IMLebanon

أزمة البنزين.. بين مطرقة رفع الدعم وسندان التهريب إلى سوريا

كتبت جويل رياشي في “الأنباء الكويتية”:

دخل اللبنانيون في العد التنازلي لرفع الدعم الرسمي عن سلع تدخل في صلب يومياتهم، بينها المحروقات من وقود للسيارات ومازوت للتدفئة ولمولدات الكهرباء التي تعوض غياب التغذية من «كهرباء الدولة».

عد تنازلي مرشح لبلوغ مداه الأقصى قبل نهاية السنة الحالية، في ضوء ما رشح مرارا عن اقتراب نفاد احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية، التي يدعم بها حاجات أساسية من استهلاك اللبنانيين كالمحروقات والقمح والأدوية.

وكما في كل الأزمات التي تسبق رفع الأسعار في لبنان، يكثر الطلب على المادة المعنية، مقابل غيابها من الأسواق. وهذا ما لحظه المواطنون، من إقفال عدد كبير من محطات المحروقات، خصوصا خارج محافظة جبل لبنان، ولجوء البعض منها الى التقنين في تعبئة الوقود، بكمية لا تصل الى 20 ليترا للسيارة الواحدة، فضلا عن ظاهرة غير مسبوقة في إقفال المحطات في مختلف المناطق في وقت مبكر من ساعات المساء، الى السادسة صباح اليوم التالي.

إجراءات يعزوها أصحاب المحطات الى نقص حاد في مادة البنزين، جراء تقليص شركات المحروقات الكميات التي كانت تزود بها المحطات، بحسب طبيب الأسنان فادي الحاج الشريك في إحدى محطات الوقود في منطقة الجديدة (ساحل قضاء المتن الشمالي)، الذي تحدث لـ «الأنباء» عن شح كبير في المادة، وتأخير في التسليم من الشركات، ما دفعه الى الطلب الى العاملين في المحطة تعبئة خزانات السيارات بما لا يتعدى الثماني ليترات بداية الأسبوع الحالي، «لتلبية طلبات العدد الأكبر من الزبائن، ومن الذين يقصدون المحطة للمرة الأولى، سعيا لوضع ما تيسر في خزانات سياراتهم».

مكرم نون تاجر مقيم في جبيل، تحدث عن «ضرورة القيام بجولة على عدد من المحطات لتعبئة خزان سيارتي الرباعية الدفع بمحركها ذي الاسطوانات الثماني، علما انني وغيري نتلافى صرف كمية قليلة دون اللجوء الى التعبئة الفورية. وهذا الأمر يمكن ملاحظته من طلب غالبية الزبائن تعبئة خزانات سياراتهم بأقل من السقف المحدد من قبل غالبية المحطات».

هاجس الوقود يقض مضجع اللبنانيين، ويذكرهم بأيام الحرب وخصوصا أثناء الحصار البحري الاسرائيلي في حرب يوليو 2006، حين غابت المشتقات النفطية. ويومذاك «استعاض» اللبنانيون عن البنزين المحلي بالوقود المستورد برا من سورية، الأمر الذي اختلف في شكل جذري في أيامنا هذه، في ضوء «هجرة معاكسة»، تقوم على تهريب المحروقات وخصوصا مادة البنزين الى سورية برا عبر معابر غير شرعية، ونشر فيديوهات التقطت بهواتف محمولة عن صهاريج محملة بالوقود تسلك طرقا ترابية، وجهتها الأراضي السورية.

تهريب المحروقات الى سورية فرضته حاجة الأخيرة الى استيرادها لحل معضلة نقصها في العاصمة دمشق وبقية المحافظات، جراء «قانون قيصر» من سلسلة العقوبات الاقتصادية الأميركية على سورية.

في الجنوب وتحديدا في محافظة النبطية، ومنها محافظة البقاع (قضائي زحلة والبقاع الغربي…)، أقفلت غالبية المحطات أبوابها. والشيء عينه انسحب على الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وفي المحطات المنتشرة على طريق الشام (بيروت – دمشق) الممتدة من الحازمية الى الجمهور وعاريا والكحالة صعودا الى مدينة عاليه. محطات زنّرت نفسها بشرائط ملونة للدلالة على إقفالها في وجه الزبائن وغالبيتهم من العابرين اي من غير الزبائن الثابتين. وفيما بدت وطأة الإقفال أخف على الأوتوستراد الذي يربط كسروان وجبيل بالشمال، يعود الشح واضحا في المحطات المنتشرة بين طرابلس والحدود اللبنانية السورية في العريضة شمالا.

ويتوقف اللبنانيون باهتمام بالغ أمام ما نقل عن خبراء مصرفيين فرنسيين حضروا الى العاصمة بيروت للمساهمة في حل الأزمة المالية النقدية اللبنانية، بدعوتهم الحكومة اللبنانية الى الإسراع في تحرير أسعار الوقود، ما يرجح ارتفاعها بنسبة ثلاث مرات على الأقل، في حال حفاظ سعر صرف الدولار الأميركي على مستواه الحالي مقابل الليرة اللبنانية، وعدم تدهور قيمة العملة الوطنية أكثر. ويقابل ذلك رغبة غير سرية لدى غالبية أصحاب المحطات في الاحتفاظ بمخزون وفير، لتحقيق نسبة أرباح عالية جراء فروقات الأسعار وقت رفع الدعم.

تحرير أسعار الوقود لن يقتصر فقط على ارتفاع سعر صفحية البنزين المستعمل في السيارات، بل سيترافق حتما مع رفع أسعار بدلات النقل وازدياد التعرفة الشهرية لفواتير الأفراد المشتركين في خدمة مولدات الكهرباء، بحيث يتخطى سعر اشتراك الحد الأدنى البالغ 5 أمبيرات شهريا الحد الأدنى لأجور العمال في لبنان.

أزمة غير محددة السقف تنتظر اللبنانيين، مع محاولات التخفيف من وقعها على قسم كبير، بالحديث عن رفع تدريجي للدعم، بحيث يقتصر على مادة البنزين بداية، ليشمل مادة المازوت بعد نهاية فصل الشتاء، لتلبية حاجة القاطنين في الجبال من المازوت المدعوم، وغير المتوافر في الأيام العادية في فصل الشتاء، لازدياد الطلب عليه للتدفئة.

اشتهرت المدن والمناطق اللبنانية بكونها أكبر الخزانات لمادتي البنزين والمازوت، جراء العدد الكبير في محطات الوقود المرخصة والمنتشرة كالفطر. ولم يعد سرا ان المحطات لا تتخلى عن أكثر من ثلث مخزونها وقت الأزمات، كي لا يفوتها قطار تحقيق أرباح طائلة.