IMLebanon

المشنوق يقطع “حبل السرّة” مع الحريري… ويقلب الصفحة!

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

تقصّد نهاد المشنوق أن تكون اطلالته الاعلامية الأخيرة مختلفة. في الشكل وفي المضمون. أشبه بمحطة انتقالية، يريدها أن تطبع في الوجدان وفي الذاكرة، وأن تؤسس لمرحلة جديدة. هذه المرة استخدم الأسلوب البسيط، المباشر، الصريح، “زيادة عن اللزوم”. لم يحتج إلى تغليف مقارباته بتوليفات استراتيجية يجيد وزير الداخلية السابق حبكها بدقة، وهو المتابع النهم والعارف بالكثير من خفايا الأحداث وخباياها. اختار السهل الممتنع، من دون أي “فيلتر”. قال الأمور كما هي. دفعة واحدة.

إنتظر النائب البيروتي كثيراً قبل أن يدلو بدلوه. ليقول كل ما يدور في ذهنه وعقله وقلبه، ازاء الرئيس سعد الحريري ومحيطه، بعدما أمعن في قراءة وسماع الانتقادات التي مزجت بين الشخصي والسياسي. نادرة هي الجولات التي حاكى فيها المشنوق الشارع والجمهور وتوجّه إليهما بالمباشر. أقلّه في اطلالاته الاعلامية. هذه المرة فعلها، عن قصد ولأهداف مدروسة.

بدا وكأنه يقوم بجردة حساب، تستهدف مسألتين: توضيح الالتباسات من جهة، وتضع خطاً فاصلاً بين ما قبل وما بعد. سيكون تاريخ هذه المقابلة، بنكهة مختلفة، بعدما وضع كل الملفات دفعة واحدة على الطاولة لتنقيتها من شوائب الاتهامات، السياسية وغير السياسية، التي وجهت إليه منذ خروجه من مبنى الصنائع، ويخطّ “زيحاً” أزرق اللون يعيد ترسيم الحدود السياسية بينه وبين بيت الوسط.

ولهذا لا يمكن فصل اقدامه على ترشيح رئيس “تيار المستقبل” لرئاسة الحكومة، في عزّ الخصومة بينهما، بينما امتنع مثلاً عن ترشيح “الوكيل” سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب… عن “جردة العمر” مع سعد الحريري. صحيح أنّ وزير الداخلية السابق برر خطوته غير المتوقعة، بالاعتبارات الأمنية والسياسية وبكون الحريري قدم نفسه مرشحاً طبيعياً، لكنها بدت حمّالة أوجه سياسية، وبمثابة “تسكير” نهائي لدفتر الحسابات.

بهذا المعنى تُفهم المرافعة الدفاعية المطولة القاسية التي قام بها والتي تناولت كل الاتهامات التي كانت تساق بحقّه، منذ قرر الخروج من تحت عباءة “المستقبل” ليقول بعض ما كان يقوله داخل الغرف المغلقة حيث كان لا يزال واحداً من طهاة “المطبخ الحريري”.

بداية، وضعت معضلة رئاسة الحكومة على الطاولة. قرر حسمها لمرة واحدة وأخيرة: عرضت عليه في أكثر اللحظات السياسية دقة، حين استقال الحريري من الرياض، ورفضها من منبر دار الفتوى. ليعود ويؤكد أنّه لن يكون يوماً رئيساً للحكومة بأي ثمن، ولن يصل السراي إلا بمباركة الأوّل في الطائفة.

ثم عرّج على تهمة “الوفاء” التي لم يتردد الحريري في ادراجه على جدول المتهمين بقلّته. بيّن على الملأ أنّ عمر اعتراضه على الإدارة السياسية للتسوية الرئاسية، من عمر دخوله ولايته الثانية في وزارة الداخلية، في حكومة العهد الأول نهاية 2016، ليصير “شاهد زور”. ما يعني أنّ “تمرّده” غير مرتبط وفق الروزنامة التي قدمها، بقرار الحريري فصل النيابة عن الوزارة.

يعرف المشنوق قيمة الوقت. ربطه على نحو مجازي بالساعات. تقصّد الحديث عن كرم الحريري حين أخبر عن أول ساعة تلقاها منه وآخر ساعة. لكن ما لم يقله، هو أنّ الزمن كفيل بتصويب الأمور. ها هو يثبت صحّة اعتراضه على إدارة التسوية الرئاسية التي كان من المتحمسين لها، وها هو الحريري يعود إلى مواجهة جبران ومقاطعته، بعدما كان المشنوق متخصّصاً بمنازلته في جلسات الحكومة وخارجها. وسيثبت الوقت يوماً أنّ ما يقوم به الحريري راهناً، هو ليس أقل من الوقوع في الفخّ، كما حصل في حكومة 2009 التي سقطت على باب البيت الأبيض… ليعيد الحريري إلى مربع النائب البيروتي، لا العكس.

وفق هذا التوصيف، يمكن القول إنّ “جردة المشنوق هي بمثابة تبرئة ذمّة أولى وأخيرة، قبل أن يقطع حبل السرّة مع سعد الحريري وفريقه السياسي”. عملياً، قرر الصحافي العتيق طيّ هذه الصفحة على نحو نهائي بعدما حاول وضع الاصبع على الجرح وتفنيد دفتر الحسابات المشتركة، وتسديد كل الديون المستحقة.

في مجالسه، يصرّ المشنوق على التأكيد على أنّ كل ما يفعله هو فقط من باب صيانة حرية رأيه وموقفه ووقائعه، يريد الحقّ بالتعبير والحرية في الحركة بلا شتائم واعتداءات. في النهاية، أن تكون على الضفة الأخرى من موقف سعد الحريري، لا يعني أنّك “عدو”. ولهذا يفضل وزير الداخلية السابق أن يبرّئ ذمّته بشكل حاسم ونهائي، منعاً لأي التباسات جديدة. بالنتيجة، “رسم المشنوق نهاية لعلاقته التاريخية ببيت الحريري”. ولكن كل نهاية، بداية جديدة من مكان آخر.