرصية.

رحلات لم يكتب لها النجاح

ومنذ الخميس الماضي، بدأت القوارب الصغيرة بالانطلاق من منطقة الميناء في الشمال اللبناني نحو الشواطئ القبرصية، إلا أن الرحلة لم يكتب لها النجاح، بعدما وقع لبنانيون في فخ المهربين، الذين حصلوا على مبالغ متفاوتة لقاء تأمين قوارب غير شرعية للهجرة.

على متن خمسة قوارب انطلقت من ميناء طرابلس، وصل 123 مهاجراً لبنانياً وسورياً، إلى السواحل القبرصية في الأيام الأخيرة الماضية، بينهم نساء وأطفال، نصفهم تقريباً سمح له بالنزول. بينما، اعترض خفر السواحل القبرصي قوارب أخرى، وأعاد المهاجرين على متنها إلى لبنان، من خلال سفينة استأجرتها نيقوسيا لهذا الغرض، بحسب وكالة فرانس براس.

كما نقلت قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام 35 رجلاً وخمس سيدات و11 طفلاً إلى مركز احتجاز قبرصي، وفقاً لما ذكرته الوكالة نفسها.

وذكر موقع قبرصي، الاثنين، أن الشرطة اعتقلت أربعة اشخاص كانوا ضمن مجموعة أخرى من 51 مهاجراً من السوريين اللبنانيين، تواجدوا على متن القارب، للاشتباه بتورطهم في عملية التهريب والاتجار بالبشر.

لكل قارب سعره

وكشف (ب.أ)، وهو شاب طرابلسي، في حديث لموقع “الحرة”، عن تفاصيل رحلة أصدقائه عبر القوارب نحو قبرص، كاشفاً أنّ هذه الرحلات منظمة من قبل مهربين، تقاضوا مبالغ متفاوتة على حسب نوع القارب.

وأضاف أنّ “للمهاجرين خيارات عدة، قارب مطاطي بسعر مليون و300 ألف ليرة لبنانية (866 دولار أميركي على السعر الصرف الرسمي) للشخص الواحد، قارب نظامي بسعر إجمالي يقارب الـ 1300 دولار أميركي، بالإضافة إلى قارب خشبي صغير لمن يملكه ويكون للمهرب أتعاب تأمين الهرب”.

العبور إلى إيطاليا

ولفت الشاب الذي يطمئن على أصدقائه بين الحين والآخر، إلى أنّ وجهة هذه الرحلات ليست قبرص أو اليونان، بل إيطاليا بشكل رئيسي، وذلك لـ”الهرب من فساد السلطة اللبنانية”، مشيراً إلى أنّ رحلات العودة تتم بتنسيق مع رئيس الجمهورية اللبناني، ميشال عون، “الذي يتحمل هو وحلفائه في السلطة، ونواب مدينة طرابلس، المسؤولية”، على حد قوله.

“يمكن أن نموت هنا”

قوارب صغيرة خرج بها الشبان من المياه الإقليمية اللبنانية في محاولة للانتهاء “من المأساة” التي يعانون منها في بلدهم، بعد ارتفاع معدلات البطالة والفقر، إلا أنّها خطورتها كانت مفاجئة لركاب، دفعهم لليأس لخوض هذه المغامرة.

وقال س.ع (شاب طرابلس وصل بطريقة غير شرعية إلى قبرص)، في حديث لموقع “الحرة”،  إنّ “الرحلة كانت مرعبة، وتعذبنا كثيراً للوصول إلى قبرص ولا نريد العودة، ولكن لا يمكننا البقاء في مثل هذه الظروف”، مضيفاً “لا نعلم إذا كنا سنبقى هنا أو ستتم إعادتنا إلى لبنان”.

وأضاف “نحن شباب ومعنا عائلات وأطفال، عددنا 56 شخصاً، وليس بحوزتنا ألف ليرة لبنانية (حوالى نصف دولار أميركي)، يمكن أن نموت هنا”.

وعن الأسباب التي دفعت هؤلاء اللبنانيين للهجرة عبر قوارب غير شرعية، اعتبر (ا.ع)، وهو خال الشابين (س.ع) و(م.ع)، الذين تمكنوا من البقاء في قبرص، أنّ “فساد السلطة والفقر وصعوبة الحياة دفعت شبابنا إلى الهجرة”، قائلاً “قد أخوض نفس تجربتهم”.

