IMLebanon

كورونا يُشعِل “رومية”: نحو التمرّد الكبير

كتب رضوان مرتضى في “الاخبار”:

أكبر سجون لبنان يغلي. كورونا دبّ الهلع في صفوف السجناء وذويهم وسجّانيهم. عدد الإصابات بالعدوى يناهز المئتين في ظل شكوى السجناء من إهمال يُهدد حياتهم. أما إدارة السجن، فتبذل قصارى جهدها في ظل عجزٍ عن وقف تمدّد العدوى.

يستعد نزلاء السجن المركزي في رومية لانتفاضة كبرى تنطلق قريباً. يتحدث هؤلاء عن مفاجأة مدويّة يُعِدّون لها. يهمِس أحدهم أنّ قتل النفس احتجاجاً خيرٌ من انتظار الموت من جراء المرض. لم يترُك المنسيُّون خلف القضبان باباً إلا طرقوه. وجّهوا عشرات المناشدات بالصوت والصورة من داخل سجنهم إلى مختلف المرجعيات السياسية والدينية. أمطروا هواتف المسؤولين والصحافيين بعشرات الاتصالات. حتى السجناء الأجانب أقلقوا راحة سفرائهم طلباً لمساعدة لم تأتِ بعد. كانوا يستغيثون لإنقاذهم من مصير أسود يرونه ينتظرهم في ظل انتشار وباء كورونا بين السجناء كالنار في الهشيم. هدّدوا بالتصعيد، لكنّ أحداً لم يكترث. اعتصم العشرات من ذويهم أمام السجن مطالبين بإقرار العفو العام، لكنهم عبثاً كانوا يحاولون. ورغم إعلان وزارة الصحة وإدارة السجن أنّ الوضع تحت السيطرة، إلا أنّ حال السجناء تشي بعكس ذلك. تُسجّل أجنحة السجن إصابات يومية بين السجناء. المبنى «ب»، المعروف بمبنى الإرهاب، تصدّر المشهد. تجاوزت إصابات كورونا فيه ١٥٠ إصابة، كان بينهم «أمير الطابق» الشيخ خالد حبلص، المتهم الذي ذاع صيته في أحداث بحنّين قبل سنوات. نُقِل الرجل إلى المستشفى بحالة حرِجة. كذلك نُقِل سجين ناهز الثمانين من العمر من مبنى المحكومين إلى المستشفى إثر إصابته بـ«كوڤيد 19»، علماً بأن إجراءات إدارة السجن التي بدأ العمل بها مع الإعلان عن أول حالة كورونا كانت الفصل بين السجناء وزملائهم المتقدّمين في العُمر على أن يُعزلوا في مبنى منفصل.

لا تتوقف الاتصالات التي ترِدُ من داخل السجن المركزي. يحكي السجناء عن إهمالٍ وإخفاءٍ للحقيقة تمارسهما السلطات السياسية والأمنية. يقول أحد السجناء من مبنى المحكومين لـ«الأخبار»: «إنهم كاذبون. لم يوزّعوا علينا الكمامات والمعقمات بعكس ما يزعمونه في الإعلام». يُرسِل السجين نفسه فيديو يُظهر فيه عشرة سجناء يُعرّفون عن أنفسهم ويرتدون كمامات مصنوعة يدوياً في غرفة صغيرة، حيث يخرج صوت مصوّر الفيديو ليقول: «هذه الغرفة التي يُسمّونها غرفة العزل». في الفيديو يَظهر سجناء بأعمار مختلفة. يبدون متعبين بوجوه صفراء ناحلة حيث يتمدد بينهم سجينٌ طاعن في السنّ. سجين آخر يُرسل لـ«الأخبار» لائحة بأسماء 120 سجيناً خضعوا لفحص الـpcr، كاشفاً عن تسجيل ٦٤ إصابة في مبنى المحكومين حتى الآن. ويتحدّث السجين المذكور عن عزل أربعة أشخاص حالتهم حرجة، نُقِل اثنان منهم إلى المستشفى هم س. د. (مستشفى الهراوي)، وم. ن. (مستشفى ضهر الباشق).

