IMLebanon

قرارات جريئة وصوت “الروح القدس” يتردّد: أصمدوا

كتبت نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن”:

يعقد مجلس كنائس الشرق الأوسط اليوم إجتماعاً للجنته التنفيذية في بكركي، تلتقي فيه حضورياً أو عبر الـ”أونلاين” الكنائس الأعضاء في دول الشرق الأوسط، من مصر والعراق والأردن والأراضي المقدسة وقبرص ودول الخليج… وفيه ستُطرح بجرأة كل قضايا الشرق الأوسط وتداعيات انفجار مرفأ بيروت… وسيُصار خلاله الى تعيين أمين عام جديد بالوكالة خلفاً للأمينة العامة ثريا بشعلاني.

الخبر، في الشكل، قد يجده كثيرون عادياً لكنه يُشكل في المضمون مفصلاً في هذه المرحلة الزمنية التي يفرغ فيها لبنان، ودول شرق أوسطية كثيرة، من مسيحيي هذا الشرق. فماذا تستطيع العائلات المسيحية الأربع الأرثوذكسية الشرقية والأرثوذكسية الأنطاكية والإنجيلية والكاثوليكية القيام به لإحداث الفرق؟ وهل تعِد تلك العائلات بذلك أم سيكون اللقاء، كما سواه، عابراً؟ تتحدث الدكتورة ثريا بشعلاني بصوتٍ خافت، بثقة، وبكثير من الرجاء. مضى على وجودها في منصب الأمانة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط نحو عامين، وهي أول إمرأة تتبوأ هذا المركز، والمرأة كما تعلمون نصف المجتمع وأساس صلاحه وتطور الحضارات ونهوضها. فماذا فعلت في عامين؟ وكيف ستترك المركز وتعود الى عملها أستاذة اللاهوت الكنسي الجامعية؟ وكيف تقرأ الحضور المسيحي في هذا الشرق المنهك؟ وهل فشلت العائلات المسيحية في زرع “الأخوة الإنسانية” في نفوس مسلمي ومسيحيي هذا الشرق؟

تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط عام 1974 وضمّ يومها كل الكنائس إلا الكاثوليكية التي عادت وانضمت إليه لاحقاً. وها قد أصبح يضم اليوم، كهيئة كنسية مسكونية، كل الكنائس في الشرق الأوسط. وكان يفترض إنعقاد الجمعية العامة، التي انعقدت عام 2016 في الأردن، اليوم لكن، بسبب الأوضاع، تنعقد اللجنة التنفيذية لتتخذ إجراءات مهمة. جميلٌ أن نسمع عن إجراءات مهمة ستتخذ في زمن يحتاج الجميع فيه إلى وضوح وعدم مواربة وإلى سماع كلام مقرون بأفعال لا يبقى في الأسماع “مجرد حكي”.

تكرر بشعلاني قولها “شبعنا حكياً” وما عدنا نؤمن به. لذا سنأخذ مواقف ومقررات استراتيجية مع شركائنا المسلمين ومع اليهود لاحقاً لتكريس مواقفنا الاستراتيجية. وأهم ما سنتطرق إليه:

أولاً، اتخاذ قرارات ستكون بمثابة رسائل المجلس، هي أساسية لكنائس الشرق الأوسط، عبارة عن مواقفهم المشتركة ورسالتهم المشتركة، تُمكن البيت المشترك أولاً من المضي في مسيرة التحديات، والتأكيد عليها لتعود وتُنفذ من قبل الأمانة العامة.

ثانياً، ثمة عرف لدينا في انتخاب الأمين العام كل أربع سنوات من عائلة مسيحية مختلفة، وهذه المرة ستسلم الأمانة العائلة الكاثوليكية الى العائلة الأرثوذكسية. على أن يعاون الأمين العام ثلاثة أمناء من الكنائس الثلاث الأخرى. ماذا يعني قرارات استراتيجية الآن؟ سؤالٌ يطرح نفسه… وتجيب عليه بشعلاني بالقول: “سنحضر مساراً كبيراً هو مسار الحضور المسيحي في الشرق الأوسط نحو ميثاق كنسي عالمي، وسنقرأ بجرأة الحالة المسكونية والجيوسياسية بلا خوف وتلاعب على الحقيقة وبرجاء كبير مع مائة متخصص من الشرق الأوسط، يتفاعل فيه ومعه الشباب والشابات. سنتجرأ أن نسمع بالقلب والروح وبالصوت العالي ما يقوله لنا الروح القدس وليس مجرد التحليلات. نريد أن نعرف ماذا يقول الروح القدس بالنسبة الى الحضور المسيحي الذي لم يكن يوماً مجرد عدد. للمسيحيين دور نريد أن نلعبه والوصول الى خواتيمه وذلك يتطلب ًمساراً طويلاً. وهذا الصوت، صوت الروح القدس، يجب على اللجنة التنفيذية والجمعية العامة أن يقولا: نعم سنسير به قدماً. سنوصِل للجمعية ثمار عملنا ورسالتنا في هذا الشرق”.

