IMLebanon

ترسيم الحدود ليس إكسيراً سحرياً ولا مفتاح “البحبوحة”

كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:

 

انتهت الجولة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان و”كيان إسرائيل”، من دون صورة تذكارية، ومن دون الاستجابة لمطلب “الثنائي الشيعي” بحصر التفاوض بالعسكر، وستعقد الجولة الثانية في 28 من الشهر الجاري، وبدأت السياسة اللبنانية تميل في المرحلة الراهنة إلى التكيّف مع الواقع الداخلي والإقليمي وسلوك طريق الحوار حيال الملفات المفصلية والقضايا الشائكة، بعد أن منحت “العقوبات الأميركية” هامشاً ودافعاً للسياسيين لإعادة جدولة الأولويات والأهداف التي تضمن “وقف الإنهيار”.

السؤال الأهم: هل سينقذ ما سيلي “اتفاق الإطار” لبنان من “جهنم”؟ وما الذي يريده الجانب الإسرائيلي من هذا الإتفاق؟

في التفاصيل، تهدف المفاوضات إلى تغطية منطقة متنازع عليها تبلغ مساحتها 330 ميلاً مربعاً تمتد عبر منطقة الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، الغنية بحقول الغاز الطبيعي. ويدعي كل من الطرفين اللبناني والإسرائيلي أن المنطقة المعنية تقع ضمن “منطقته الاقتصادية الخالصة” و “الجرف القاري”، وهما منطقتان نظريتان بطول 200 ميل بحري قبالة سواحل كل من البلدين، وأنه وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 بشأن قانون البحار (UNCLOS)، تتمتع الدول الساحلية بحقوق حصرية لاستغلال مواردها الطبيعية والاستفادة منها. تشمل هذه الموارد الأسماك والغاز والنفط، فضلاً عن الرواسب المعدنية الأخرى في قاع البحر والجسم المائي المجاور لساحلها.

ولكن لا يمكن فصل “اتفاق أبراهام”، عن “صفقة القرن” وسياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط إجمالاً، عما يحدث اليوم في لبنان من مفاوضات مع الإحتلال الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، يشير المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس جوستيسيا لـ”نداء الوطن” الى أن “لبنان خلافاً لاسرائيل، وقّع في العام 1982 اتفاقية البحار وانضم اليها في أواسط التسعينات ووم اصبحت نافذة، بينما اسرائيل لم تنضم اليها، لذا على المفاوض اللبناني التسلح بالمبادئ التي وردت في هذه الاتفاقية، وبالقواعد التي ترعى ترسيم الحدود البحرية، وعليه التمسّك بالنقاط الجغرافية التاريخية الموجودة على خط الشاطئ اللبناني منذ أكثر من نصف قرن، وهي معالم جغرافية وتعطي لبنان حقوقاً في المياه البحرية وصولاً الى المنطقة الاقتصادية الخالصة التي بسبب الاتفاق الاسرائيلي القبرصي هُضمت فيها مناطق عائدة للبنان، ويُرجح استرجاعها بمقتضى المفاوضات على الرغم من المصاعب التفاوضية المتمثلة تحديداً بنقطتي b1 و b2 في رأس الناقورة، حيث تسعى اسرائيل الى قضم نقاط في البلوكات الأخيرة العائدة للبنان عبر التلاعب بهاتين النقطتين والتذرّع بالاتفاق القبرصي الذي جرى من دون ابلاغ لبنان خلافاً للأصول المتفق عليها”.

وتابع مرقص “ولكن لا يمكن للبنان فصل الترسيم البري عن البحري، اذ أوضح أن “مكتسبات لبنان هي المعالم الجغرافية البرية الثابتة تاريخياً منذ أكثر من نصف قرن وهي منطلق الترسيم البحري” وأن “لبنان يحترم القواعد الدولية خلافاً لإسرائيل بدليل أنه انضم إلى اتفاقية قانون البحار 1982، الاتفاقية الإسرائيلية القبرصية مخالفة لموجب ابلاغ لبنان، لذلك فاقتطاع 860 كلم من ثروة لبنان البحرية غير قانوني ومثله التشاطر عبر نقطة الناقورة (B1/B2) والتذرّع بصخور من هنا ومن هناك!” وعليه هناك “ضرورة لانطلاق لبنان في تثبيت ترسيم الحدود البحرية من خط الشاطئ، أي من الحدود البرية ومعالمها وهي الأساس في تثبيت ترسيم الخط البحري، فلا يمكن تثبيت الحدود البحرية من دون الانطلاق من النقاط المحددة براً”.

نصائح للمتفاوضين

إلى جانب مشكلة تاريخ الإحتلال الإسرائيلي الواضح في التراجع عن الاتفاقات، فإن له اليد الطولى أيضاً في “امتلاك المعلومات المهمة”. ففي حين أن لبنان على جهل تام بنتائج دراسة التنقيب من جهته في البلوك 9 القريب من المنطقة المتنازع عليها، في الجهة المقابلة، من المرجح ان تملك اسرائيل معلومات عن حقل الغاز في هذه المنطقة بما لديها من تكنولوجيا متطورة تجمع المعلومات، وبخاصة من خلال شراكتها مع شركة نوبل إنرجي (الشركة التي اكتشفت حقل الغاز) ومن المرجح أن لدى الجانب الإسرائيلي المزيد من المعرفة حول المواقع الدقيقة لاحتياطيات الغاز، وعليه سيتم اقتراح الحدود وفقاً لذلك والضغط باتجاه ذلك والمساومة على المساحات العقيمة.