لبنانيون “محتجزون” وظروف إيواء سيئة

وكشف الشاب (ب.أ)، في حديث لموقع “الحرة”، أنّه “تم احتجاز العائدين من قبرص في الميناء، ونحن قلقون للغاية، ولا معلومات دقيقة حول مدة بقائهم هناك”، لافتاً إلى أنّه “يحكى أنّ عليهم البقاء 14 يوما بسبب إجراءات فيروس كورونا، والحجر، لا نعلم شيئا، رئيس الجمهورية هو من نسق عودتهم”.

يبدو أنّ لا أرقام دقيقة حول عدد اللبنانيين الذين استطاعوا البقاء في قبرص، ولا معلومات عن مكان تواجدهم.

مزاعم

وبحسب أحد العاملين في ميناء طرابلس، الذي تحدث لموقع “الحرة”، طالباً عدم الكشف عن اسمه، فأنّ “جميع المهاجرين هم من العائلات، وعلى متن القوارب أطفال ونساء، دفعهم اليأس والغلاء المعيشي إلى المخاطرة نحو مصير مجهول”، مشيراً إلى أنّ “الصورة غير واضحة، ولا يوجد لدى الجميع معلومات دقيقة حول عملية تنظيم الرحلات ومن خلفها، ولا يعتقد أن جميع القوارب آمنة”.

من جهته، ادعى أحد منظمي الرحلات السياحية على شواطئ طرابلس، (م.ص)، في حديث لموقع “الحرة”، أنّ رحلات الهجرة غير الشرعية تتم عبر الصيادين على مستوى ضيّق، وشخصي”.

وزعم  أن “لا صحة لوجود مهربين، ورحلات منظمة لقاء مبالغ مالية”، معتبرا أن  السفر عبر هذه القوارب، محصور بعائلات الصيادين وأقربائهم وبعض المعارف ليس أكثر”.

واعتبر أنّ “الوضع المعيشي الصعب وفقدان الكهرباء والمياه، دفع عائلات وأسر كاملة للهجرة عبر البحر”، مناشداً جميع المنظمات الدولية والسلطات القبرصية بـ”السماح لهؤلاء الطرابلسيين بإكمال رحلتهم لأنهم هاربين من اليأس والفقر”.

محاولات الهرب مستمرة

ويبدو أنّ بعض اللبنانيين مستمرون في محاولات الهرب نحو أوروبا عن طريق قبرص، رغم إعادة القسم الأكبر منهم، إذ أحبط الجيش اللبناني، مساء الثلاثاء، محاولة تهريب لبنانيين وسوريين بحرا، بطريقة غير شرعية، وفق ما قيادة الجيش في بيان.

وجاء فيه “أحبطت دورية تابعة للقوات البحرية في الجيش اللبناني، بالتنسيق مع مخابرات الجيش، عملية تهريب عدد من الأشخاص عبر البحر إلى خارج البلاد بصورة غير شرعية، وذلك بعد أن تم رصد المركب في عرض البحر مقابل الشاطئ الشمالي”، موضحة أنّه “كان على متن المركب أشخاص لبنانيون ومن التابعية السورية، وقد وصل المركب بمؤازرة مركب الجيش إلى ميناء طرابلس”.

صمت رسمي لبناني

وحتى الساعة، لم يصدر أي موقف رسمي من السلطات اللبنانية، وإنما معلومات تتحدث حول تنسيق رئيس الجمهورية اللبنانية، ووزارة الخارجية، مع السلطات القبرصية لإعادة اللبنانيين، بحسب ذويهم.

واقتصر الموقف اللبناني على تغريدة لرئيس تيار “الكرامة”، النائب فيصل كرامي، عبر حسابه على تويتر، وهو يحمّل “أجهزة الدولة” مسؤولية ما يحصل، علماً أنّه نائب عن مدينة طرابلس. قوبلت تغريدته بانتقادات باعتباره نائب عن المدينة، ويتحمل هو والسلطة مجتمعة مسؤولية الظروف المعيشية الصعبة التي دفعت اللبنانيين إلى الهجرة غير الشرعية.

وفد قبرصي إلى لبنان لبحث الأزمة

في المقابل، أعلنت قبرص، الإثنين، أنّها سترسل إلى بيروت هذا الأسبوع وفداً للتباحث في سبل منع قوارب محمّلة بمهاجرين غير نظاميين من الإبحار من السواحل اللبنانية نحو الجزيرة المتوسطية التي اعترضت في الأيام الأخيرة عدداً غير مسبوق من هذه القوارب.

