IMLebanon

باريس – بيروت: لا انكفاء ولا اندفاع!

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

إلى متى يمكن لرئيس الجمهورية تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة؟

هذه المرّة، لا يبدو أنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في وارد التراجع عن ترشيحه تحت وطأة ضغط رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. في هذه الجولة، قرر التخلي كلياً عن دعم الكتلتين المسيحيتين الأكبر أي “تكتل لبنان القوي” و”تكتل الجمهورية القوية”، للاكتفاء بأكثرية عددية تؤمنها لعبة الأرقام وبتوقيع رئيس الجمهورية على مرسوم تسميته، تاركاً “حدفة” التأليف إلى ما بعد التكليف، ليبنى على الشيء مقتضاه.

طالما أنّ الثنائي الشيعي، وتحديداً “حزب الله” قرر اعتماد سياسة فصل المسار الحكومي عن حليفه المسيحي، بعدما بادر الأخير إلى التمايز في موقفه في ملف ترسيم الحدود على الرغم من التدخل الضاغط الذي حاولت الضاحية الجنوبية ممارسته على “التيار” لسحب العضوين المدنيين من الوفد المفاوض، فإنّ الحريري متمسك بترشيحه ومعتصم بالصمت، بانتظار ما ستقدم عليه الرئاسة الأولى.

الأهم أنّ الحريري لم يبادر إلى الأمام إلا بعدما أقفل باب الترشيحات على نفسه. نادي رؤساء الحكومات السابقين بات مجبراً لا مخيراً في الوقوف إلى جانبه، بعدما استنفد أعضاؤه خيار المرشح الاختصاصي من دون نتيجة تذكر، ولو أنّ هؤلاء قد لا يوفرونه في العرقلة اذا ما أتيحت لهم الفرصة، ولكن في العلن ثمة اقرار بأنّ مبادرة الحريري تستحق المحاولة خصوصاً وأنّ رئيس “تيار المستقبل” قرر الانطلاق من حيث انتهى السفير مصطفى أديب.

العامل المتغيّر هو أنّ للحريري هامش القدرة على تدوير الزوايا، على خلاف سفير لبنان في ألمانيا الذي كان محكوماً، عن قصد، بضوابط وضعها نادي رؤساء الحكومات السابقين. الأمر الذي يسمح له بحياكة تفاهمات مع شركائه الحكوميين لتسمية وزراء اختصاصيين كما ينادي في مبادرته.

أكثر من ذلك، يظنّ المطلعون أنّ بصمات الإدارة الفرنسية في تسمية بعض الوزراء لن تكون خفية، خصوصاً في بعض الحقائب الخدماتية التي توليها باريس أهمية خاصة كونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأجندة الاصلاحية. ولهذا، سواء انفرد الحريري بتلك التسميات أو تشارك فيها مع القوى السياسية التي ستؤمن له الثقة النيابية، فإنّ للادارة الفرنسية موقفاً مؤثراً في شأنها، على اعتبار أنّ الفرنسيين لن يتخلوا بسهولة عن مبادرتهم رغم اصابتها بانتكاسة قاسية في الصميم، ولن يتراجعوا بسهولة إلى الخلف ربطاً بالمصالح التي يخططون لتحقيقها في الشرق الأوسط.

ولكن ثمة وجهة نظر أخرى، تفيد بأنّ أجندة المبادرة الفرنسية الزمنية نسفت عن “بكرة أبيها” وباتت معلقة على حبل حكومة قد لا تبصر النور قبل أسابيع، بينما كان يفترض أن تكون انطلقت في عملها منذ أسابيع. لا بل ثمة تأكيد أنّ حماسة الادارة الفرنسية تراجعت كثيراً سواء نتيجة الصدمة التي تلقتها بتوقيع القوى اللبنانية أو الإدارة الأميركية، لدرجة أنّ خلية الأزمة التي شكلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لم تعد تعقد اجتماعات خاصة بالملف اللبناني.

وحده مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون شمال افريقيا والشرق الاوسط باتريك دوريل هو الذي يتحرك على الخط اللبناني، بدفع من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم. أما ادارته فلن تكرر بطبيعة الحال تجربتها السابقة بالسقوط في فخّ التفاصيل اللبنانية الموحِلة.

يشير أصحاب وجهة النظر هذه، إلى أنّ دخول العامل السياسي وتحديداً الأميركي على خطّ الأزمة اللبنانية بفعل العقوبات ومن بعدها ملف ترسيم الحدود، أعاد خلط الأوراق، ودفع القوى المحلية إلى محاكاة الأجندة الأميركية لا الفرنسية طالما أنّ الثانية لا تملك قوة تعطيل الأولى. ولهذا فقدت مبادرة ماكرون قوة دفعها وعلّة وجودها، مع العلم أنّ بعض الفرنسيين لم يعفوا مسؤوليهم من تهمة سوء الادارة في الملف اللبناني.

يقول هؤلاء إنّ الكلام الذي أبلغه وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل للمسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة إلى بيروت، كان أكثر من معبّر حيث اعتبر أنّ ادارة بلاده لا تقبل بما تقوم به باريس لجهة تعويم “حزب الله” سواء من خلال اللقاءات التي عقدها ماكرون أو دبلوماسيوه، أو من خلال الدور الذي أتاحته مبادرته للحزب. وهذا الموقف كان كفيلاً بالنسبة لمن التقاهم هيل، للتأكّد من أن واشنطن ستضع العصي في دواليب باريس.

يؤكد بعض المطلعين أنّ الاتصالات بين بيروت وباريس لا تزال قائمة بعيداً عن الأضواء، ولكنها تفتقد الى الزخم. ماكرون لا يحتمل أي “دعسة” في المجهول ولن يقوم بأي خطوة محسومة النتائج سلفاً. يمكن اختصار السلوك الفرنسي على الشكل الآتي: لا هو انكفاء ولا اندفاع. مجرد متابعة تحتاج الى قوة دفع أميركية تحديداً. لكن مندرجات المبادرة باتت معلّقة، والكلام عن استضافة مؤتمر حوار لبناني في حكم الساقط نهائياً.