IMLebanon

لبنان ملعب لصراع النفوذ بين السعودية وتركيا

انتقل التنافس السعودي التركي إلى ملعب جديد وبأدوات جديدة، وهذه المرة استقطب البلدان السنيان شخصيات شيعية تسعى للدفاع عن سياسات أنقرة أو الرياض في ملفات مختلفة، فضلا عن مهاجمة حزب الله ومن ورائه إيران.

وبات محمد علي الحسيني، الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، مدافعا عن مواقف السعودية في مختلف ملفّات المنطقة بدءا من لبنان، حيث يعتبر أن “المملكة لا تتدخل في لبنان إلا لتقديم المساعدات الأخوية على اختلافها”، وأنها “نأت بنفسها عن النزاعات السياسية اللبنانية منذ زمن بعيد”.

وفي تغريدة أخرى عبر تويتر قال الحسيني إن ” الدعم السعودي مستمر وعلى اللبنانيين قطع كل لسان يسيء إلى المملكة وقادتها”، محمّلا إيران وحزب الله مسؤولية إفشال المبادرة الفرنسية الهادفة إلى تشكيل حكومة اختصاصيين بعيدا عن سيطرة الأحزاب.

وتساءل في كلمة موجّهة إلى أمين عام حزب الله حسن نصرالله “لماذا تختلق الحجج لتوجه اتهامات للسعودية من دون أي دليل أو أساس”.

لكنّ متابعين للشأن اللبناني يرون أن تصريحات الحسيني لا تعكس اختراقا سعوديا داخل الطائفة التي يسيطر عليها وكلاء إيران، وأن السعودية إذا أرادت منافسة النفوذ الإيراني أو التركي لا ينبغي أن تراهن على وجوه سياسية أو دينية غير ذات عمق شعبي، خاصة أن الحسيني نفسه سبق أن مدح تركيا وقوّتها العسكرية والاقتصادية وسياسات رجب طيب أردوغان.

ولا يعرف إلى الآن ما إذا كانت السعودية تفكر بعودة قوية إلى الساحة اللبنانية أم لا، في وقت بات فيه حزب الله هو اللاعب المؤثر في تشكيل الحكومة وعرقلة المبادرات الخارجية الهادفة إلى مساعدات لبنان على الخروج من أزمته السياسية والاقتصادية.

في المقابل، وجدت تركيا في الشيخ صبحي الطفيلي، الأمين العام الأسبق لحزب الله، الواجهة التي تدافع عن سياستها، خاصة بالوقوف ضد دعوات المقاطعة للمنتجات التركية، التي باتت تمثل مأزقا لأردوغان.

ووجه الطفيلي في خطبة للجمعة خطابه إلى الذين دعوا إلى مقاطعة البضائع التركية (لم يسمّهم) قائلا “أنتم تفتحون على السوق الصهيوني العدوّ الشرس، وتغلقون على المسلمين، هذه الصورة قذرة”.

وأشاد الطفيلي بسياسات الرئيس التركي في كل من ليبيا وأذربيجان، واصفا فرنسا وروسيا وإيران بالدول “الخبيثة”.

ويقول المتابعون إن تركيا تدخل الملعب اللبناني على أكثر من واجهة، فقد عرضت المساعدة في التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، ووجهت مساعدات عاجلة. كما تعمل على اختراق الشارع السني في ظلّ وجود عدد من الجمعيات الخيرية التي تدعمها، خصوصا في طرابلس عاصمة الشمال اللبناني.

ويتزامن اختيار لبنان كساحة من قبل تركيا مع زيادة إهمال السعودية للمشهد السياسي وتجاهلها للمشهد الإعلامي هناك، وهو ما قد يساعد الأتراك وحلفائهم الإقليميين على الاستثمار في مجال حيوي ومؤثر في المنطقة.