مسيحيون ومسلمون معاً

ماذا يريد المسيحيون؟ ماذا يقول برأيها صوت الروح القدس المسيحي في هذا الشرق؟ تجيب: “هذا هو لولب سؤالنا. وجوابه يكون بالإصغاء الى ما يريده يسوع المسيح من الشرق. فالوجود المسيحي ما كان يوماً عددياً بل نوعياً، “فالإنجيل قال: أنتم ملح الأرض ونور العالم وإذا فسد الملح فأي شيء يملّحه؟”. وما لم يفهمه كثير من الموارنة والمسيحيين أنهم مثل حبة الحنطة التي إن لم تقع في الأرض وتمت بقيت وحدها وإذا ماتت أخرجت حباً وثمراً كثيراً. فنحن سنسمع غداً، ما نحاول دائماً سماعه، وهو صوت الله وما يريده يسوع المسيح منا. فنحن نؤمن أننا لا نموت حتى ولو استشهدنا”.

لكن المسيحي اليوم ما عاد قادراً على الصمود وقد وضّب مسيحيون كثر حقائبهم وينتظرون لحظة المغادرة الى مكان فيه سلام أكثر وأمان أكثر وراحة أكثر، وكل ما عدا ذلك مجرد كلام فارغ. فكيف ستنجح العائلات الكنسية في جعلهم يسمعون من جديد ماذا يريد المسيح منهم؟ تجيب: “أولاً، نحن لا نُعنف ولا نزعج من قرروا أن يغادروا المنطقة لأننا نؤمن أن ربنا يبارك سعي كل إنسان، ولكل مسيحي، أينما كان، رسالة. ونحن كل عمرنا نغترب في كل العالم، ومن غادروا يعملون على دعم من في الداخل، فلكلٍ دوره. أما من بقوا فهم العمود الأساسي الذي تتأسس البنية عليهم ويعطون بصمودهم معنى الحضور المسيحي في الشرق الأوسط. فنحن يجب أن تبقى أقدامنا دائماً على الأرض على أن نكون “حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام”. فنحن نعمل مع شركائنا المسلمين واليهود المنفتحين على بناء شرعية وأصول لأوطان وعلى “مواطنة حاضنة للتنوع”. نحن نعمل على أوطان تبنى على دساتير وقوانين ترى حقوق وواجبات كل مواطن. ونؤمن أن الإختلاف غنى نبني عليه في الشرق. وإذا بنينا على قاعدة المواطنة سيرتاح المسيحي ويساعد المسلم على الإنفتاح على الآخر، لأن استسلام المسيحي وهجرته سيدفع ثمنه المسلم. وسيكون بالتالي المسلم الخاسر الأكبر”. إذا صمد المسيحي يربح المسلم وإذا أصر المسلم على حماية البقاء المسيحي يحمي حاله، تضيف بشعلاني “إفناء الآخر لا ينتهي. ومن يفرح لفناء الآخر سيأتيه يوم ينتهي هو ايضاً فيه. لذا سنقول غداً، مجدداً، للمسلم ساعدنا لنساعدك. وسنقول للعالم، إذا نجحنا فسيربح كل العالم والإنسانية جمعاء”.

هل نفهم من هذا الكلام أن إجتماع بكركي سيتضمن ما يُشبه التهديد للآخرين؟ تجيب: “ليس تهديداً بل تحفيزاً”، تضيف: “من يقرأ التاريخ جيداً يتأكد أن المسيحيين ما كانوا يوماً منذ نشأة الإسلام كثراً عددياً، كانوا أكثر لكن ليسوا الأكثر، لكنهم كانوا وبقوا فاعلين لأن الله سلمنا رسالة مضمونها الإيمان والثقافة. تسألون إذا كنا خائفين نجيب نعم. تسألون إذا كنا “مبلبلين” نقول بلى. تسألون إذا كنا حزانى نجيب أكيد. فكل ما حدث ويحدث دمرنا جميعاً لكننا تأكدنا معه أن العدل والعدالة أمران أساسيان كحلّ للإنسانية جمعاء. ونحن، بعد كل ما حصل ورأينا وعانينا، نتأكد أكثر أن يسوع إلهنا هو حيّ. مات وقام وحارب ووطئ الموت بالموت وعاد وقام وأعطانا الحياة الأبدية”. نفهم من كل ما تقوله الأمينة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط أن الكنائس المجتمعة غداً ستؤكد من جديد الى مسيحيي الشرق “أنهم دعاة سلام وعدالة حتى الرمق الأخير”.