تنصح المديرة التنفيذية لمبادرة النفط والغاز اللبنانية LOGI ديانا القيسي عبر “نداء الوطن” الجانب اللبناني بوجوب عدم التهاون في التفاوض مع الاسرائيليين خصوصاً عندما تتعلق القضايا بمصالحهم وبضرورة إضافة شخص تقني غير حزبي إلى طاولة المفاوضات لما في الموضوع من دقة وما يضيف عامل الثقة للشعب اللبناني الذي أوضح مراراً أن الطبقة السياسية الحاكمة، أي المفاوضة اليوم، قد فقدت ثقته. وتضيف أنه و”بغض النظر عن المفاوضات التي بدأت حول ترسيم الحدود، على شركة توتال، التي وافقت مسبقاً على حفر بئرين في بلوك 4 و9 وبعيدين عن الحدود المتنازع عليها، ان تعلمنا وفوراً عن الاطار الزمني لتنفيذ حفر البئر الاستكشافي في بلوك 9. وأنه لا يجب الافتراض بأن الحفر بات متعلقاً بنتائج المفاوضات. كما وعليها ايضاح ما إذا ستتوقف عن الحفر أو تؤجله بسبب كورونا كما حدث في قبرص مثلاً؟” علماً أنه بات واضحاً أن هناك تلكؤاً ما في هذا الإطار ويبدو أن كل الشركات تريد ضمان استثماراتها على أقل تقدير قبل الخوض في الاعتبارات السياسية التي قد تُعيقها عن مباشرة الأعمال.

وتكمل القيسي “وجود شخص تقني محايد مهم، علينا أن ننتبه الى متى يتم التفاوض وعلى المواطن اللبناني أن يتأكد أن هناك خبراء يمثلونه على الطاولة، فقد ارتُكب مسبقاً خطأ جسيم في خلال المفاوضات غير المباشرة الماضية ما أدى إلى اعتماد اسرائيل عليه لترسيم حدودها مع قبرص بشكل قضم من مياهنا الإقليمية. ومن المتوقع ألا تتراجع عنه اسرائيل وعليه إن أي خطأ يمكن ان يرتكبه المجتمعون اليوم لعدم وجود خبراء ستستفيد منه اسرائيل لصالحها. فعلى عكس المفاوضات الحدودية المعتادة والروتينية بين الدول المجاورة التي تعيش في سلام مع بعضها البعض، وكما هي الحال في معظم القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، فإن جو العداء السائد والشك وانعدام الثقة والتاريخ الطويل من الصراع المسلح والإرهاب يجعل هذا الترسيم فريداً من نوعه وبحاجة لوجود أخصائيين مستقلين على طاولة التفاوض بخاصة أنها وضعت تحت الإطار التقني وليس السياسي”.

وعما إذا كان “ترسيم الحدود” اكسيراً سحرياً وحلاً يوقف لبنان من التوجه نحو “جهنم” تقول القيسي: “حتى في أفضل السيناريوات وأكثرها ايجابية، لا يمكنها تغطية ديون لبنان” مشيرة الى انه “اذا أردنا الاستفادة من النفط المستخرج فسيكون أصلاً بعد التنقيب والإكتشاف والعمل بعشر سنوات. أي كمن يبني للشعب قصوراً وهمية” وتضيف “كما أن وضع إطار للترسيم لن يرفع بالضرورة التصنيف الإئتماني له بشكل مباشر، وليس من شأنه تحسين قدرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي بشكل حتمي، كما لن يدخل لبنان إلى نادي الدول النفطية، ولكن هي حتماً خطوة بالاتجاه الصحيح لأنها تعطي إشارات ايجابية للمستثمرين وللجهات المُقرضة”.

لماذا الآن؟

كل من يتابع المفاوضات يتساءل “لماذا أصبحت إسرائيل مستعدة فجأة للتفاوض حول الحدود البحرية مع لبنان، البلد الذي لا تزال تقنياً في حالة حرب معه؟ ولمَ لبنان على استعداد للمضي بالملف نفسه، على الرغم أن إسرائيل قد غزته ودمرت وشنت حروباً عليه لسنوات؟

تشرح القيسي لـ”نداء الوطن” أن “العامل الأساسي لكلا البلدين اقتصادي بطبيعته. فنظراً للتاريخ الدموي والحقائق الحالية في المنطقة، ربما يكون العامل الأكثر أهمية في دفع كلا الطرفين نحو المفاوضات هو الفوائد الاقتصادية المحتملة في استخراج وتسويق الغاز الطبيعي والموارد الطبيعية الأخرى من مياههما الإقليمية “بسلام” و”أمان” يستقطب المستثمرين. ومن الواضح أن مثل هذه الفوائد الإقليمية الجوهرية لا يمكن أن تتحقق في جو من العداء والتهديد والوعيد المتبادلين. ويتضح هذا بشكل أكبر حيث أشارت الشركات الدولية المشاركة في استثمار استخراج الوقود وإنتاجه إلى التردد في المخاطرة بالموارد المالية في منطقة الصراع المحتمل وعدم الاستقرار السياسي والعسكري”.

وتضيف “بالنظر إلى المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية الحساسة التي تنطوي عليها هذه المفاوضات المتوقعة، وعلى أمل وافتراض أنها ستكون بالفعل حسنة النية، فمن المرجح أن تسعى اسرائيل لاستغلال ضعف لبنان الاقتصادي الآن لفرض اتفاقية ثنائية لا يمكن أن يطعن فيها لبنان لاحقاً. لذا هناك تخوف كبير من الربط المريب بين ترسيم الحدود و”البحبوحة المنتظرة” وعلينا التنبه لكل تفاصيل المفاوضات بخاصة في هذا التوقيت الذي أتى قبيل الانتخابات الأميركية من جهة والعقوبات على بعض الأطراف السياسية من جهة أخرى”.