IMLebanon

رئيس حكومة عاقل لا تنتجه شلّة غير عاقلة

كتب طوني فرنسيس في صحيفة “نداء الوطن”:

 

المطلوب رئيس حكومة “عاقل” حسب آخر المواصفات – الشروط التي ابتدعها رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وبحسب هذا الشرط المُستحضَر، فإن مصطفى أديب الذي دُفِعَ الى الاعتذار دفعاً لم يكن عاقلاً، وحسان دياب الذي أطاحته خلافات المحاصصة بين فرقاء 8 آذار، قبل ان يُقيله انفجار المرفأ، لم يكن عاقلاً، واستطراداً فإن إيمانويل ماكرون شخصياً لم يتمتع بالصفة المطلوبة لأنه لم ينفذ مطلب الثنائي “الوطني” المستجد في تكريس بيت المال منصباً شيعياً وفي كف يد “الرباعي الأممي” عن التدخل في الشأن اللبناني.

وكان التعقّل قد حل فجأة في ضيافة الثنائي الشيعي، فصار اسمه فجأة الثنائي الوطني. وبدا الأمر مقصوداً لتمهيد الطريق الى تغطية الشروط الفائقة الفئوية، بغطاء وطني فضفاض، وربما يدخل في الأهداف إضفاء صفة الوطنية على تزعُّم حفلة التفاوض مع اسرائيل. غير ان تغيير الصبغة لا يُغير في شكل الرأس. وفي زمن غابر كانت تنظيمات في الحركة الوطنية و”الاسلامية” تتعرض للقمع السوري غالباً، فترفع على مراكز تجمّع عناصرها المسلحة لافتات جديدة تشير الى انها صارت مراكز ثقافية!

في الإجمال العجلات تدور في مكانها من دون تغييرٍ في موقعها، واشتراط الرئيس “العاقل” لا يعدو كونه اصراراً على الالتفاف على الدستور وعلى المبادرة الفرنسية في الوقت عينه. ففي الدستور استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية، يتبعها تكليف لرئيس مجلس وزراء جديد، ويعقب ذلك استشارات “غير ملزمة” يقوم بها الرئيس المكلف قبل ان يسمي الوزراء ويتداول بالحصيلة مع رئيس الجمهورية ليتم إصدار المراسيم الدستورية.

هذا يجري في الظروف العادية، وينبغي التمسك بأصوله في الظروف غير الطبيعية التي نمر فيها. والمبادرة الفرنسية، في بعض جوانبها، أعادت السياق الدستوري الى نصابه، فاختصرت مشاورات التشكيل لمصلحة البرنامج الإنقاذي، الّا أن العودة الى التمسك بالمحاصصة الحزبية الطائفية اطاح الدستور والمبادرة معاً.

لم تكن المطالب الفئوية عفويةً، ولدى استرجاع مجرى التطورات منذ تسمية أديب عشية مجيء ماكرون، تزداد القناعة بأن استعجال استشارات التسمية، كان هدفه ارضاء الفرنسيين بأديب عربوناً يجري استرداده لاحقاً، في انتظار مجيء ديفيد شينكر لرعاية مفاوضات الترسيم. ويا لهول المفاجأة! قبل وصول ماكرون بساعات تتم تسمية أديب، ويوم وصول شينكر، نسمي رئيساً جديداً.

بعد كل ما جرى ويجري لم تعد الأرانب تُجدي ولا الأكاذيب تصمد.

ما يحتاج إليه لبنان هو العودة الفعلية الى الدستور والمؤسسات. والامتحان الآن هو في تشكيل حكومة إنقاذ مالي واقتصادي تتمتع بثقة الناس وتقود مرحلة انتقالية، حتى انتخابات عامة تفرز سلطة تنفيذية تتحمل المسؤوليات الكبرى في انجاز الترسيم مع اسرائيل (العدو الصهيوني سابقاً!!!)، وتعالج المسائل الكبرى المتعلقة بالسلاح وإعادة الإعمار وبناء الدولة والاقتصاد. وهذا لا يتطلب رئيس حكومة عاقلاً فقط، بل مجموعة من العقلاء وطاقماً سياسياً عاقلاً بأكمله. وحتى الآن لم يثبت بالوجه الشرعي توفّر مثل هذه الصفة لدى غالبية الطاقم المذكور، إن لم نقل لدى مجموعه.