IMLebanon

صمت ما بعد عاصفة ماكرون خرقه ميقاتي فهل يروّج لعودته؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

بعبارات شكر مؤثرة توجه مصطفى أديب برسالة “واتساب” إلى زملائه وأصدقائه أمس شاكراً لهم تعاطفهم طوال فترة تكليفه تشكيل الحكومة. عاد الرجل أدراجه إلى مقر عمله في ألمانيا كصاحب سعادة باتت مضاعفة ولو بتكليف لم تكتمل مراسيمه. وبإعلانه هذا يقفل الباب على احتمال تكليفه مجدداً لتشكيل الحكومة، تاركاً للفرنسيين الدفع باتجاه إعادة بث الروح بمبادرتهم ولو عبّر رئيسهم ايمانويل ماكرون عن استيائه.

أظهر ماكرون غضباً وحنقاً كبيرين على المسؤولين اللبنانيين، ولكنه أشهر خصومة موصوفة لـ”الثنائي الشيعي” وأكثر من وعيد في كلامه إلى “حزب الله”، مستخدماً ثلاث عبارات عنه كجيش بمواجهة اسرائيل وميليشيا في سوريا وسياسي في لبنان لم يلتزم بما وعد به، إزاء هذا الكلام الحاد الذي غلب عليه التحامل على “الثنائي” وانتقاد للرئيس سعد الحريري وعدم الثقة بالآخرين، يتضح ان الرئيس الفرنسي تفاجأ مما حصل مع أديب أو أن ما كانت تصله من تقارير كانت مبنية على وقائع غلط وتعوزها الدقة. ويبدو أن المستشارين المولجين الملف اللبناني عند ماكرون لديهم نزعة لبنانية في تغليب الانطباعات الشخصية على عمل دولة كبيرة مثل فرنسا. إذاً السؤال المطروح هل أن تصور ماكرون لإيجاد حل للازمة اللبنانية كان فيه الكثير من البساطة والخبرة، أم أن المسؤولين اللبنانيين زينوا له الطريق الخطأ وبالتالي تم خداعه، الجواب بسيط ان الأمرين قد حصلا مع الرئيس الفرنسي.

لكن الامر الأكثر اثارة للانتباه أن ردود أفعال المسؤولين اللبنانيين كانت خافتة وكأن الحديث عن بلد غير بلدهم. أرخى حديث ماكرون بظله ولو آثر الكل عدم التعليق على مضمونه. كان واضحاً أن فحواه والمواقف التي أطلقها لم تلق استحساناً. ومن كسر صمته عبر مقربين إكتفى بالتشديد على المبادرة الفرنسية. شتان ما بين الاجواء التي واكبت زيارة ماكرون الاخيرة وما بين اطلالته المتلفزة امس الاول. في الاولى حُمل على الراحات وفي الثانية أطل مستفزاً جزءاً من اللبنانيين ممن لم يرق لهم أن يخاطبهم بتلك اللهجة المستعلية. والاستفزاز لا ينبع فقط من كونه صب جام غضبه على “حزب الله” وتحميله “الثنائي الشيعي” كامل المسؤولية عن فشل مبادرته، بل أيضاً لكون هذا البلد المفتوح على كل اجهزة الاستخبارات، أصبحت أبوابه مشرعة على كل انواع التدخل الخارجي بشكل فجّ.

وقع كلام ماكرون جاء صادماً ولو لم يصد الباب تجاه الجميع لكن للرجل حساباته ايضاً. تركيزه على تأنيب المسؤولين وخصوصاً الثنائي لا يلغي شعوره بالأسف لفشل مبادرته. موطئ قدمه الوحيد في المنطقة بات مهدداً وليس امامه سوى الهجوم. للمرة الثانية بعد البيان الذي وزعته السفارة الفرنسية على رؤساء الاحزاب يبدو حديث ماكرون وكأنه بني على تقارير اعدها مستشارون، وبدل أن ينقذ اللبنانيين غرق معهم في وحل الطائفية والانقسام. ماكرون ذهب بعيداً في مواقفه حتى صار دخوله الى الملف اللبناني دونه تحفظات. ورغم ذلك فلا يبدو أن أياً من المكونات السياسية على استعداد لصده. فعين التينة التي نالها جزء وفير من انتقادات ماكرون بدت في غير وارد المساجلة مع الفرنسيين، ولذا أعادت مصادر رئيس مجلس النواب نبيه بري التأكيد على المبادرة الفرنسية، مجيراً للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الرد على كلام ماكرون. والمتوقع أن يكون رده قاسياً أو اقله على مستوى التهم التي ساقها ماكرون بحق الثنائي، وسيعرض نصرالله تفاصيل ما حكي خلال مشاورات التأليف وكيف كان يتم التنصل منها من قبل الرئيس المكلف. وعلم أن ماكرون كان استبق مؤتمره الصحافي باتصال مع بري جاءت أجواؤه سلبية.

كل الأنظار شاخصة بإنتظار أن يدلي السيد نصرالله بدلوه من خلال كلمته المتلفزة اليوم. وحده إقتراح الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة تكنوسياسية شكل خرقاً. لا يمكن فهمه إلا من باب طرح الرجل نفسه كمشروع توافقي بديل. ميقاتي الذي وصف ماكرون على انه رسول، أوضح لمحدثيه ان ما نطق به جاء من بنات افكاره وهو ينوي عرضه على المعنيين بدءاً من الفرنسيين انفسهم. أما لماذا لم يطرحه من قَبل فجواب ميقاتي مفاده انه لم يكن على طاولة قصر الصنوبر مع رؤساء الاحزاب. قد تجد المبادرة من يتلقفها ويبني عليها، ولكن المؤكد ان ما لا يمكن البناء عليه بعد اليوم هو اجتماع رؤساء الحكومات السابقون الذي صار من الماضي.