IMLebanon

اجتماع الترسيم يؤشر لانفراجات سياسية بأكثر من اتجاه

كتب معروف الداعوق في “اللواء”:

هل يستند الرئيس سعد الحريري في تحركه المفاجئ لقيادة عملية إنقاذ البلد من الانهيار الذي ينحدر إليه إلى دعم خارجي ملموس، أم انه يغامر بطرح هذه العملية من تلقاء نفسه؟

أسئلة واستفسارات عديدة راودت اللبنانيين في إعقاب إعلان الحريري قيامه بتحرك استثنائي وسريع لكسر حالة الجمود السياسي المسيطرة على لبنان بفعل الهيمنة القسرية المفروضة بقوة سلاح «حزب الله» على الواقع السياسي العام بعد الافشال المتعمد للمبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارتيه المتتاليتين إلى لبنان، وعما إذا كان هذا التحرّك مدعوماً من القوى الخارجية المؤثرة على الساحة اللبنانية ولا سيما منها الولايات المتحدة الأميركية تحديداً والدول الخليجية وموافقاً عليه من الجانب الإيراني أيضاً.

وبينما ذهب البعض إلى اعتبار ان انطلاق الحريري بتحركه على أساس إعادة احياء المبادرة الفرنسية من جديد بعد التعثر التي اصيبت به جرّاء اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة الجديدة وما ترتب عليه من إعادة الأمور إلى نقطة الصفر وانقطاع الاتصالات بين السياسيين بشكل شبه كامل، بأنه يستند إلى هذا الدعم في مضمون المبادرة الفرنسية بالذات، وينطلق منه لوضعها موضع التنفيذ، مستنداً إلى استمرار دعم فرنسا لهذه المبادرة على لسان كبار المسؤولين الفرنسيين وبأنها ما تزال تصلح كإطار لمساعدة لبنان على ازمته التي تخبط، في الوقت الذي لم يعلن أي طرف سياسي تملصه أو رفضه لهذه المبادرة، بل كرروا جميعاً تأييدها والعمل على تنفيذها في بياناتهم ومواقف كتلهم طوال الأيام الماضية.

يعتبر البعض ان غياب مؤشرات دعم واضحة لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الخليجية المؤثرة والموقف الإيراني المعطل لتنفيذ المبادرة الإيرانية بإجهاض عملية تشكيل الحكومة، عوامل مطلوبة وضرورية لتحصين تحرك الحريري للمبادرة في إخراج عملية الانقاذ المطلوبة استناداً إلى المبادرة الفرنسية ولقطع الطريق على أي محاولات أو عثرات مصطنعة من هنا وهناك لمنع تنفيذها.

ولكن ما يمكن ملاحظته بوضوح، انه بين تعثر تنفيذ المبادرة الفرنسية ومبادرة الرئيس الحريري لتحريك عملية إنقاذ لبنان مجدداً، تمّ الإعلان الفجائي على عقد اجتماع ترسيم الحدود البحرية المختلف عليه منذ سنوات بين لبنان وإسرائيل، ما شكل حدثاً استثنائياً بظروف التوافق على عقده أخيراً برعاية ووجود أطراف إقليمية ودولية متشابكة بالصراع الإقليمي القائم على الحدود الجنوبية للبنان ولا سيما منها الولايات المتحدة الأميركية وإيران بوجودها من خلال «حزب الله» بالمنطقة الحدودية.

وقد يكون التفاهم غير المعلن ظاهرياً والمكشوف بوضوح امام الرأي العام بين هذه الأطراف المعنية بهذا الحدث التاريخي، قد شكل ثغرة للانطلاق منها لفك قبضة «حزب الله» عن عملية تشكيل الحكومة الجديدة وتسهيل تحرك الرئيس الحريري في مكان ما للانطلاق قدماً لتوفير مقومات تنفيذ عملية إنقاذ لبنان مما يتخبّط به وبالسرعة الممكنة بعد سقوط رزمة الادعاءات المغلوطة للحزب لأسباب اعتراضه وعرقلته المفتعلة للمبادرة الفرنسية من قبل.

يبقى ان استناد الرئيس الحريري إلى العاملين الرئيسيين اللذين انطلق منهما لاطلاق تحركه بعملية إنقاذ لبنان من الوضع الذي انحدر إليه، عامل استمرار مفاعيل المبادرة الفرنسية قائمة بكل مفاعيلها ومضامينها وما تحتويه من اسس لتشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين لفترة محدودة والتسهيلات المتوافرة بتسريع تقديم القروض والمساعدات المالية من الخارج وإعادة ما هدمه الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، وعامل استمرار تأييد الأطراف السياسيين بالداخل للمبادرة الفرنسية باعتبارها الفرصة الوحيدة امامهم لتفادي انهيار لبنان كلياً، كونهما المرتكزين الأساسيين اللذين يستند إليهما في تحركه باعتبار المبادرة الفرنسية تختزن بمضمونها ابعاداً ودعماً من فرنسا كدولة كبرى وهو دعم لا يستهان به ابداً في علاقتها الدولية ويعطي التحرّك زخماً وقوة للانطلاق قدماً بتنفيذها، في حين لا يقل تأييد الأطراف الداخليين أهمية عن الدعم الفرنسي، لأنه في ظل غياب أو ضعف التأييد الداخلي لن يوفّر ظروف التنفيذ المطلوبة للمبادرة الفرنسية أو غيرها، وفيما تشكّل الانفراجات الملحوظة على الحدود الجنوبية عوامل مؤاتية لتحقيق انفراجات إضافية ولو محدودة على الواقع السياسي، يبقى تحرك الرئيس الحريري مدفوعاً بتحمُّل المسؤولية والمبادرة لقيادة عملية إنقاذ لبنان بكل مخاطرها وتعقيداتها، انطلاقاً من تحسسه الوطني القيام بهذه المهمة الصعبة ولو تطلب الامر بمغامرة محسوبة لتحقيق هذا الهدف.