IMLebanon

اللامركزيّة الموسّعة وتحرير النظام السياسي

كتب ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:

كثر الحديث في الآونة الأخيرة، بعد التصريح الأخير لرئيس حزب القوات اللبنانيّة د. سمير جعجع، في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، عن اللامركزيّة الموسّعة، لكأنّ الرجل استحضر طرحاً مرّيخياً عابراً للكرة الأرضيّة. بينما ما طرحه رئيس القوّات هو في فقرة “المبادئ العامّة والاصلاحات” من الدّستور اللبناني، في القسم الثالث منها بعنوان: “الإصلاحات الأخرى”، في البند -أ- تحت عنوان “اللامركزية الإدارية”، في الرابع منه الذي جاء كالآتي: “اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكلّ قضاء يرأسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية”.

في الحقيقة، الاستغراب يصحّ إذا لم يصدر الانتقاد من قبل من صدر عنهم. ففي هذا دليل إضافي على سطوتهم على الدّستور ومحاولتهم تحريفه، تمهيداً لتحويره فتعديله كما يشتهون. لطالما استفزّ أيّ طرح لامركزي طارحي المؤتمر التأسيسي للوصول إلى المثالثة، لأنّ اعتماد هؤلاء كلّهم هو على مقدّرات الدّولة المركزيّة، بغضّ النظر عن امتلاكهم قدرات لامركزيّة، وتحديداً ماليّة واقتصاديّة، أعني هنا تحديداً “حزب الله”، الذي بدويلته داخل الدّولة، استطاع استغلال مركزيّتها عبر حلفائه بطريقة غير مباشرة، لتسيير شؤون بيئته الحاضنة، بينما سخّر قدراته الخاصّة خدمة لمشروعه الثورويّ التوسّعي التسلّحي للسيطرة على الدّولة كلّها بالطرق الدّستوريّة، وتحت وطأة سطوة وهج سلاحه غير الشرعي.

فتطبيق دستور الطائف بالطريقة الاستنسابيّة التي طبّقها الاحتلال السوري ومن تلاه، شكّلت سبباً أساسيّاً من أسباب الانهيار السياسي الذي وصلنا إليه. وتعتبر مسألة تطبيق اللامركزيّة الموسّعة شرطاً إصلاحيّاً أساسيّاً يدخل في صلب الوجدان السياسي لمختلف المجموعات الحضاريّة اللبنانيّة. فهذا الطرح يريح المجموعات كلّها ويمنع الهيمنة السياسيّة بعضها على بعض، وينهي هاجس السيطرة على الدّولة أو التحرّر منها لحسابات تقسيميّة استقلاليّة.

من هنا، بتطبيق اللامركزيّة الاداريّة الموسّعة كما نصّ عليها الدّستور، يتحرّر النّظام السياسي من الألغام التقسيميّة التي وجدت فيه منذ تأسيسه، لا سيّما وأنّ لبنان عاش هذه الحالة يوم كان صغيراً، أي من المرحلة الممتدّة بين العامين 1860 و 1918. وبالتالي، يرتاح المكوّن المسيحي الذي حمل في مشاريعه السياسيّة الطرح الفدرالي منذ أيّام الرئيس إميل إدّه، حتّى طرح الجبهة اللبنانيّة السياسيّ.

كذلك يريح هذا الطرح الشركاء الحضاريّين للمسيحيين، أي المسلمين. فيتحرّر الشيعة من عقدة التوقيع الثالث، والسنة يتحرّرون من هاجس الالتحاق بالعمق العربي حضاريّاً. وفوق ذلك كلّه يجب التنبّه إلى الحقيقة الكيانيّة لهويّة الدولة اللبنانيّة. فالقانون اللبناني مأخوذ من الجمهوريّة الفرنسيّة الخامسة ذات القانون المدني. مع الملاحظة إلى أنّ التعريفات القانونيّة حول مصطلح الدولة المدنيّة ما زالت مبهمة حيث تعتبر بأنّها عكس مفهوم الدولة العسكرية، وهي جواب نقيض لمفهوم الدولة الدينيّة أيضاً التي تستقي قوانينها من الشرائع السماويّة. من هنا، صار الشكل الآخر هو الدولة المدنية حكماً، فلبنان دستوره مدني باستثناء قوانين الأحوال الشخصيّة. فالوصول إلى قوانين مدنيّة حتّى في الأحوال الشخصيّة، من شأنه أن يحقّق المساواة المدنيّة المهيمَن عليها من قبل بعض الأحزاب والفاعليّات الدينيّة. والمضحك في ذلك كلّه، أنّ، هذه الجماعات نفسها، هي التي ترفع هذا المطلب للمزايدة فقط، أو محاولة منها للوصول إلى قانون انتخابات متفلّت من الالتزام بالمناصفة الطائفيّة للهيمنة العدديّة.

خلاصة ذلك، لا تعديل للدّستور قبل تطبيقه. من هنا، المطلوب أوّلاً تطبيق اللامركزيّة الموسّعة كما نصّ عليها دستور الطائف، كذلك بند حلّ الميليشيات حتّى لو تمّ تغيير اسمها لدواعٍ مختلفة سقطت مع مرور الزمن. عدا ذلك، لا إصلاحات تنفع، ولا حكومات تستطيع أن تعمل، والزيارات الدّوليّة ستبقى في إطار ترتيب ملفّات المنطقة العالقة كملف ترسيم الحدود الذي لن ينجح أيضاً في حال لم تتحرّر الدولة من الدويلة والعودة إلى تطبيق الدستور قبل التفكير بتعديله وصولاً إلى التحرير من سياسة المحاور بتطبيق الحياد الناشط، قبل الوصول إلى مرحلة صريف الأسنان.