IMLebanon

كيف تداخلت الملفات اللبنانية الساخنة؟

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري في تغيير المشهد اللبناني المأزوم، وخلط الأوراق الساخنة، وأبعد نسبيا التهمة عنه لأنه ساهم في تعطيل المرحلة الإنقاذية الأولى من المبادرة الفرنسية، وفي ذات الوقت تجنب افتعال 400 مشكلة في وجهه (المقصود البلدات والمدن التي يتداخل فيها مناصرو أمل وحزب الله) والتي كانت ستحصل لو لم يماشِ بري رغبة حزب الله ومن ورائه في فرض الشروط التعجيزية على مصطفى أديب ودفعه للاعتذار عن تشكيل حكومة ئئالمختصين الحيادية.

والملفات اللبنانية الساخنة، وضعت جميعها في «خلقينة الهريسة» الجنوبية، وتطايرت من نارها الجمرات الحارقة في كل اتجاه، من دون أن نتأكد فيما إذا كانت هذه الطبخة الدسمة ستتمكن من إطعام اللبنانيين الذين يواجهون الجوع، أم أنها ستشوط وتحترق، وتزيد على اللبنانيين مأساة انتظارهم للفرج، وبالتالي تكون خطوة إضافية في مسار المجهول – المعلوم – الذي أوصل البلاد الى أقبح مشهد عاشته في تاريخها الحديث، وربما يفقد مع هذه «الشوطة» بارقة الأمل التي فتحتها فرنسا بتشجيع عربي ودولي، والتي هدفت لسحب لبنان من بين أنياب وحوش السياسة الذين أسروه منذ ما يزيد على 7 سنوات، ولفك أسر الدولة على ما يحلو للبطريرك بشارة الراعي تسميتها.

وللخروج من المأزق الذي وصل إليه الرئيس بري من جراء خطوات تعطيل تشكيل حكومة أديب الإنقاذية، وبالتالي تراجع مكانته الوطنية الى الحدود الدنيا، اندفع بقوة باتجاه الإعلان عن إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع «إسرائيل» وأصدر بعض الإيحاءات السياسية الجديدة عندما استقبل المرشح المحتمل لتشكيل الحكومة النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، وكان قد لعب دورا مقبولا في جلسات مجلس النواب الأربعاء الماضي، عندما ساعد في إقرار بعض الخطوات الإصلاحية التي تتعلق بشؤون المالية وبقضايا الحريات، ومنها قانون الإثراء غير المشروع وقانون السماح لأهالي لطلاب اللبنانيين في الخارج بتحويل مبلغ 10 الآف دولار أميركي في السنة بالسعر الرسمي، والتعديلات على قانون أصول المحاكمات الجزائية لناحية السماح بحضور محامي المتهم أثناء التحقيقات الأولية التي تجريها الضابطات العدلية، ومن المؤكد أن كل هذه الخطوات لا يأخذها بري من دون تنسيق مع حلفائه، وهم يعتقدون أن جميعها ترضي السياسة الأميركية.

وعلى الضفة الأخرى من نهر الأوحال اللبنانية، فرضت مواجهة تفلت جائحة كورونا تعاونا قسريا بين المكونات اللبنانية، وهدنة استفاد منها العهد وحكومة تصريف الأعمال ومن يقف وراءهما، لأن خطورة تفشي الوباء فاقت التوقعات، وأصبحت تهدد بالفعل حياة اللبنانيين، نظرا لهشاشة المعالجة ولإخفاق الوزراء المعنيين، خصوصا أن القطاع الطبي يعاني من نقص في التجهيزات، ومن أزمة مالية خانقة من جراء ارتفاع سعر صرف العملات الصعبة التي تستخدم لاستيراد الاحتياجات الواسعة للمستشفيات.

ومخاطر كورونا فرضت قيوداً على تحركات الشارع التي بدت في الفترة الأخيرة موجهة ضد سلاح حزب الله وضد رئاسة الجمهورية بشكل خاص.

تداخل الملفات الساخنة لا يعني بأي شكل من الأشكال أن انفجار الوضع أصبح بعيدا، ذلك أن الامتعاض الشعبي الذي تفاقم من جراء الأزمة المالية الخانقة، وبسبب الانفجارات المدمرة الناتجة عن الإهمال وعن وجود طرف مسلح متفلت من كل القيود، ما زال نارا تحت الرماد، إذا لم تغير الأطراف المعنية سلوكها، وتتراجع عن مشاريعها الانتحارية التي أغرقت لبنان في مشكلات غير مسبوقة.

وقد لفت في هذا الإطار مواقف غالبية المرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية التي تنبه من خطورة الوضع وتدعو جميعها للنأي بالنفس، أو إلى الحياد الإيجابي، كما لفتت إشارة هؤلاء الى بعض العبارات القاسية التي وردت في خطاب السيد حسن نصرالله الأخير، خصوصا منها التي تناولت تقييم أحداث العام 2008 لاسيما قوله «كادت أن توقع الشرارة بين الجيش والمقاومة» وفي ذلك تحذير غير مقبول للجيش الذي يشكل الملاذ الأخير للحفاظ على أمن اللبنانيين.