IMLebanon

سمك موريتانيا وشاي سريلنكا وعقوبات أميركا

كتب علي شندب في صحيفة “اللواء”:

في لحظة اهتمام اللبنانيين بمعرفة مصير «شاي سريلنكا» الذي تضارب الإعلام الرئاسي حوله من كونه «مساعدات إنسانية» لمتضرري انفجار بيروت، أو هبة لشخص رئيس الجمهورية، الذي أمر بتوزيعها على عناصر الحرس الجمهوري لتتناقل الحسابات التواصلية صورا لها داخل بعض محلات السمانة والسوبرماركت.

سبق اهتمام اللبنانيين بمعرفة مصير شاي سريلنكا، تساؤلات كثيرة حول مصير 12 طنا من الأسماك الموريتانية الفاخرة، والتي قدّمت كمساعدات من الشعب الموريتاني الى متضرري انفجار بيروت، وسط غياب للتغطية التلفزيونية، ولتنحصر التغطية ببعض الإعلام الإلكتروني والمكتوب.

«أريد سمكتي» (هاشتاغ) انطلق منذ يومين في لبنان، بهدف الكشف عن مصير مساعدات موريتانيا السمكية. ما دفع قيادة الجيش اللبناني للتوضيح أنه «عملا بشروط السلامة العامة تم تخزين الشحنة السمكية وفق الأصول، وان قيادة الجيش تتواصل مع عدد من الجمعيات التي تقوم بإعداد وجبات الطعام لطهو السمك وتوزيعه على متضرري مرفأ بيروت».

يجدر التنويه أنه ولأعوام خلت يقوم بعض التجار باستيراد الأسماك من موريتانيا في شحنات جوية أسبوعية عبر مطاري تونس والدار البيضاء الى عدد من المطاعم الفخمة في بيروت التي تقدّم السمك على أساس أنه إماراتي أو خليجي.

إنها العنجهية أو الشطارة اللبنانية التي تعاملت مع موريتانيا بنوع من الازدراء منذ القمة العربية في نواكشوط، وإنتهاء بقمة الأمونيوم في بيروت.

وفي لحظة الكشف عن مصير الشاي السريلانكي والسمك الموريتاني، التي لم تحجبها جهود مصطفى أديب في تشكيل الحكومة الجديدة وفق المواصفات الماكرونية. أعلنت الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات على وزير المال السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس وذلك بسبب تقديمهما الدعم لحزب الله والتورّط في الفساد، وتشمل العقوبات الأميركية على الوزيرين تجميد الأصول والعقارات أيضا.

قرار الخزانة الأميركية الذي شرح بشكل مسهب الحيثيات التي سوّغت فرض العقوبات على خليل وفنيانوس، يشكّل مضبطة اتهام مكتملة الأركان لهما من وجهة النظر الأميركية.

العقوبات الأميركية على حليفي حزب الله البارزين أرخى بظلاله على الواقع اللبناني المأزوم، وشكّل مفاجأة لجهة نوعية الأسماء وموقعها ودورها وتبعيتها السياسية، كما وأزال الالتباس حول جديّة واشنطن، التي سبق وأن أفصحت عبر ركني خارجيتها ديفيد شينكر وديفيد هيل، وأيضا بلسان وزير الخارجية بومبيو عن هذه العقوبات، ليتبيّن اليوم أنها مجرد رأس جبل المسار الذي تنوي واشنطن السير به في مقاربتها اللبنانية.

فالعقوبات المفاجئة والمتوقعة في آن، والتي أصابت خليل وفنيانوس تستهدف بشكل مباشر رئيس حركة أمل نبيه بري، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية بهدف دفعهما الى الابتعاد عن حزب الله، قبل أن تطالهما العقوبات شخصيا.

وفي حين وصف فرنجية «الذرائع التي استند إليها القرار الأميركي بالواهية والهزيلة، أكد ان مزاعم ​الفساد​ التي تضمّنها القرار الأميركي ليست سوى «غطاء ركيك لمضمون سياسي واضح»، وأضاف فرنجية «طالما أن الأميركيين عاقبونا بتهمة اننا نساعد ​المقاومة​ سياسياً، فهذا أمر لا يحرجنا، ونحن مش مستحيين بتأييدنا السياسي للمقاومة».

حركة أمل من جهتها قالت بعد اجتماع طارئ لهيئتها الرئاسية، «ان استهداف علي حسن خليل هو استهداف للبنان.. وإن حدودنا وحقوقنا السيادية في البحر والبر نريدها كاملة ولن نتنازل أو نساوم عليها مهما بلغت العقوبات والضغوطات ومن أي جهة أتت.. وأن الرسالة قد وصلت».

