IMLebanon

حكومة إنقاذ… أو حذار السقوط في المحظور!

كتب درويش عمار في جريدة اللواء:

يقال لكل مقام مقال. فالمقدمات والهالات والقامات في هذا البلد تكاد لا تعد ولا تحصى، وهي تحتاج بالطبع إلى مقالات ومقالات تكتب ببحر من الحبر أسود أو أزرق ما همّ، علّ النّاس في لبنان يستطيعون الغوص في بحر الحروف والكلمات لاكتشاف ألغاز وأسرار وكنوز أولئك المتسلطين على شؤون البلاد والعباد من أهل السياسة في هذا البلد، كما علّ صدى تلك المقالات تخترق جدار الصوت ومسامع الحكام والمسؤولين والسياسيين في لبنان، بعد أن صُمّت آذانهم عن سماع أصوات النّاس على مختلف أطيافهم ومشاربهم وانتماءاتهم، لاسيما وان ضمائر أولئك الحكام والمسؤولين قد نامت نوم أهل الكهف وبات الضمير المستتر لديهم في خبر كان، وهمهم أنفسهم، من يشار إليهم بالبنان للدلالة عليهم بوضوح بعد أن أوصلوا اللبنانيين والبلاد إلى ما هو الوضع عليه اليوم من ترهل وتردٍ وافلاس وشبه انهيار في كل ما يعود بصلة إلى حياة النّاس الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية في وطن الأرز لبنان.

يقول المثل الشائع «ان النّاس أجناس»، منهم من هو كالذهب العتيق والدرر والماس، فيما بعضهم الآخر قد فقد الضمير والمشاعر وكل إحساس، والفئة الثانية هذه معروفة بالأسماء والعناوين والممارسات.

انطلاقاً من كل ذلك، ومنعاً للمداراة أو مهادنة أي كان من الحكام والمسؤولين والسياسيين الفاسدين في هذا البلد، لا بدّ للريشة أن تضع النقاط على الحروف بصراحة وتجرد ووضوح، لاسيما بعد أن آلت الاوضاع في لبنان إلى ما آلت إليه ووصل البلد إلى درك خطير، ولم تعد المداراة أو الممالقة والمراعاة لهذا الطرف أو ذاك من السياسيين تفيد أو تنفع في إنقاذ البلد مما هو عليه الآن، وهذا الامر كنا قد شهدناه في مراحل عديدة سابقة من قبل قلة من المنتفعين والمتزلفين وما يسمى بـ«مساحي الجوخ»، لذلك قد يؤول كلام الحق بحق إلى إدراك أولئك السياسيين الفاسدين في لبنان ما اقترفت أيديهم بحق هذا البلد وأهله الطيبين من ارتكابات وسرقات وسمسرات وموبقات، لو كانت قد حصلت في أي بلد آخر متحضر، لكان القضاء فيه قد فعل فعله على أكمل وجه، ولكانوا أمضوا ما تبقى من حياتهم وراء القضبان في السجون.

وماذا بعد… أما وقد كلف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة في لبنان، «والله ستر»، بحيث عادت المياه إلى مجاريها بين بيت الوسط وقصر بعبدا مرورا بميرنا الشالوحي، ها هو الرئيس المكلف يعمل على مدار الساعة، ليل نهار، بحسب أوساطه ومصادره، لتذليل الصعوبات والعثرات والعقبات من أمام تشكيل الحكومة الجديدة وفتح الطريق أمام إعلان مراسيم طبخة حكومية قريباً تتلاءم مع متطلبات الوضع اللبناني المتأزم والخطير، لاسيما بعد أن طمأننا الشيخ سعد مؤخراً انه لن يعتذر وانه عنيد عنيد عنيد كون نصفه الآخر عراقياً لجهة والدته، وهنا لا بدّ من تذكير الشيخ سعد بأن شعب العراق الشقيق لم يكن يوماً عنيداً الا بالحق، وقد أثبت دائماً انه شعب مثقف وراق ومتسامح، أنجب العلماء والأدباء والشعراء والكتاب وأهل الفقه والشرائع والقانون، كما تناسى الشيخ سعد أيضاً ان السيدة فيروز عندما غنت للشعب العنيد إنما قصدت الشعب اللبناني في أغنيتها «بحبك يا لبنان».

بالعودة إلى تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري، فالمؤشرات توحي بأن الخطوط العريضة للخلطة الحكومية قد رُسمت بين عون والحريري بالخط العريض، وقد بدأ فعلاً بوضع مسودة أولى في ما يتعلق بتوزيع الحقائب على الطوائف والمرجعيات مع الأخذ بعين الاعتبار انها قد تبصر النور بحسب المعلومات الواردة بالتواتر، في النصف الأول من الشهر القادم، وستكون من عشرين وزيراً من الاخصائيين مطعمة بأشخاص يمثلون الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان، ولو بطريقة غير مباشرة ومن وراء الستارة، وان الأمور على هذا الصعيد قد قطعت شوطاً بعيداً حتى الآن في هذا السياق تحت رعاية واشراف وغطاء إقليمي ودولي لاسيما دعم الجانب الفرنسي بشكل خاص لهذا التوجه، وهو من كان قد أعلن وأكد وأصرّ على ضرورة ووجوب الإسراع بتشكيل حكومة جديدة في لبنان منعاً لغرق المركب بمن فيه ومن عليه من جهة، وبالتالي، ضمانة نجاح المبادرة الفرنسية التي كان قد اطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وشدّد عليها أكثر من مرّة، انطلاقاً من ضرورة تطبيق الاصلاحات المنشودة لهذا البلد.

