IMLebanon

اتصالات بين عون و”الحزب” أوقفت تشكيلة حملها أديب إلى بعبدا

كتب وليد شقير ودنيز رحمة فخري في “اندبندنت عربية”:

عادت التساؤلات في بيروت عما إذا كانت باريس ستنفض يدها من مساعيها لمحاولة إنقاذ لبنان من مأزقه المالي الاقتصادي، بعدما بقيت العراقيل ذاتها ماثلة أمام الخطوة الأساس، كي تأخذ مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مسارها نحو التنفيذ. فإزالة العقبات الداخلية أمام تشكيل الحكومة اللبنانية، هي مفتاح تطبيق خريطة الطريق التي وضعها ماكرون، وتعهد القادة السياسيون الللبنانيون تنفيذها كمقدمة لتقديم الدعم للبنان، للحؤول دون انهياره المالي الكامل. إلا أن تلك العقبات بقيت ماثلة بالتناغم مع حسابات عديد من الفرقاء اللبنانيين الخارجية، التي سعى الرئيس الفرنسي إلى إبعاد لبنان عنها، ولو في ما يشبه “الوقت المستقطع” في الصراع الإقليمي الدولي، الذي يتحكم بمصير لبنان منذ أكثر من عقد من الزمن.

تأجيل الاعتذار خشية التدهور

تقول المعلومات التي حصلت عليها “اندبندنت عربية” من شخصيات متصلة عن قرب بالمبادرة الفرنسية، إن باريس لم تصل إلى حد اتخاذ قرار بالتنصل من دورها حتى الآن، على الرغم من أنها تدرك أن صد جهودها لإنقاذ لبنان ليس صناعةً لبنانية داخلية، بل إن مصدره هو التشدد الإيراني عبر حليف طهران “حزب الله”، فضلاً عن اعتقادها بأن رفع يدها عن لبنان في هذا الظرف الحرج الذي يمر فيه وينتظر أن يتفاقم، سيعجل في انهيار البلد وسيجعل سعر صرف الدولار قياساً إلى الليرة يحلق ويزيد من مآسي اللبنانيين المعيشية. وتقول هذه الشخصيات إن الجانب الفرنسي عدل من توجهاته التي كان أعلن عنها في زيارة ماكرون إلى بيروت في 1 أيلول الحالي، حين ألمح إلى أنه إذا لم يجد تجاوباً والتزاماً من القوى السياسية اللبنانية حول ما اتُفق عليه معها (ولادة حكومة من غير الحزبيين في غضون 15 يوماً…)، سيعلن مَن الذي عرقل الاتفاق، ويقول إنه حاول ولم يفلح. وذكرت أن الخشية من مزيد من التدهور المالي الاقتصادي، هي التي دفعت الرئاسة الفرنسية إلى الطلب من الرئيس المكلف تأليف الحكومة، أن يؤجل اعتذاره عن قبول ترؤس “حكومة المهمة” كما وصفها الرئيس الفرنسي، والصمود قدر الإمكان في موقعه والصبر بإطالة البقاء، إلى أن تحين ظروف مؤاتية تسمح باتخاذ القرار المناسب. فاعتذار أديب يعني التسليم بانتكاس مبادرة ماكرون إن لم يكن نهايتها، ما يعني التعجيل في الانهيار المالي الاقتصادي. ومن الأفضل الإبقاء على بصيص أمل لدى الناس.

موسكو لم تلقَ تجاوباً من ظريف

ومصدر الاقتناع بأن العراقيل أمام إنجاز الحكومة لم تعد داخلية، لم يكن وليد الأيام القليلة الماضية فقط، بل جاء نتيجة عودة “الثنائي الشيعي” عن قبوله بالصيغة الحكومية، التي أعدها أديب بشكل مفاجئ قبل زهاء أسبوعين، ما جعل باريس والقيادات الرئيسة تعتبر أن القطبة المخفية في ذلك هي في طهران، حيث بذل الفرنسيون جهوداً مع الأخيرة لم تنجح، فيما تشاورت الرئاسة الفرنسية في هذا الصدد مع موسكو طالبة إليها ضم جهودها إلى الجهود الفرنسية لإقناع الجانب الإيراني بالمساعدة على حلحلة مطالب “حزب الله”، التي حالت دون ولادة الحكومة اللبنانية، لا سيما وأن الكرملين كان أيد جهود ماكرون في لبنان.
وانتظرت باريس زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى موسكو الخميس الماضي في 24 أيلول، لعل مطالبة موسكو له بتسهيل معالجة أزمة لبنان تحقق تقدماً. فمنطق المراهنة على أن تنفع وساطة موسكو مع طهران، يقوم على توقع أن تُبادِل الأخيرة الموقف الروسي الرافض لطلب واشنطن استئناف العقوبات الدولية على إيران في مجلس الأمن، بشيء من الإيجابية في ما يخص الأزمة اللبنانية. وهي مراهنة كانت باريس نفسها خاضت غمارها لأنها هي أيضاً مع الدول الأوروبية وقفت ضد المسعى الأميركي لتجديد العقوبات الدولية على حكومة إيران.