لكن بيان حركة أمل تضمن مفاجأة تقول «بأن اتفاق السير بترسيم الحدود البحرية في الجنوب اللبناني اكتمل مع الولايات المتحدة الأميركية ووافقت عليه بتاريخ 9/7/2020 وحتى الآن ترفض توقيت إعلانه دون أي مبرر». كما تجنّب تفنيد بعض حيثيات قرار الخزانة الأميركية خصوصا لجهة ما أوردته حول «رفض علي حسن خليل عام 2019 التوقيع على شيكات لحساب متعاقدين مع الدولة وطالب بدفع جزء منها إليه شخصيا».

 

انها الشيكات، التي سبق وأثارها رئيس الجمهورية في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، واقتبستها منه الخزانة الأميركية، وتحدث فيها عن «مقاولين زاروه وشكوا له تدفيعهم «خوات» في وزارة المال لكنهم يخشون الذهاب الى القضاء».. ما استدعى مطالبة علي خليل لميشال عون «بتسمية المقاولين علّهم يتحدثون عن الحقائب المحوّلة إلى بعبدا وقصرها ولا يتجرؤون على إثباتها أيضا».

أما حزب الله فقد اعتبر العقوبات على خليل وفنيانوس «وسام شرف للصديقين العزيزين ولكل من تتهمه الإدارة الأميركية بأنه مقاوم أو داعم للمقاومة»، من دون أن يكلف نفسه عناء تفنيد تهم الفساد والرشاوى والخوّات بشهادة وكيله في قصر بعبدا قبل الخزانة الأميركية. انها المقاومة التي باتت مجرد صواريخ صوتية كالتي تطلقها إيران التي تدّعي القدرة على تدمير إسرائيل خلال 7 دقائق ونصف، لكنها لم تدمّر إلا مدنا وعواصم عربية. كما انها كالصواريخ الصوتية التي أطلقها إسماعيل هنية بدفع تركي – إيراني من بيروت.

لكن لماذا امتنعت الخزانة الأميركية عن فرض العقوبات على فريق ميشال عون وتحديدا جبران باسيل؟

من يطّلع على حيثيات ومسوّغات قرار الخزانة الأميركية يكتشف بسهولة، أن جعبة جبران باسيل مكتظة بما هو أكثر من حيثيات الخزانة الأميركية، وبرغم الكثير من التسريبات الأميركية حول استهداف باسيل وأيضا سليم جريصاتي بالعقوبات، لم تستهدفه العقوبات.

بدون شك وقع العقوبات على ركني حركة أمل وتيار المردة، بوصفهما حليفي حزب الله كان قويا على جبران باسيل وأيضا على ميشال عون، وفي حال استهدفت العقوبات الأميركية باسيل، كما استهدفت خارطة الطريق الماكرونية معمل سلعاتا الكهربائي الباسيلي، فإنها تقضي على أي أمل لباسيل في الوصول الى رئاسة الجمهورية، التي لأجلها تهون التضحيات وتقدّم القرابين الكبيرة، ومن بينها الابتعاد عن حزب الله.

الابتعاد عن حزب الله، تمظهر بشكل لافت على لسان أمين سر تكتل لبنان القوي ورئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان الذي قال بالأمس «أريد الجيش اللبناني وحده على كامل الأراضي اللبنانية.. وأؤيّد ما طرحه البطريرك الماروني من حياد لبنان الإيجابي ولا أوافق على ردود الفعل السلبية عليه».

كلام كنعان هذا، ربما يشكّل التوطئة الانعطافية الاجبارية، لخريطة طريق جبران باسيل، الذي يرجح أن يكون شرع في الابتعاد التدرّجي عن حزب الله، لتجنّب سوط العقوبات عليه، بعدما سبق وأن تلقّى صفعة دبلوماسية قاسية تمثلت بتجاهله من قبل ديفيد هيل خلال زيارته الأخيرة لبيروت.

الخطير في العقوبات عدا حيثياتها، هو توقيتها المتزامن قصدا لا عفوا مع المبادرة الماكرونية لتشكيل حكومة جديدة بعيدا عن المحاصصة والقوى السياسية وفق خارطة طريق تنهض على الإصلاحات العميقة ومحاربة الفساد الذي وصل حد المتاجرة والسمسرة الرسمية والمدنية بأوجاع اللبنانيين وإفقارهم ونهب أموالهم بالإضافة لمعاناة ذوي ضحايا انفجار بيروت الهيروشيمي.

الخطير في العقوبات الأميركية أن واشنطن انتقلت من عدم الفصل بين الجناح السياسي والعسكري لحزب الله، الى عدم الفصل بين حزب الله وحلفائه. انها المقاربة الأميركية الجديدة في التعامل مع لبنان. وهي المقاربة التي دفعت ماكرون، الى التهديد بفرض العقوبات على القوى السياسية المتهمة بالفساد الذي نما وترعرع وكبر، وأصبح نظاما حاكما تديره منظومة الأمونيوم، وميليشيا المال والسلطة والسلاح، والذي كشف شاي سريلنكا وسمك موريتانيا آخر عوراته، وبات سيف أميركا المشهور.