وقال، نيكوس نوريس، إنّ “مسؤولين من مختلف الأجهزة القبرصية المعنية بهذه المسألة سيزورون لبنان في غضون 48 ساعة، للتعامل مع هذه الظاهرة بأفضل طريقة ممكنة وأكثرها فاعلية”.

وتخشى قبرص، العضو في الاتّحاد الأوروبي، من أن تتحوّل مقصداً لمهاجرين اقتصاديين ساعين للفرار من أزمة سياسية واقتصادية لا تنفكّ تتفاقم في البلد المجاور.

مراكز إيواء ممتلئة

كما أوضح نوريس رفض بلاده استقبال المزيد من المهاجرين، قائلاً “لم نعد قادرين على استقبال أعداد إضافية من المهاجرين الاقتصاديين لسبب بسيط، هو أن مراكز إيواء هؤلاء المهاجرين في الجزيرة ممتلئة”.

وكان وزير الداخلية القبرصي، قد أشاد، في وقت سابق، بموافقة البرلمان القبرصي على تقليص المدة التي يمكن خلالها للاجئ أن يستأنف قرار رفض طلبه من 75 إلى 15 يوماً.

ووفقاً لوزارة الداخلية القبرصية، فإنّه منذ أغلق عام 2015 “طريق البلقان” الذي كان المهاجرون يسلكونه من تركيا إلى وسط أوروبا، ارتفعت طلبات اللجوء في قبرص من 2.253 طلباً في 2015 إلى 13.648 في 2019.

 اتفاقية لإعادة المهاجرين الاقتصاديين غير الشرعيين

وترتبط قبرص ولبنان باتفاقية تنصّ على “إعادة إرسال” المهاجرين الاقتصاديين غير الشرعيين إلى البلد الذي انطلقوا منه، ما يتيح للسلطات القبرصية إعادة اللبنانيين إلى بلادهم دون أنّ يعرضها ذلك لأي مسائلة دولية. في حين أنّ المتحدّث باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في قبرص، لفت إلى أنّ “أيّ شخص على متن قارب يطلب اللجوء يجب أن يُسمح له بالدخول، على الأقلّ بصورة مؤقّتة لدرس طلبه”.

وفي هذا الخصوص، شرحت المحامية الدولية، ديالا شحادة، في حديث لموقع “الحرة”، موقف المفوضية العليا للاجئين بأنّه “يستند الى قوانين ومواثيق دولية أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية 1951 الخاصة بحقوق اللاجئين، الموقع عليها من قبل قبرص”.

واعتبرت شحادة أنّ “الاتفاقية الثنائية اللبنانية – القبرصية، هي للالتفاف حول الموجب الدولي باستقبال اللاجئ الفار من الاضطهاد أياً كان شكله”، مضيفة أنّ “وصفهم بأنهم مهاجرين اقتصاديين وتمييزهم عن المهاجرين العاديين هو لعدم إعطائهم الحقوق المكفولة للاجئين، أبرزها عدم الترحيل الى بلد المنشأ”.

ورأت شحادة أنّ “ليس للسلطات القبرصية الحق بتحديد صفة اللبنانيين المهاجرين إليها، واعتبارهم مهاجرين اقتصاديين بهذا الشكل غير قانوني، فمن الواجب مثولهم أمام القضاء الأوروبي ومحكمة حقوق الإنسان، لإثبات صفة اللاجئ أو عدمها، وحينها يقرر ترحيلهم أو إبقائهم في البلد”.

وشددت على أنّ “القانون الدولي هو من يعطي الصفة ويحددها لطالب الحماية وليس السلطات المستضيفة، وبأن هناك اتفاقيتين متناقضتين، توجب العمل بالاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، ليس باتفاقية ثنائية”.

وفي هذا السياق أيضاً، أوضح الخبير في شؤون الهجرة واللجوء، المحامي الدكتور سلام عبد الصمد، في حديث لموقع “الحرة”، أنّ “في ظل التناقض بين الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، والاتفاقية بين لبنان، فالثانية واضحة ومقتصرة على المهاجرين بسبب الأوضاع الاقتصادية، وطالما لم يثبت وجود سبب سياسي للبنانيين المهاجرين عبر طرابلس يبرر الهجرة، فيكون الموقف القبرصي سليماً من الناحية القانونية، لاسيما انها قدمت المستلزمات الإنسانية اللازمة لعودتهم”.