في موازاة التعبئة العامة التي يعيشها السجناء، تستنفر إدارة السجن كل قدراتِها مع العلم بأنّ العدوى أصابت عدداً من العناصر الأمنيين. في الأيام التي مرّت، كثير من العناصر لم يناموا. استنفارٌ في أعلى مستوياته بحسب المصادر التي تؤكد أنّ عمليات تعقيم يومية تخضع لها جميع المباني بخلاف ادّعاء السجناء. كذلك تؤكد المصادر أنّ الكمامات وُزِّعت على جميع السجناء أكثر من مرة، متحدثة عن توزيع نوعين من الكمامات، إحداها تُستعمل لمرة واحدة والأخرى تُغسل ليُعاد استعمالها. ورغم أنّ أعداد الإصابات تُناهز المئتي إصابة بحسب المصادر الأمنية، إلا أنّ الخلية الأمنية التي شُكّلت في السجن منذ شهر شباط الماضي ساعدت في الحؤول دون وصول الفيروس إلى السجن خلال موجة كورونا الأولى. أما عن حال الهلع التي تُسيطر على السجن والتصعيد الذي يهدّد به السجناء، فتقول المصادر الأمنية إنّ السجناء يرون في كورونا حبل نجاة قد يُنقذهم من السجن ويساعد في إقرار العفو العام.

وتعليقاً على عدم نقل السجناء الكبار السن إلى مبنى منفصل، تكشف المصادر الأمنية أنّ عدداً منهم رفضوا الانتقال بادئ الأمر، لكنهم عادوا وأذعنوا بعد انتشار الفيروس. ورأت المصادر أن بعض السجناء عمد إلى تهديد سجناء آخرين إن هم قبِلوا بالانتقال، بذريعة أنّ وجودهم قد يُساعد في إقرار العفو. وأشارت المصادر إلى أن المبنى «ج» خُصِّص لعزل السجناء. غير أنّ المصادر الأمنية نفسها لا تُخفف من حجم الخطر الذي يتهدّد السجناء، مترقبة خطوة قضائية جريئة لتخفيف الاكتظاظ وإخلاء سبيل عدد كبير من السجناء حرصاً على حياتهم.

أما عن كيفية وصول كورونا إلى السجن، فذكرت المصادر وجود إجراءات صارمة كانت متّبعة لعلاج السجناء داخل السجن حرصاً على عدم انتقال الفيروس من أحد المستشفيات. إلا أنّ المصادر نفسها ذكرت أنّ حالة طارئة استدعت نقل بضعة سجناء من مبنى السجناء ذوي الخصوصية الأمنية (المعروف بـ«الإرهاب») إلى المستشفى، كاشفة أنّ أحد السجناء أصيب بالعدوى ثم انتقلت إلى باقي السجناء. أما مبنى المحكومين فيُعتقد أنّ العدوى انتقلت إليه من أحد العناصر الأمنيين.

السوار الإلكتروني

طُرِح العفو العام ابتداءً للتخفيف من اكتظاظ السجناء، لكنّ خلاف الساسة أسقطه. جاء وباء كورونا ليُجبر المسؤولين على البحث عن حلٍّ بديل، فكان السوار الإلكتروني الذي يسمح باحتجاز السجناء في منازلهم ومراقبتهم. حُكي عن هبة فرنسية، إلا أنّ المشروع توقّف فجأة رغم طرحه منذ أشهر طويلة. تقول المصادر إنّ مشروع السوار الإلكتروني سقط، كاشفة عن سببين؛ الأول ذكرته مصادر قضائية، لافتة إلى أنه تبين أن برمجته من إنتاج إسرائيلي. أما السبب الثاني فذكرته مصادر وزارية متحدثة عن كلفة الصيانة العالية التي دَفعت إلى صرف النظر عن المشروع. غير أنّ المصادر نفسها تكشف أنّ هناك مشروعاً بديلاً يجري الإعداد له يسمح بالتخفيف من الاكتظاظ في السجون ويُنقل السجناء بموجبه إلى منازلهم لقضاء محكوميتهم فيها.