IMLebanon

الحكومة اللبنانية: عود على بدء

كتب د. ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

تبدو الأجواء المحيطة بحركة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ملبدة، وهي تشير الى عودة الأمور الى ما كانت عليه في سابق السنوات الماضية، حيث قاعدة «او يحصل كما نريد او تعطيل كل ما لا نريد» وقد تأكد اعتماد هذه المقاربة عند الذين يتحكمون باللعبة السياسية منذ 7 سنوات، من خلال افتعال المشكلات أمام تشكيل الحكومة الجديدة التي تنتظرها البلاد المنهارة بفارغ الصبر، لعلها تستطيع إنقاذ المواطنين من الويلات المعيشية والصحية التي يتخبطون بها.

يحاول فريق الرئاسة فرض أقسى الشروط على الرئيس المكلف، من خلال محاولته السيطرة على الوزارات الأمنية والعسكرية والقضائية، وفي نبش الملفات الخلافية لتعقيد عملية التأليف. وتأكيدا على هذه الواقعة، تم استحضار عقد وهمية، مثل العقدة الدرزية، وهي غير موجودة نهائيا، لأن 7 نواب من أصل 8 نواب دروز لهم موقف واحد، بينما النائب الثامن وحيدا في صفوف تكتل الإصلاح والتغيير، وهو لم يشارك في الاستشارات النيابية، ولا في تسمية الحريري، قناعة بعدم وجود مكان له في المعادلة الجديدة. واستدعاء رئيس الجمهورية للنائب ارسلان ودفعه للمطالبة بالمشاركة في الحكومة، يهدف الى توسيع حصة الرئيس للوصول الى الثلث المعطل، وربما لافتعال مشكلة مسيحية – درزية يعمل لها فريق الرئيس، تعيد لهم بعض التعاطف المسيحي الذي خسروه في بيئتهم، وهذا احتمال وارد، لأن مستوى الامتعاض من الرئيس في الأوساط الدرزية وصل الى حدود متقدمة جدا. اما افتعال عقدة تمثيل المردة فواضح أنه يهدف للتشويش على تصاعد أسهم المرشح الرئاسي سليمان فرنجية.

كلام البطريرك بشارة الراعي في ختام سينودس الأساقفة الموارنة في بكركي كان واضحا في توصيف الوضع، ويحمل موقفا لا لبس فيه ضد ممارسات دوائر الحكم عندما قال: «ليتركوا الحريري يشكل حكومة إنقاذ من اختصاصيين، وعلى الذين فشلوا في إدارة البلاد وقتلوا شعبهم أن يتنحوا جانبا» والراعي كان قد قال كلاما أوضح أمام بعض زائريه، معتبرا مجيء فريق الحكم الحالي ساعة سوداء بتاريخ لبنان.

ما هي خلفيات وضع العصي في دولاب تأليف الحكومة، وما هو الهدف من العرقلة؟ قد يكون أحد الأهداف الحصول على وزارات دسمة، لاسيما الداخلية والدفاع والعدل والمالية، لتنفيذ خطة الإمساك بالوضع في السنتين القادمتين، لأن الانتخابات النيابية ستجري في ربيع 2022، وموعد الانتخابات الرئاسية في نهاية صيف العام ذاته، والتيار العوني أمام تحديات واسعة، كونه فقد غالبية مصداقيته في لبنان والخارج، لأنه يتحمل مع حليفه مسؤولية الانهيار المالي والسياسي الذي وصلت إليه البلاد، وبالتالي سيكون خاسرا حكما في الاستحقاقين الانتخابيين القادمين.

وربما في خلفيات المواقف التعطيلية ابتزاز للرعاية الدولية – خصوصا الفرنسية والأميركية – بهدف الحصول على ضمانات أكثر منهما، لعدم فرض عقوبات على مقربين من القصر في المستقبل، وقد يكون لحزب الله دور في تأخير التأليف، استنادا الى معطيات تتعلق بالعلاقات الأميركية – الإيرانية.

يتصرف أقطاب الأغلبية النيابية، ومعهم رئيس الجمهورية الذي يحمل قلم التوقيع على أي تشكيلة حكومية، وفقا لحسابات ذاتية وحزبية، بينما البلاد ترزح تحت أثقال اقتصادية وصحية غير مسبوقة، والمشكلات تهدد الدولة ووحدتها وتدفع بالمواطنين الى الهجرة، او الى اليأس الذي قد يؤدي الى تفاقم العوارض الأمنية. لأن كثيرا من اللبنانيين فقدوا أعمالهم، وهدمت منازلهم بانفجار المرفأ، والعائلات المتوسطة الدخل والفقيرة لم يعد يكفي دخلها لسد متطلبات الحياة العادية في ظل تراجع قيمة العملة الوطنية.

عود على بدء في مسلسل التعطيل، يشبه ما كان ينقل عن آيفون الرهيب: «استولوا على كل ما ترونه، واقضوا على كل من يقف في وجهكم، ومن ثم أحرقوا المدينة».