IMLebanon

غموض يسيطر على التحقيق بانفجار بيروت.. من يحاول “طمس” الحقيقة؟

بعد أكثر من شهر على الانفجار الضخم في مرفأ بيروت، في 4 آب الماضي، لا يزال شبح الغموض يلف التحقيقات “غير الجدية” التي تقوم بها السلطات اللبنانية، بحسب المتابعين.

ويتهم هؤلاء الدولة اللبنانية بمحاولة لطمس الحقيقة لأسباب “معلومة – مجهولة” وأبرزها إمكانية تورط حزب الله في تخزين الـ2750 طناً من نترات الأمونيوم، التي كانت موضوعة بالعنبر رقم 12 في المرفأ، والتي أدى احتراقها إلى “الانفجار الكبير”.

انفجار ضخم أودى بحياة 190 شخصاً وجرح 6500 آخرين، وتشريد نحو 300 ألف مواطن، مكلفاً لبنان 8 مليار دولار، وفقا لأرقام وبيانات البنك الدولي، وسط تكتم والتباسات عدة تدور حول التحقيق العدلي، في وقت وعدت فيه السلطات اللبنانية المواطنين الكشف سريعاً عما حدث.

ويعتبر مرفأ بيروت بحسب مصادر محلية، واحد من أهم أبواب حزب الله لإدخال وإخراج أسلحة وغيرها، وهو ما يعجز عن القيام به أحياناً عبر مطار بيروت الدولي، الذي يسيّطر عليه الحزب بشكل شبه كامل.

كشفت صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير مفصل لها اليوم الخميس، أنّ “أي تحرك في ميناء بيروت يستلزم دفع رشاوى، والتهرب من القانون هو القاعدة وليس الاستثناء، ما جعله بوابة للبضائع المهربة في الشرق الأوسط، ما سمح للأسلحة والمخدرات بالمرور من دون عوائق”.

وأكّدت الصحيفة أنّ “الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل)، يسيطران بشكل شبه كامل على هذا المرفق العام”، مشددةً على أنّ “حزب الله يتمتع بقدرة فريدة على نقل البضائع دون فحص، بفضل شبكة منظمة تابعة له”. ونقلت عن مسؤولين أميركيين أنّ “حزب الله لا يعتمد على المرفأ لتهريب الأسلحة فقط، إذ أنّه يفضل مطار بيروت الذي يسيطر عليه أيضا”.

وأشارت إلى أنّ “الميناء يتعامل مع 1.2 مليون حاوية شحن سنوياً، لكن جهاز فحص الشحن الرئيسي الخاص به معطّل وغير متصل بالإنترنت منذ سنوات”، موضحةً أنّ “ضباط الجمارك يفحصون الحاويات يدوياً، ويتقاضون رشاوى بشكل روتيني للتوقيع على سلع غير مسجلة أو مشبوهة”، كما ذكر ضباط في الجمارك.

مجريات التحقيق

أما لجهة التحقيق العدلي، في منتصف شهر آب الماضي، وبعد خلافات طائفية وسياسية في اختيار القاضي المرشح للقيام بالتحقيق لاسيما بعد اعتراض وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال، ماري كلود نجم، التي تخضع لتوجيهات التيار الوطني الحر، تم اختيار المحقق العدلي القاضي فادي صوان للقيام بهذه المهمة الصعبة نسبياً، نظراً للتدخلات السياسية والتجاذبات الطائفية.

تسلّم صوان ملف انفجار المرفأ بعد الادعاء على 19 موقوفاً، لم يكن بينهم أي من الطبقة السياسية، واقتصر الأمر على أمنيين وإداريين، ليصدر بعدها مذكرات توقيف وجاهية بحق مدير عام الجمارك، بدري ضاهر، رئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم، والمدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، وغيرهم.

كما جرى الاستماع لإفادة رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، في السراي الحكومي، في سابقة قضائية في لبنان، إذ لم يسبق وجرت جلسات الاستفاع للإفادات والشهود خارج قصور العدل. وأرجأت الجلسات التي كانت مقررة للاستماع لعدد من الوزراء الحاليين والسابقين المعنيين بالملف، بقرار من المدعي العام التمييزي، القاضي غسان الخوري.

غموض ومعلومات مسربة عن التحقيق، تحدثت عن إمكانية وضع مدير عام الجمارك، بدري ضاهر، تحت الإقامة الجبرية، بناء لطلب وكيله، ولكنه عاد وتراجع القاضي عن قراره. وما هو ثابت حتى الساعة، أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، لم يقبل توقيف ضاهر عن الخدمة، وهو لا يزال بمنصبه، بحجة أنّ المرسوم الوزاري بإقالته لم يصل إلى القصر الجمهوري.

 “التحقيق قد لا يختتم قبل ستة أشهر

وشرح المدعي العام التمييزي السابق، القاضي حاتم ماضي، في حديث لموقع “الحرة”، أنّ “التحقيق يمر بمرحلتين، الأولى استجواب الموظفين باعتبار أنّ الإهمال كان سبباً من أسباب التفجير، والثانية الاستماع لإفادة وزراء تعاقبوا على كل من وزارة المال، العدل، والأشغال العامة”.

