IMLebanon

بعلبك.. غطاء من الأحزاب المهيمنة وغياب للسلطات

كتب مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:

تسجل محافظة بعلبك تصعيداً واضحاً بأعمال العنف، أخذ يقترب من قلب عاصمتها الهرمل التي تعيش حالياً وضعاً مربكاً في ظل تزايد الهجمات المسلحة وأعمال القتل والخطف والتشليح وسرقة السيارات بشكل شبه يومي، فضلاً عن استمرار النزاعات العشائرية. وفي المشهدية، نفض الحزبان المهيمنان سياسياً، “حزب الله” و”حركة أمل”، ايديهما من الموضوع وتنصلا تحت عنوان “اللهم ما باليد حيلة”… وبظاهرة جديدة من نوعها: “بات للدولة اللبنانية الدور الأوحد في معالجة الفلتان الأمني لا مسؤولية للأحزاب الفاعلة فيه”.

بيان تلو الآخر من الحزبين، يستنكران فيه الوضع وتصريحات لنواب أن لا غطاء حزبياً على أي مرتكب، وسط تأكيدات من السلطات اللبنانية فتح تحقيق فوري وعاجل بشأن أحداث أمنية متتالية، لكن لا جديد حتى الساعة. فما الذي تنتظره وزارة الداخلية لإطلاق خطة لمواجهة الانفلات الأمني وضبط السلاح المتفلت ومصادرته ومباشرة واجب التفتيش عن عصابات المخدرات والجرائم المنظمة، وتنفيذ مذكرات إلقاء القبض على المطلوبين، وفرض الأمن وإنفاذ القانون؟

شهر حافل بالجرائم

في الثالث من أيلول حصلت اشتباكات مسلحة في حي الشراونة في بعلبك بين أفراد من عشيرتي جعفر وزعيتر، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية كما سقط العديد من الجرحى. في حين أنه وفي اليوم نفسه، حصلت اشتباكات مسلحة بين آل علام وآل حمادة في الهرمل. في اليوم التالي، أي الرابع من أيلول، قتل المواطن علي خليل عبد الساتر جراء إطلاق نار عليه من مجهولين خلال محاولته ردعهم عن سرقة محصوله الزراعي من البصل في سهل بلدة إيعات. ليليها بعد أربعة أيام حادثة قتل الشاب مهدي وهبة في شعث أثناء محاولة سرقة ماشيته فتمّ توقيف شخصين أحدهما سوري والثاني فلسطيني بعد 24 ساعة في التاسع من أيلول الذي شهد أيضاً أحداث خطف لشخص على خلفية مقتل مهدي وهبي في اليوم السابق. كما وفي نفس اليوم، أطلق مسلّحون مجهولون النار على محل تجاري يملكه مواطن وسط سوق بعلبك التجاري، واقتصرت الأضرار على الماديات.

ارتاح الوضع لمدة ثلاثة أيام ومن بعدها في الثاني عشر من أيلول أطلق مسلحون مجهولون يستقلون سيارة رباعية الدفع النار في اتجاه محل “جنى” لبيع الألبسة في سوق بعلبك التجاري الذي كان يشهد حركة ناشطة وفي بلدة الطيبة أقدم أحدهم على إطلاق النار من سلاح حربي باتجاه قاصر من آل مظلوم مما أدى الى إصابته برجله اليسرى. وفي اليوم التالي أي بتاريخ 13 أيلول وأثناء مرور جيب نوع غراند شيروكي زجاجه حاجب للرؤية على حاجز للجيش في منطقة الكيال حاول العناصر توقيفه لكنه لم يمتثل لأوامرهم، وأقدم من بداخله على إطلاق النار باتجاههم ما اضطرهم إلى الرد بالمثل، ما أدى إلى إصابة أحد العسكريين، في حين فر مطلق النار إلى جهة مجهولة، ولم يوقف حتى اليوم. وبعد هذا الأسبوع الحافل بالتعديات، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي البارحة القبض على سارق سيارات كان قد فُضح على وسائل التواصل الإجتماعي بالفيديو في آب، انجاز متواضع، أمام هذا الكم الهائل من كسر القوانين.

