IMLebanon

“معركة الرئاسة اللبنانية”.. بدأت الآن

منذ أن تم الإعلان عن الرسالة التي وجهها الرئيس ميشال عون امس إلى اللبنانيين، تحولت الأنظار إلى قصر بعبدا وساد ترقب سياسي، وسط استغراب وتساؤلات.

الاستغراب مرده الى التوقيت المفاجئ غير المرتبط بأي مناسبة، خصوصا أن أسبوعا يفصل عن «الموعد الطبيعي» لرسالة رئاسية درج الرئيس عون على توجيهها نهاية أكتوبر في الذكرى السنوية لانتخابه، أما التساؤلات فإنها تمحورت حول السبب والدافع إلى هذه «الرسالة» والجهة المعنية بها وماذا بعدها.

من الطبيعي أن تكون إطلالة الرئيس عون على صلة مباشرة بالملف الحكومي والاستشارات النيابية التي ستجري اليوم.

وكما كان متوقعا، لم تعلن أو تبرر تأجيلا ثانيا لهذه الاستشارات، بعدما ضاق هامش المناورة كثيرا في هذا المجال، في ضوء الضغوط الدولية الداعية إلى حكومة في أسرع وقت ممكن، وفي ضوء الضغوط الداخلية الناجمة عن تسارع وتيرة الانهيار والحاجة الى حكومة، وفي ضوء التوجهات التي آلت الى الفصل بين عمليتي التكليف والتأليف والى نزع فتيل أو لغم الميثاقية من درب الحكومة في مرحلة التكليف على الأقل.

لم يكن الرئيس عون ليخرج بهذه «الرسالة ـ الموقف» وبهذا «السقف» السياسي والدستوري المرتفع لو لم يستشعر عملية جارية لتطويق رئاسة الجمهورية ومحاصرتها وشل قدراتها والتعاطي معها من خلفية أن «العهد بات في حكم المنتهي عمليا».

هذه العملية كانت قد بدأت منذ عام عندما كان «العهد» الهدف الرئيسي لانتفاضة 17 أكتوبر التي طالت بشظاياها مجمل الطبقة السياسية، لكنها خصت بالذكر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل رجل العهد ورمزه الرئيسي.

لاحقا، ومع الانهيار الاقتصادي ومع انفجار مرفأ بيروت، ارتفعت وتيرة إلقاء المسؤولية والتبعات على رئيس الجمهورية المتحالف مع حزب الله، ووصلت الى حد المطالبة باستقالته في موازاة مطلبي إسقاط الحكومة والانتخابات النيابية المبكرة، وهذا الشهر أثيرت على نطاق واسع مسألة صلاحيات ودور رئيس الجمهورية على هامش انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، وإعلان «اتفاق الإطار» من عين التينة وتشكيل الوفد اللبناني المفاوض من دون تنسيق مع الثنائي الشيعي ومن دون علم رئاسة الحكومة.

ولكن الأمور تأخذ منحى آخر مع ملف «الأزمة الحكومية» التي بدأت مع اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب وتعذر إكمال مهمته، وترسخت مع التأخر في الدعوة الى استشارات تكليف جديدة، ومن ثم تحديدها ثم تأجيلها لأسبوع، وانكشاف الأمر عن مواجهة مباشرة بين عون والرئيس سعد الحريري وعن تبدل في طبيعة المشكلة والعقدة التي كانت مع مصطفى أديب مع الثنائي «حركة أمل ـ حزب الله» وأصبحت مع سعد الحريري مع الثنائي «عون ـ باسيل».

ما حصل أن الحريري حسم أمره وقرر العودة الى رئاسة الحكومة تحت سقف المبادرة الفرنسية، وحسم أمر تكليفه قبل الاستشارات ومن دون الحاجة الى انتظار نتائجها والاحتكام إليها، ومن دون الحاجة الى رئيس الجمهورية والتفاهم المسبق معه، معتبرا أن التفاهم مع الثنائي الشيعي يكفيه لتجاوز عتبة التكليف ولا مشكلة لديه في «إعطائه» وزارة المال وحق تسمية الوزراء، وأن أصوات النواب المسيحيين الموزعين على كتل بري والحريري وجنبلاط وفرنجية كافية لتأمين حد أدنى من تغطية «مسيحية»، مع العلم أن «الميثاقية» مطروحة في مرحلة التأليف ولا يعتد بها في مرحلة التكليف.

الطريقة التي تصرف بها الحريري في الأسبوعين الماضيين لجهة حصر اتصالاته وتفاهماته بالثلاثي بري وجنبلاط وفرنجية، وتفادي التفاهم المسبق مع رئيس الجمهورية ورفض أي تواصل مع باسيل، أحدثت «نقزة سياسية» لدى الرئيس عون الذي بدا متوجسا من قيام حلف رباعي ينطلق من معركة الحكومة ليؤسس لمعركة رئاسة الجمهورية ويمهد لها.

فالحكومة الجديدة من حيث المبدأ هي حكومة العهد الأخيرة (إذا نجحت يمدد لها حتى آخر العهد، وإذا فشلت وسقطت يسقط العهد معها)، وهي الحكومة التي ستعد الظروف والمعادلات الداخلية للانتخابات النيابية والرئاسية، وهي الحكومة التي ستتولى الحكم وإدارة البلاد في حال نشأ فراغ رئاسي على غرار حكومة تمام سلام في نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان.

ويبدو أن الرئيس عون ارتاب أولا من رغبة الحريري وتلهفه للعودة الى رئاسة الحكومة بعدما كان أكد مرارا أنه لن يعود ولن يكون رئيسا للحكومة مرة أخرى في عهده، وارتاب ثانيا من الحلف الرباعي الجديد وخطته لمحاصرة باسيل وعزله، وبما يؤدي الى إضعاف وتهميش المكون المسيحي في الحكم الذي بات مقتصرا على جبران باسيل بشكل أساسي وعلى سليمان فرنجية بشكل ثانوي.

لذلك، فإن الرئيس عون يتصرف من خلفية أنه يخوض آخر معاركه السياسية الفاصلة، وأن من يربح معركة الحكومة الحالية يربح في معركة الرئاسة ومن يخسر الآن يخسر فيما بعد.

ولكن عون يعتبر أيضا أنه لم يصل بعد الى خط النهاية، ومازالت هناك مسافة زمنية وسياسية طويلة فاصلة عن انتهاء ولايته بعد سنتين.. عون الذي انتخب رئيسا في آخر أيام الرئيس الأميركي باراك أوباما وفي ظل تقاطع أميركي- إيراني في المنطقة، يمرر على مضض تكليف الحريري وينقل المعركة معه الى حلبة التأليف وينتظر مثل حزب الله الذي يدعمه بقوة في هذه المعركة من سيكون الرئيس الأميركي الجديد.