تجاه كل ما قالت ويقال كيف تقرأ الواقع المسيحي الفعلي؟ تجيب: “دعونا نكون جريئين ونرتب البيت الداخلي والبيت المشترك، ونكون شهوداً للخير شرفاء كرماء…”، وتستطرد: “صحيح أن الدولة مؤتمنة على شعبها لكن على الكنيسة العناية بأولادها. الكنيسة يفترض أن تكون أماً وأختاً. وحتى نبني بيتنا الداخلي ونعزز إيماننا علينا أن نبني على الصخر. ومشروعنا طويل الأمد. وإذا نجحنا ارتاح المسلم كما المسيحي. فهناك مسلمون كبار بأخلاقهم وإيمانهم. علينا أن نفهم إذاً ما يريده إلهنا منا وما اعطانا إياه ولا نكون عبثيين”. نتذكر هنا مقولة “من ضربك على خدك الأيمن در له الأيسر” لكن، الكلام سهل وهي، ثريا بشعلاني، قالت في البداية “شبعنا كلاماً”. فماذا عمن سيجيبها هنا أن الكنيسة التي تتكلم عن الإنفتاح مغلقة على بعضها البعض؟ تجيب: “دور مجلس كنائس الشرق الأوسط جعل الكنائس تتخطى كل الخلافات التاريخية وتنظر الى الأمام “فلنا رب واحد هو يسوع المسيح” من دون أن تذوب الكنائس طبعاً ببعضها البعض. فالمسيحية تؤمن بالتنوع والتنوع تحد كبير. وأشارت بشعلاني إلى أن ترتيب البيت المسيحي المسكوني قطع درباً طويلاً وحقق تقدماً لكن “المشوار” يبقى طويلاً وغير سهل، والتشرذم ليس في جوهر الإيمان المسيحي بل هو نتاج الضعف البشري”. وتُكمل قائلة: “يعمل المجلس منذ أربعة أعوام على الوحدة والمشاكل التي يواجهها عملية لا جوهرية”.

اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط

اليوم، سيُصار من جديد الى التحدث بصوت عال عن التحديات التي يواجهها مسيحيو هذا الشرق وأبرزها ثلاثة:

1 – المدرسة

2 – الطبابة

3 – المسكن

فلنقل للمواطن المسيحي أن كنيستك أمنت لك هذه المسلمات الثلاث التي تشكل تحدياً لك فسيفكر مرات قبل أن يوضب أمتعته ويغادر. والسؤال: قادرون أن نفعل ذلك؟ جواب بشعلاني: “أننا إذا فكرنا معاً فسنجد الحلّ. ونحن دورنا أن نفكر ونتكلم ونعرض المشاريع ونحفز ونستعين في كل ما نقوم به بالروح القدس. سنعمل ولا بُدّ أن نجد “المجرى” الذي ستعبر منه الحلول. ونحن هذا المجرى إذا استعنا بالروح القدس”.

إجتماع اليوم في بكركي هو داخلي، ولو أتيح عقد الجمعية العامة لكان المسلم أول المشاركين وتقول الأمينة العامة: “في سبعينات القرن الماضي كنا أول من دعا الى لقاء المسلم والمسيحي. ومعاً سنتابع من أجل “المواطنة الحاضنة للتنوع”. هذا مشروع كبير بدأناه. فهناك مسلمون يطمحون مثلنا الى نمط جديد، والثمار لا بُدّ أن تنضج”.

تغادر الدكتورة ثريا بشعلاني منصب الأمانة العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط آخر أيلول، فهل وجود إمرأة، في شكل إستثنائي، في هكذا منصب، دفع قدماً بالأفكار الجديدة التي يحتاجها المسيحيون اليوم، كما المسلمون، من العائلات الكنسية؟

تعترف بشعلاني أنه يتاح للمرأة أن تتكلم بجرأة، في أحيان كثيرة، اكثر من رجل شرط أن تعرف ماذا تقول. والمرأة قادرة أن تحلم وتحقق وتتجرأ. وتُردف: “نحن نعمل في شكل جماعي وقوتنا أننا فكرنا معاً، كشركاء، والانفتاح الكنسي العالمي أعطاني بعداً جديداً”.