أحد السياسيين اللبنانيين الوثيقي الصلة بالخارجية الروسية أبلغ “اندبندت عربية”، أن المعطيات الواردة من موسكو عن نتيجة محادثات ظريف مع نظيره الروسي سيرغي لافروف تفيد بأنه حين طرح الأخير مع الوزير الإيراني أهمية المساعدة في دفع حلفاء طهران في لبنان إلى التعاطي بإيجابية مع جهود تأليف الحكومة الجديدة ومع المبادرة الفرنسية كان جواب ظريف، أنه “يجب ترك اللبنانيين يعالجون أمورهم لوحدهم”… وهو رد تقليدي اعتادت طهران اعتماده حين يُطلَب منها ممارسة نفوذها لدى حلفائها وأذرعها في دول المنطقة، من أجل تليين مواقفهم التي تكون هي قد طالبتهم بالتشدد فيها لأهداف تتعلق بمصالحها. ويقول السياسي اللبناني نفسه إن طهران رفضت تسليف موسكو موقفاً إيجابياً في لبنان، مثلما امتنعت عن مقابلة الموقف الفرنسي بمثله حين امتنعت باريس عن تأييد طلب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إعادة العقوبات الأممية على طهران. فالأخيرة تريد إبقاء الوضع اللبناني ونفوذها فيه من طريق “حزب الله”، ورقةً في التفاوض بينها وبين الولايات المتحدة ولا تريد التفريط بها سواء مع فرنسا أو مع روسيا.
وأشارت التقارير الواردة من موسكو إلى أن التباين بين الجانبين الروسي والإيراني شمل أيضاً الوضع في سوريا، وأنهما لم يتفقا خلال زيارة ظريف سوى على الوقوف معاً ضد العقوبات الأميركية ضد إيران خصوصاً أن بعضها يطال روسيا أيضاً، لا سيما في ما يخص بيع السلاح لطهران.

كوة الحريري الفرنسية

كيف جرت ترجمة العراقيل في لبنان؟ في التفاصيل اللبنانية الداخلية فإن الكوة التي افترض الفرنسيون أن زعيم تيار “المستقبل”، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري فتحها في جدار التصلب من قبل الثنائي الشيعي، وإصراره على الحصول على حقيبة المال وتسمية الوزراء الشيعة الثلاثة في حكومة الـ14 وزيراً، عبر إعلانه (التنازل) القبول بتوزير شخص شيعي لتلك الحقيبة، “لمرة واحدة” على ألا تتحول إلى عرف دستوري، لم تمهد الطريق لولادة حكومة مصطفى أديب، الذي جرت تسميته بأكثرية نيابية كبرى، وبدعم فرنسي. وبدا أن “الثنائي الشيعي” أقفل هذه الكوة، التي كان هدف الحريري منها تأمين تغطية سنية للرئيس أديب، كي يقبل “حزب الله” وحركة “أمل” بهذا الحل الوسط.
وما كان دفع بعض الأوساط إلى التساؤل حول احتمال نفض فرنسا يدها من رعاية حلول مرحلية تنقذ لبنان، أن مبادرة زعيم “المستقبل” بالقبول المشروط بتولي شيعي وزارة المال يسميه أديب كانت فرنسية بامتياز، إلى درجة أن بعض العبارات التي وردت في بيان الحريري الثلاثاء الماضي “أوحى” بها قصر الإيليزيه (وزير يسميه الرئيس أديب)، مطمئناً الحريري بأنه سيتولى متابعة الأمر مع “الثنائي الشيعي” و”حزب الله” ومع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. إلا أن وقائع الأيام الثلاثة التي تلت مبادرة الحريري أثبتت أن “الثنائي” لم يتراجع عن إثبات أن الكلمة الأخيرة في تشكيل الحكومة له، فأصر على أن يسمي هو وزراء الطائفة الشيعية. وهو فعل ذلك مدركاً سلفاً أنه يمهد بهذا المطلب للعقدة التالية، وهي أن الرئيس عون سيشترط على أديب أن يسمي هو وزراء مسيحيين إن لم يكن جميعهم، وسيطلب مع صهره جبران باسيل، استعادة حقيبة الطاقة على الرغم من قناعة المجتمع الدولي والجمهور اللبناني، بأن إدارة “التيار الوطني الحر” لها أوصل البلد إلى فضيحة مالية وإدارية معيبة في قطاع الكهرباء. إنه عود على بدء في تقاسم الحصص الوزارية، ينافي منطق مبادرة ماكرون التي قامت على قاعدة من ثلاثة أضلع:

أولاً: وضع الخلافات السياسية الكبرى، لاسيما تلك المتعلقة بسلاح “حزب الله” جانباً، لتتم مناقشتها لاحقاً. وفي هذا المجال، خاطب ماكرون ممثل “حزب الله”، رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد خلال الاجتماع الذي عقده مع القيادات السياسية اللبنانية، قائلاً إنه يأمل بأن “تقدروا أني أجلس معكم وأفتح حواراً وإياكم على الرغم من موقف دول غربية ضدكم”.
ثانياً: قانون الانتخاب والانتخابات النيابية المبكرة التي طالبت بها ثورة 17 تشرين الأول، يتطلب الاتفاق عليه بين الفرقاء اللبنانيين الذين عليهم أن يجلسوا ويتحاوروا.
ثالثاً: في انتظار معالجة الخلافات فلتُشكَل حكومة مستقلين عن القوى السياسية، طالب بها ثوار 17 تشرين، تنفذ الإصلاحات العاجلة المطلوبة من أجل تأمين الدعم المالي للبنان منعاً للانهيار المالي الاقتصادي وتفاقم نتائجه على اللبنانيين، وتمهد لطلب مساعدة المجتمع الدولي التي سيتم السعي إليها بما لفرنسا من قدرة على إقناع الدول على المساعدة بحجة بدء الحكومة للإصلاحات.
ما انتهى إليه اجتماع الرئيس المكلف مع ممثلَي “الثنائي الشيعي”، الوزير السابق علي حسن خليل معاون رئيس البرلمان نبيه بري، وحسين الخليل معاون الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله، الخميس 24 أيلول لم يخرج عن سياق المطالب المعروفة التي يطرحانها. وتؤكد أوساط الرئيس المكلف أديب، أنه امتنع عن تسلم لائحة حاولا تقديمها إليه تضم أسماء يقترحونها، كي تتولى الحقائب الثلاث العائدة للوزراء الشيعة بما فيها المالية، كي يختار منها، وأبلغهما بأن هذا يخالف الاتفاق مع الفرنسيين ومبادرة الحريري، فيما اعتبرا أن هذا الاتفاق لا يعني عدم تسمية الثنائي لوزرائه. واختُتم الاجتماع على هذا الأساس.

تشكيلة أديب

وحمل الرئيس المكلّف مسودة عن التشكيلة الحكومية مساء الجمعة (25 أيلول) اقترح فيها 3 أسماء لكل حقيبة لا سيما المسيحيين افساحاً بالمجال أمام رئيس الجمهورية للاختيار بينها. وكشفت مصادر لـ “اندبندنت عربية” أن عون رفض تسلم التشكيلة، واستمهل أديب لصباح السبت، وذلك لتلقيه اتصالاً هاتفيا من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد طلب منه عدم تسلم التشكيلة من أديب وإعطاء الاتصالات الجارية مزيد من الوقت. وعُلم أن أديب سيعقد مساء اليوم اجتماعاً مع ممثلَي حركة أمل و”حزب الله” قد يُستتبَع بلقاء يعقده رؤساء الحكومات السابقين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وذكرت المصادر أن أديب سيعتذر السبت إذا لم تتم الموافقة على تشكيلته الذي يصر على أن يسمي الوزراء الـ 14 فيها. كما أن الرئيس الفرنسي الذي كلّف مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه التواصل مع بري، لن يضغط على أديب للتريث بعد الآن. أما إذا فعلها رئيس الجمهورية ووقّع على التشكيلة فإن الاحتمال الأكبر سيكون بفشلها بالحصول على الثقة في مجلس النواب، وقد تتحول إلى حكومة تصريف أعمال لفترة طويلة.