في الأحداث التي ذكرناها، تعرض قاصر لإطلاق نار من سلاح حربي أصاب رجله خلال اشكال، وفي حديث هاتفي مع والده محمد ابو عبدو مظلوم يقول لـ”نداء الوطن” إن إبنه قد تعرض للضرب المبرح وللإعتداء بسلاح متفلت فارتأيت عدم اللجوء إلى العشيرة والذهاب إلى القوى الأمنية، وحين توجهت دورية للقبض على الجاني المعروف بالإسم ومكان السكن تلقت اتصالاً من فاعلين من “حزب الله” وتراجعت عن اعتقال الذي اعتدى على ابني. فما هي الرسالة التي تعلمها دولتنا لطفلي القاصر؟ أن الحق لا يؤخذ سوى باليد؟”.

وبغصة يتابع الأب قائلاً: “للأسف، صار الأمن بالتراضي والحق ضائع بين الضابط والقاضي. كونوا على ثقة أن أبناء بعلبك وكبار عشائره لا تغطي أياً من عصابات المخدرات والتشليح والقتل والميليشيات المسلّحة التي ترهب وتعيث في أرضنا فساداً وإرهاباً. وأعدادهم قليلة ومعروفون بالإسم ومعروفة الجهات الحزبية التي تحميهم لا بل تغطي خططهم الممنهجة والمرسومة بخبث لاختطاف واغتيال الأشخاص، بالتزامن مع التجاذبات السياسية”.

من جهته يأسف أحد القاصرين من أصدقاء إبنه، وأقربائه الناشط مصطفى مظلوم، ويقول لـ”نداء الوطن” إنه كتلميذ يعاني من الحرمان منذ الصغر، وقد اختار أن يكون ناشطاً سياسياً لأنه ترعرع في بلدة بعلبكية تعايشت مع الحرمان لدرجة “وعيوا” القصار فيها “على بكير”. ويتابع: “لماذا لا يكون للشرطة البلدية دور في حمايتنا كأمن ذاتي، إذ تتكرّر مثل صرختنا على مدار الساعة في بيوت البعلبكيين بعيداً عن سلطة الدولة اللبنانية ورجال أمنها وقضاتها، وفي بعض الحالات تحت أنظارها، ومن دون اعتراض منها. وقد أصبحت أصواتنا جزءاً من حوارات يائسة، تدور بين آلاف الأسر هنا وفي حوارات العشائر التي ليس منها من لم يفقد إبناً، وما زالت تخاف على الأحياء منا. ووصل بالأشخاص أحياناً إلى أخذ الحق بيدهم إذ لم يعودوا يمتلكون ترف الوقت، كي ينتظروا حكماً ينصفهم من دولة غائبة كلياً عن السمع، وأحزاب ميليشياوية تتحكم بالمشهد العام لا تحمي ولا تبني بل ترعب وتهدم”.

أما الدكتور حسن مظلوم فيشرح لـ”نداء الوطن” أن “هذا الفلتان الذي نشهده اليوم، والذي طاول عشرات من الأبرياء، من دون تحقيق أو استقصاء، يترافق مع استحقاقات وطنية كبرى كتشكيل الحكومة مثلاً وهناك “كباش عليها” وفي هذا السياق تُخلق توترات، لا بد أن يُلاحظ أنها مقصودة وليست وليدة اللحظة”.

ويتابع “يطلبون من الأشخاص التمدن وليس في حياتهم منذ الصغر أي وجه للتمدن، لا مدارس ولا مستشفيات ولا بنية تحتية ولا مقار ثقافية. وحين يريدون توظيف أشخاص في مواقع مهمة، لا يأتون بالكفوء بل بالمتحازب، هناك ظلم ممنهج وفادح، وعجز كامل للدولة عن المحاسبة، ودويلة تحكم من مجرمين يرفض رجال الأمن ملاحقتهم، سامونا سوء العذاب، قتلوا أبناءنا، وانتهكوا حرماتنا، ونهبوا ثرواتنا، وكمّوا أفواهنا، وأحكموا الطوق من حولنا”.

المختصر المفيد يُجمع أغلب المتضررين من ظاهرة الأمن بالتراضي بين العشائر هذه، بأن التصدّي لها واستتباب الأمن، قد لا يكتملان من دون نزع سلاح الميليشيات وتفكيكها وتجفيف منابع أموالها، بعدما باتت تشكل جيشاً موازياً يمتلك القدرة على التحكم بمصائر الناس وتحويل بعلبك من قلعة العظماء إلى مكان ليس المواطن فيه الا “مشروع شهيد” يُرمى على قارعة الطريق جسداً واهناً كي تأكل هوام الأرض منه.