وأشار إلى أنّه “يلاحظ نوعا من التأخير في التحقيق الجاري، ولربما السبب هو عدم تفرغ القاضي صوان للملف، إذ أنه يتولى مركز قاضي التحقيق العسكري الاول بالإنابة، وأمامه ملف ضخم ومعطيات سبعة أعوام، منذ دخول مادة نيترات الامونيوم إلى المرفأ عام 2013 وحتى لحظة الانفجار”، معتبراً أنّه “إذا استمر الوضع بهذه الوتيرة، فلن يختتم التحقيق قبل ستة أشهر”.

وعن بيان منظمة العفو الدولية، الذي اعتبر أنّ وحده التحقيق الدولي يضع ضحايا انفجار بيروت على طريق العدالة، قال ماضي إنّ “التحقيق العدلي يجريه القاضي صوان مستعيناً بخبرات فنية أجنبية، والتحقيق الدولي يتطلب طلب توجهه الحكومة اللبنانية لمجلس الأمن”.

وحول المعلومات التي تحدثت عن وضع ضاهر تحت الاقامة الجبرية في مديرية الجمارك، وغيرهم من الأمنيين في مراكز خدمتهم، أوضح ماضي أنّ “قانون العقوبات لحظ هكذا نوع من التدابير، التي تنحصر بكبار الأمنيين من ذوي الرتب العالية، وبإمكان القاضي تقرير وضعهم في مراكز خدمتهم بدلاً من سجنهم”، لافتاً إلا أنه لا يعلم مكان توقيف ضاهر.

جريمة دون مجرمين

وفي سياق متصل، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين، في حديث لموقع “الحرة”، أنّ “ما حصل غداة الانفجار، ووفقاً للمعلومات، هناك عناصر من حزب الله دخلت إلى مرفأ بيروت، ولم تشاهد بعد ذلك، سواء تحت عنوان الهيئة الصحية أو غيرها”، مشيراً إلى أنّ “هذه العناصر هي أول من دخلت موقع التفجير، حتى قبل الجيش اللبناني، ما يثير التساؤلات حول إمكانية إخفاء بعض المواد المخزنة أو غيرها من الأمور المجهولة”.

وأضاف أنّ “المعلومات تتحدث عن أنّ التحقيق اقتصر على الجهات الجمركية والأمنية، علماً أنّ تقارير محليّة ودولية تحدثت عن أنّ مرفأ بيروت كان يستخدم لنقل أسلحة للحزب، ولكن لم يكشف الانفجار بحجمه الكبير تفاصيل هذه المعطيات، ولم يتحدث عنها حتى”.

وعن دور حزب الله في تمييع التحقيق، رأى الأمين أنّ “هناك نوعا من التواطؤ وأثمان مدفوعة مسبقاً للتعتيم عما كان يجري في مرفأ بيروت”، لافتاً إلى أنّ “لم يلحظ حتى الساعة أي تحقيق مع عناصر تابعة للحزب، والانطباع اللبناني العام السائد أنّ ما حصل سيمرّ كغيره من الحوادث الأمنية”.

إخبار قضائي بحق نصر الله

من جهته، تقدم الدكتور في القانون الدولي، المحامي اللبناني طارق شندب، بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية، بحق زعيم حزب الله، حسن نصر الله، موضوعه تفجير مرفأ بيروت، ونقل أسلحة وذخائر من خلاله.

وقال شندب، في حديث لموقع “الحرة”، إنّ “ما يثير الاستعجاب هو الحريق في موقع التفجير الذي حصل منذ أيام، وكأنه محاول لطمس الحقائق، علماً أنّه مسرح جريمة ويجب أن يكون محميا وتحت الرقابة”، مشدداً على أنّ “مسرح الجريمة لم يتم الحفاظ عليه، وقد دخل إليه عدد من العناصر التابعة للحزب عبر سيارات إسعاف ومسعفين، وما هو يثير الكثير من علامات الاستفهام”.

واستغرب شندب عدم وجود سياسيين في التحقيقات الجارية، قائلا إنّ “التحقيق لم يأخذ مداه، تم حصره بالإداريين بالرغم من أنّنا أمام جريمة، ولسنا أمام خطأ إداري”.

وأكّد أنّ “مرفأ بيروت يخضع لسلطة حزب الله، حيث هناك بوابات وعنابر خاصة له، وحتى الساعة لم يستوجب أي من عناصر للحزب، ولم يحصل أي تقص حول فرضية تعرض العنبر لقصف بسبب تخزين أسلحة فيه”، لافتاً إلى أنّ “العثور على مادة نترات الأمونيوم منذ عدة أيام في مطار بيروت وفقاً لبيان الجيش اللبناني، يجب ربطه بالتحقيق، وإلا لا يوجد جديّة في كل يجرى في القضاء اللبناني”.

وختم سائلاً “هل تم استخدام مرفأ بيروت لأغراض عسكرية دون وجه قانوني”، لافتاً إلى أنّ “الإجابة على هذا السؤال تكون في الإخبار المقدّم من قبلنا بحق نصر الله، والذي لم ينظر بها المحقق العدلي، بالرغم من تقديمها أصولاً”.