IMLebanon

ما هي مشكلة فرنسا في لبنان؟

كتب محمد بسام الحسيني في “الأنباء الكويتية”:

طوال الأسبوعين الماضيين ساد التساؤل حول ما إذا كان الموقف الفرنسي من حزب الله متناقضا بين دعوته الى لقاء الرئيس ايمانويل ماكرون خلال زيارتيه الأخيرتين الى لبنان ثم تأييد باريس لوجهة النظر المؤيدة لمداورة الحقائب الوزارية في الحكومة بما فيها «المال» وأن يتولى رئيس الوزراء المكلف تسمية جميع وزرائه كما ينص الدستور اللبناني وهو ما يرفضه الحزب.

وفي الواقع، فإنه ليس في الأمر تناقضا بحسب مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الاطلاع على الملف اللبناني، والتي تؤكد ان فرنسا لا تناور في موقفها من الثنائي الشيعي ولا مشكلة لديها في توليه حقيبة المال أو تسميته لوزرائه بالاتفاق مع رئيس الحكومة رغم ما يسببه ذلك من استياء لدى باقي الفرقاء الذين يشكون أصلا من استقواء حزب الله بفعل فائض القوة لديه عليهم.

لكن فرنسا بحسب المصادر تنظر إلى ما هو أبعد من ذلك ولا ترى – كما يرى اللبنانيون – أن الأهم الآن هو مجرد تشكيل سريع للحكومة فقط، وإنما تتعاطى مع مبادرتها ككل متكامل ينبغي ان يُستكمل بمؤتمرات اقتصادية وهنا بيت القصيد، لأن اغلب من سيساهمون في هذه المؤتمرات هم على عداء اليوم مع حزب الله الذي يهدد شعوبهم ومصالحهم بتدخلاته الخارجية في أكثر من مكان ودوره الإقليمي المنحاز.

من هنا تقول المصادر ان وجود الحزب، او من يسميه ليقبض على القرار من خلاله في أي وزارة، سيعني تلقائيا مشاركته المباشرة ويستتبع بالتالي رفض تلك الدول للمشاركة في مساعدة لبنان وفق المساعي الفرنسية ومؤتمر «سيدر» خاصة في ظل ما يواجهه المجتمع الدولي ومختلف اعضائه من ضغوط أصلا بسبب ازمة «كورونا».

وحتى تتجاوز فرنسا الحرج وتعزز فرص نجاح مبادرتها اعتمدت تكتيك استبعاد جميع الأحزاب من الحكومة لحفظ ماء وجه «الثنائي الشيعي» رغم وجود أحزاب غير متورطة في الفساد الممنهج والمرصود دوليا، فالكتائب اللبنانية مثلا انسحبت من الحكومة سابقا ورئيسها النائب المستقيل سامي الجميل توقع وحذر قبل سنوات مما وصلت إليها البلاد من حال مزرية حاليا وثبت انه كان واقعيا وعلى حق، والقوات اللبنانية ايضا تلقفت بدورها الاشارات وساهمت في تسهيل المبادرة بالنأي بنفسها عن الحكومة تسمية وتشكيلا، وهي الطرف الذي يستخدمه «الثنائي الشيعي» عادة لشد عصب قواعده.

اما أطراف السلطة الأساسيون خلال العهود المتعاقبة فاتخذوا مواقف متباينة، التيار الوطني الحر متهيب للموقف وقد قرأ بوضوح آثار الأزمة الاقتصادية القادمة وما قد يترافق معها من تهديد بالعقوبات، ومن مصلحته إنقاذ آخر سنتين في العهد.

الحزب الاشتراكي كان أول المعترفين بأخطاء وآثام المرحلة الماضية مذكرا بحجمه المتواضع مقارنة بالآخرين ومبديا استعداده لتسهيل الطريق أمام الاصلاح بل ومراجعة أدائه، أما تيار المستقبل والذي اقرت شخصيات مرموقة فيه ايضا بمسؤوليته عن التركة الثقيلة وسوء الإدارة في لبنان، فبدوره قرر الانسحاب من الحكومة المقبلة أملا في إنقاذ صلاحيات رئيس الوزراء من جديد والتي من دونها لا يمكن إدارة البلد بشكل سليم، وتعطيل هذه الصلاحيات هو أبرز سبب للويلات في الماضي القريب.

أما «الثنائي الشيعي» بالمقابل يغرد خارج السرب.. وبدلا من تفهم الموقف الفرنسي فإنه مارس أعلى الضغوط وكأن باريس تخوض معركة وجودية ضده.. وقد يكسب مقاعد معدودة في حكومة يراها العالم فرصة لوقف الانهيار، لكنه سيُفقد الفرنسيين الساعين للإنقاذ القدرة على جمع القدر الأكبر من الاستثمارات والمساعدات التي يطمحون لجمعها من اجل لبنان وهو ما يجعل كلفة مقاعد الثنائي عالية جدا وتضاف الى لائحة الخسائر والفرص الضائعة امام لبنان لأسباب سياسية وسلسلة الحواجز امام المكافحة الفعلية لفساد مستشرٍ يثير دهشة العالم بحجمه وسكوت الشعب اللبناني عنه!