ويشير مراقبون إلى أن رهان أنقرة على الطفيلي الهدف منه الاستفادة من نقده للسعودية وسياساتها، وليس في سياق حملته التي باتت معهودة على حزب الله وإيران، وهي حملة مستمرة وتثير تساؤلات بشأن سكوت حزب الله عليه.

ويعتبر الشيخ صبحي الطفيلي شخصية موضع نقاش ومحيّرة في لبنان. ولعلّ أكثر ما يثير الاستغراب كيفية تعاطي حزب الله معه، إذ يغض الطرف عن الحملات الشرسة التي يشنها عليه من الحوزة التي أنشأها في عين بورضاي في منطقة بعلبك – الهرمل القريبة من الحدود السورية. ويركز الطفيلي في هذه الحملات على انتقاد السياسات الإيرانية وسياسة حزب الله الذي يتولّى تنفيذ هذه السياسات في لبنان وخارجه.

وتعزو شخصيات في بعلبك قدرة الطفيلي على التصرّف بالطريقة التي يتصرّف بها إلى أن المجتمع في منطقة بعلبك وجرود الهرمل القريبة منها هو مجتمع عشائري مسلّح يمتلك عاداته وتقاليده وبقي منذ ما قبل استقلال لبنان في العام 1943 خارج سلطة الدولة اللبنانية. وهذا ما سهّل انتشار زراعة الحشيشة في تلك المنطقة بشكل واسع.

إضافة إلى ذلك، فالطبيعة الجغرافية للمنطقة التي يقيم فيها الطفيلي صعبة جدا ويصعب على أيّ جيش نظامي اقتحامها والسيطرة عليها طويلا. وهذا ما مكّن الطفيلي من التحصّن في عين بورضاي من دون أن يكون له تأثير كبير خارجها.

ويكفي حصول الطفيلي على مساعدات قليلة كي يحافظ على ولاء أنصاره وحماية نفسه من أيّ هجوم على المنطقة يستهدف إخضاعه.

وتقول شخصية من أهل تلك المنطقة إن حزب الله يستفيد من وجود الطفيلي للادعاء أنّه لا يستخدم العنف في مواجهة خصومه. أمّا الحقيقة، فإن حزب الله يعرف تماما أن اصطدامه بالطفيلي يستوجب حملة عسكرية واسعة وخسائر بشرية من جهة واستفزازا للمجتمع العشائري في تلك المنطقة من جهة أخرى. وهذا أمر، يبدو الحزب في غنى عنه. وترى هذه الشخصية أن السبب الأهمّ لتفادي الحزب المواجهة المباشرة مع الطفيلي هو تأثيره المحدود على الصعيدين اللبناني والشيعي. وظهرت حدود تأثيره من خلال البيانات والمقابلات والندوات التي يعقدها والتي لم يكن لها تأثير يذكر على حزب الله الذي لا يزال يحظى بدعم إيراني غير محدود بصفة كونه لواء في الحرس الثوري الإيراني كان ولا يزال تحت إمرة قائد فيلق القدس.

وترى أوساط سياسية لبنانية تعرف منطقة بعلبك – الهرمل جيّدا أن الرّهان التركي، بعد الرهان الخليجي، على الطّفيلي لا يمكن أن يكون له أيّ تأثير كبير، خصوصا في ضوء التأثير المحدود للرجل، وهو تأثير لا يتجاوز المنطقة التي يعيش فيها. وتشدّد هذه الأوساط على أن الاستثمار في الطفيلي لا فائدة كبيرة منه في المدى الطويل.

وقالت شخصية بارزة من شخصيات المنطقة إنّ لدى حزب الله حسابات خاصة به تجعله يتفادى أيّ صدام مع الطفيلي. وتقوم هذه الحسابات على ترك الأمين العام السابق للحزب يتصرّف بالطريقة التي يشاء ما دامت تجارب السنوات الثلاثين الماضية أظهرت أن لا نفوذ يذكر له، شيعيّا، خارج دائرة الحوزة التي أنشأها والمنطقة الصغيرة التي يسيطر عليها.