فعلاً، لقد طال انتظار كل اللبنانيين، وبدأوا يتوجسون من الوقوع في المحظور، على مدى الأسابيع الماضية بالنسبة لتشكيل الحكومة الجديدة، إنما بصيص الأمل الذي لاح في الأفق من جديد منذ تكليف الرئيس سعد الحريري بهذه المهمة جعلهم يتمسكون بخيط من الأمل، وبفرج قريب، بعد أن انتظروا على أحرّ من الجمر وبفارغ الصبر حتى جاء من يبشرهم بأننا بتنا على باب قوسين أو أدنى من تشكيل حكومة جديدة في لبنان، وهذا ما أعلنه أكثر من سياسي عبر وسائل الإعلام أو في المجالس الخاصة والصالونات، وهنا لا بدّ أن نتبع مقولة «كذب السياسيون ولو صدقوا»، بدلاً من المنجمين».

وفي حال نجاح الرئيس سعد الحريري بالتوصل إلى تشكيل الحكومة الجديدة بالتفاهم مع الرئيس ميشال عون، لا بدّ من الانطلاق فوراً ومن دون تردّد أو محاباة لأحد بتطبيق الإصلاحات المطلوبة في لبنان بإلحاح، والتي تصرّ عليها الدول المعنية بهذا الشأن في الخارج، بدءاً بالتدقيق الجنائي مروراً بمكافحة الفساد والفاسدين في البلد، ووضع اليد على الجرح بالنسبة لمعالجة كل الشوائب المرتبطة بالقطاع المصرفي الذي أوصل لبنان إلى ما هو عليه الآن على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي، أضف إلى ذلك ضرورة العمل على تنفيذ إصلاح إداري وقضائي وسياسي ينطلق من وضع قانون انتخابي جديد وبالتالي إلغاء الطائفية السياسية.

كما أيضاً، يتوجّب على حكومة الرئيس الحريري في حال أبصرت النور معالجة جميع المواضيع الشائكة وأهمها وضع حدّ جذري للنزف الحاصل على صعيد معالجة قطاع الكهرباء ما أدراك ما قطاع الكهرباء الذي كبّد الخزينة اللبنانية ما كبّدها على مدى سنوات عديدة من هدر للمال العام وسمسرات وسرقات إلى غير ذلك من معاناة اللبنانيين مع أزمة الكهرباء بشكل دائم ومستمر، وإن ننسى فلن ننسى ضرورة الانفتاح عى صندوق النقد الدولي لاستكشاف آفاق التعاون بين الحكومة الجديدة وهذه المؤسسة الدولية وفق شروط محددة تراعي الواقع المعيشي والاجتماعي في لبنان، كما ضرورة إيجاد نظام صحي وتربوي جديد ومعالجة مشاكل البيئة في هذا البلد لتصحيح الخلل على هذه الصعد، وإعادة الأموال المنهوبة والمهربة للخارج إلى البلد، وهي تقدر بمليارات الدولارات، ناهيك عن ضرورة الاستفادة من الثروة الغازية والنفطية التي قد تسهم في حال الحصول عليها من التخفيف من معاناة اللبنانيين وسد قسم كبير من ديون لبنان الخارجية، على أمل ان تنجح اجتماعات ترسيم الحدود البحرية ومن ثم الحدود البرية بحفظ حق لبنان في ثرواته الطبيعية من نفط وغاز ومياه وغيرها.

أضف إلى ذلك أيضاً ضرورة مواكبة مؤتمر سيدر الداعم للبنان اقتصادياً ومالياً لإنجاحه مع الأخذ بعين الاعتبار التماشي بسياسة خارجية تمنع العدو الإسرائيلي من الاعتداء على لبنان برا وبحرا وجوا، وتطالبه بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة وفق القرارات الدولية المتخذة على هذا الصعيد، وتطبيق القرار 1701.

أخيرا، لا بدّ من الرجوع إلى القول المأثور «تفاءلوا بالخير تجدوه»» وموجة التفاؤل هذه التي يعيشها لبنان في هذه الأيام بالتزامن مع مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، تدفع الجميع للقول «ان شاء الله خير» الا ان الخوف كل الخوف ان يدخل الشيطان في التفاصيل وهنا تكمن الخطورة – لا سمح الله – وعندها سيتعذر على الرئيس الحريري تشكيل حكومته العتيدة بحيث تضيع الفرصة الاخيرة على لبنان واللبنانيين الا إذا حصلت معجزة إلهية ما تنقذ لبنان كالعادة من السقوط في المحظور.