IMLebanon

الإقفال التامّ أو انهيار القطاع الصحي

كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:

لا جدوى من الإقفال الجزئي الذي تشهده مئات البلدات والقرى. هذا ما يُجمع عليه المعنيون في ملف كورونا نظراً إلى طبيعة تداخل البلدات والشوارع في ظل الانتشار الواسع للوباء الذي خرج عن السيطرة، خصوصاً مع امتلاء أسرّة العناية الفائقة المخصّصة لمرضى كورونا وبداية مرحلة خطيرة من المُفاضلة بين المرضى.

الواقع الوبائي المأزوم الذي يعيشه لبنان كان مُتوقّعاً. ومع أنه يتزامن مع استئناف فيروس كورونا جولته الثانية عالمياً، إلا أنه نتاج «طبيعي» للمعالجات الجزئية التي انتُهجت منذ تموز الماضي، رغم إدراك صناع القرار آنذاك حتمية الوصول إلى الأزمة الحالية من دون أن يتخذوا الإجراءات اللازمة لتدارك التدهور.

حالياً، ووفق إجماع لجنة الصحة النيابية والمعنيين في وزارة الصحة، لا توجد أسرّة عناية فائقة شاغرة لمصابي «كورونا»، وبدأت سياسة «غربلة» المرضى الذين تستوجب حالتهم الإقامة في المُستشفى والمفاضلة بينهم بسبب محدودية الأسرّة العادية المُتبقية، مع استمرار تسجيل آلاف الإصابات يومياً من دون إجراءات لفرملة الانتشار بشكل فاعل. فقد أعلنت وزارة الصحة مساء أمس، تسجيل 1389 إصابة (1384 مُقيماً وخمسة وافدين) ووفاة ستة أشخاص، ما رفع عدد المُقيمين في المُستشفيات إلى 790 بينهم 270 حالتهم حرجة.

أمس، و«كعادة أسبوعية»، أصدر وزير الداخلية محمد فهمي قراراً بمنع التجول على كلّ الأراضي اللبنانية من التاسعة مساءً حتى الخامسة صباحاً وإغلاق 115 بلدة وقرية سُجلت فيها نسب إصابات مرتفعة مع الإبقاء على إغلاق النوادي الليلية والملاهي على أن تكون نسبة الإشغال 50% بالنسبة إلى المطاعم. فهل تكفي هذه الإجراءات لمجابهة الأزمة الآخذة بالتفاقم، خصوصاً مع إعلان وزير الصحة حمد حسن إمكانية ضرب أعداد الإصابات بخمسة لأن «80% لا تظهر عليهم عوارض ويتحركون بيننا». من جهته نبّه رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، إلى أن القطاع الطبي يعاني «مُشكلة كبيرة»، و«قريباً سنشهد الكثير من المشاكل في أقسام الطوارئ وستعلو الصرخات في المُستشفيات». وشدّد على أن «لا حلّ إلّا بالإقفال التام لمدة أسبوعين كي يرتاح القطاع». وهو ما أكده مُستشار وزير الصحة الدكتور إدمون وهبة، مشيراً إلى وجود حلّ من اثنين: إمّا الإقفال التام والشامل لمدة أسبوعين مع الالتزام لتخفيف نسبة العدوى والتفرغ لمعالجة المرضى الحاليين وإمّا التشدّد في ارتداء الكمامات وفرض إجراءات التباعد الاجتماعي.

وفق معلومات «الأخبار»، فقد أقرّ فهمي في اجتماع جلسة لجنة الصحة النيابية بعجزه عن فرض السيطرة بسبب نقص العديد والتجهيزات اللازمة لضبط إجراءات الالتزام، فيما يبدو خيار الإقفال التام مُستبعداً حتى الآن بسبب الوضع الاقتصادي، ما يطرح تساؤلات بشأن البدائل التي يمكن اعتمادها وتبدأ بزيادة عدد الأسرّة في المُستشفيات.

وفق أرقام لجنة الصحة النيابية، ومن أصل 130 مُستشفى خاصاً، هناك 25 فقط تستقبل مرضى كورونا، فيما تمتنع البقية عن ذلك بحجة «عدم جهوزيتها»، علماً أن «أكثر من تسعة أشهر مضت على دخول الفيروس إلى البلاد. ولدينا قطاع استشفائي خاص ضخم وعليه التعاون أكثر».

وكانت لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا أوصت، قبل يومين، بدفع أصحاب المُستشفيات الخاصة إلى تخصيص 10% من الأسرّة العادية و20% من أسرّة العناية الفائقة للمصابين، وذلك خلال مدة لا تتخطى أسبوعاً على أن يُصار إلى اتخاذ تدابير في حال المخالفة كالطلب من وزارة العدل إعطاء إشارات قانونية بشأن إمكانية وضع اليد على المُستشفيات وخفض تصنيف المُستشفيات الممتنعة وغيرها.

رئيس نقابة أصحاب المُستشفيات الخاصة سليمان هارون، من جهته، اعتبر أنه لا تكفي مطالبة المُستشفيات الخاصة باستقبال المصابين من دون تقديم الدعم، لافتاً إلى أن «كلفة مريض كورونا توازي أضعاف كلفة المريض العادي»، ومُطالباً بتأمين الدعم المالي للمُستشفيات لتخصيص أجنحة لمرضى كورونا وتشغيلها. كما أشار إلى أن بعض المستشفيات غير قادرة على ذلك «بسبب طبيعتها الهندسية».

ولكن، إذا كان تخلّف المُستشفيات الخاصة عن تلبية النداء الصحي مرتبطاً بجشعها أو بالضائقة المادية أو الطبيعة الهندسية، فما الذي حال دون رفع جهوزية المُستشفيات الحكومية، إذ أن من أصل 29 مُستشفى حكومياً، هناك 12 فقط تستقبل المصابين بالفيروس؟

وهبة أكد أن وزارة الصحة تقوم بتجهيز المُستشفيات الحكومية «وتم تجهيز 100 سرير عناية فائقة خلال الشهرين الماضيين». و«لكن مهما رفعنا تجهيزات الأسرّة فهي قد تمتلئ خلال 24 ساعة بسبب سرعة انتشار العدوى ولأن هذا السباق لا يمكن أن نربحه من دون تخفيض عدد المُصابين ومن دون جهود القطاع الخاص».