IMLebanon

دعاة الدولة المدنية يدافعون عن “السلاح الديني”!

كتب محمد بسام الحسيني في “الأنباء الكويتة”:

تلقت المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان ضربة قاسية مع اعتذار الرئيس المُكلّف مصطفى أديب، والتي أضافت تعقيداً جديداً لمشهد مُعقّد أصلاً، ليفقد اللبنانيون فرصة جديدة لعبور الأزمة.

وعلى الرغم من أن المبادرة حثّت اللبنانيين على التوافق على حلول اقتصادية لأزمتهم الخانقة وتمرير الإصلاحات المطلوبة لحلها ووضع القضايا الخلافية الكبرى جانباً، فإن سوء الأوضاع الاقتصادية الكارثية لم يحجب القضية الأساسية التي تشغل اللبنانيين هذه الأيام، وهي انقسامهم الحاد حول مستقبل سلاح حزب الله الذي تواصل صورته تدهورها لدى الكثير من الأوساط اللبنانية والعربية منذ أحداث أيار 2008 في بيروت الى اليوم.

وبغض النظر عن هذا الانقسام، من عجائب السياسة في لبنان اليوم أن المطالبين بالدولة المدنية هم الأكثر دفاعاً عن سلاح «ديني» بطبيعته كونه مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بفتاوى وما يسمى بـ«التكليفات الشرعية» التي تصدر عن قياداته أو حتى مرجعياتها خارج لبنان.. وهذا يؤكد أن طرح «المدنية» ليس جديا بل جاء في اطار النقاش والمناورات لتبرير الالتفاف على تشكيل الحكومة المطروحة فرنسياً، فعلى ما يبدو ان المطلوب إقليمياً الانتظار لما بعد الانتخابات الأميركية القادمة، وربما التمهيد لمشاريع أكبر مثل تعديل الدستور اللبناني.

إن المطالبة بدولة مدنية في لبنان لابد أن تكون أولويتها إيجاد الصِيغ التي تجعل السلاح وقراره وطنياً وليس دينياً أو خارجياً وتأمين أنظمة الأحوال الشخصية المدنية، وهي العامل الأساسي – مع التربية والمناهج – في معالجة الطائفية المقيتة.. ولو تابعنا كل هذه الأمور سنجد أيضاً أن أول من يعطلونها هم من يرفعون لواء الدولة المدنية!

انطلقت المبادرة الفرنسية من أمرين هما عجز الإدارة اللبنانية ومجلس النواب عن إقرار وتنفيذ قوانين الإصلاح واستمرار تدهور الوضع وصولاً لانفجاره في 4 آب مع حادثة المرفأ، وعلى الرغم من تلاعب السياسيين اللبنانيين بالكلام والمواقف، ورفع شعارات السيادة والحجج من قبيل «ضرورة التشاور مع الكتل»، فإن جوهر المبادرة كان منذ البداية الموافقة على تمرير المرحلة بغطاء دستوري «شكلي» للحكومة من قبل الأحزاب والكتل النيابية، وإلا فما الجديد؟!

وكانت فرنسا ستُتابع وتُراقب عبر مسؤوليها الأمور خلال أشهر قليلة وتشرف بنفسها على الإصلاحات عبر رئيس الحكومة المُكلّف وفريقه مقابل المساعدة الاقتصادية للبنان.. وذلك في ظل تجميد النقاشات السياسية الخلافية كما وعدت، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيا لطمأنة المتوجسين حتى وإن لم يكن لديهم مشروع بديل لمواجهة الانهيار الاقتصادي.

كان من الممكن للفرقاء أن يرفضوا هذا العرض منذ البداية لكنهم وافقوا، وجاءت المشاورات المُلزمة بناء على هذا الأساس «شكلية»، وكُلِّف على أثرها الرئيس أديب الذي جاء وفي باله ما طلبه الفرنسيون بالضبط: الإصلاحات، ليفاجأ لاحقاً بانقلاب عليه عبر شعار ضرورة التشاور مع الكتل النيابية لتسمية الوزراء، وهو الأمر الذي ينسف المبادرة، لأنها جاءت أصلاً لتعالج وضعاً عقيماً، وفشل حكومة ومجلس نواب لم ينتجا شيئاً في السابق، ويقومان على التناحر والمُحاصصة، وبالتالي فإن أي ثقة مطلوبة من المجلس للحكومة كان يجب أيضاً أن تكون بدورها «شكلية» وتحصيل حاصل مثل المشاورات استكمالا للمبادرة، خاصة أنه بات واضحاً أن هذا المجلس وبشهادة بعض الأعضاء المستقيلين منه مثل النائبة بولا يعقوبيان قد تحول إلى «مقبرة للتشريعات الإصلاحية وكل ما يتعلق بالمحاسبة».. ولو كان قد أظهر أي نجاح لما كان البلد وصل إلى حد الاستنجاد بفرنسا، وبالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

على هذا الأساس، عوّل الرئيس أديب على وضوح أهداف المبادرة الفرنسية وعلى ثقة باريس، وبالتأكيد لم يكن يعول على ثقة الكتل النيابية الحالية التي لا يقدم رأيها ولا يؤخر شيئا بالنسبة للبنانيين بعد ثبوت فشلها باعترافها وبنماذج الحكومات المتعاقبة التي قدمتها!..

ولما وجد السفير أديب نفسه مضطراً لدخول بازار الابتزاز السياسي الذي تحترفه بعض هذه الكتل، قدَّم اعتذاره، مؤكداً صدق نواياه، وتاركاً الآخرين «يقلّعون أشواكهم بأيديهم»، على ما يقول المثل.

إن عدم الثقة بأديب هو عدم ثقة بفرنسا من قِبل من عطّلوه وإن ادعوا عكس ذلك، بغض النظر عما إذا كان قرارهم داخلياً أو مستورداً من خارج الحدود!