IMLebanon

الحريري في مصيدة “الثلاثي الحاكم” في لبنان

كتبت صحيفة العرب اللندنية:

مؤشرات عدة توحي بأنه جرى استغلال زعيم تيار المستقبل سعد الحريري لتقطيع الوقت إلى حين الانتخابات الأميركية، حيث أن القوى المسيطرة في لبنان لم تظهر أي جدية في دعم جهوده لتشكيل حكومة جديدة، بل العكس حيث جرى رفع المتاريس في وجهه من خلال طرح شروط تعجيزية.

تشهد مشاورات تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة سعد الحريري جمودا، وسط تراجع منسوب التفاؤل في إمكانية أن ترى هذه الحكومة النور، خاصة مع تصريحات لشخصيات مقربة من ثلاثي السلطة أي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بدأت تهيئ الأجواء لتعويم حكومة حسان دياب.

وتبدي دوائر سياسية مخاوفها من أن يكون زعيم تيار المستقبل قد وقع في مصيدة الثلاثي، وأنه جرى القبول بتسميته لمنصب رئيس الوزراء لتقطيع الوقت إلى حين ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأميركية، وعلى ضوئها يتم اتخاذ القرار بشأن إنجاح مهمته أو إفشالها.

وقال النائب في البرلمان اللبناني اللواء جميل السيد الجمعة في تغريدة على موقعه في تويتر “البلد بحاجة إلى حكومة، وهذه ضرورة قصوى في هذه الظروف، وحتى اللحظة عجز سعد الحريري عن تشكيلها، الزعماء يطلبون حصتهم كونه كان شريكهم في انهيار الدولة على مدى سنوات، وإذا استمر عجز الحريري، فربما سنشهد إعادة تعويم حكومة دياب”.

وسجلت في الأيام الأخيرة عودة من بعيد لحكومة حسان دياب من بوابة التدقيق الجنائي في مصرف لبنان المركزي، وتشير دوائر سياسية إلى هجوم رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال على المصرف، واتهامه الأخير -بشكل موارب- بالسعي للتعتيم على بعض الملفات ومنها الودائع الموجودة. ورجحت هذه الدوائر أن يكون الهجوم أتى بإيعاز من الثلاثي ومن خلفه النظام السوري الذي سبق أن هاجم رئيسه بشار الأسد الخميس مصرف لبنان متهما إياه “بابتلاع ودائع سوريّة بمليارات الدولارات”.

وعلق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على كلام الأسد بالقول في تغريدة “يبدو أنه بعدما نهب ودمر وهجّر معظم سوريا واستفاد من كل أنواع تهريب المواد المدعومة من لبنان وبعد أن دُمر مرفأ بيروت نتيجة النيترات التي استوردها لاستعمالها في البراميل المتفجرة ضد شعبه ينوي القضاء على النظام المصرفي اللبناني”، متسائلا “هل نظرية التحقيق الجنائي تصب في هذا المنحى؟”.

وتحذر شخصيات لبنانية من أن هناك نية مبيتة لإفشال جهود رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، حيث أن وجود الأخير على رأس الحكومة المقبلة لا يصب في سياق المعركة التي تم فتحها مجددا ضد مصرف لبنان، وحاكمه رياض سلامة.

ويقول مراقبون إن الثلاثي لم يظهر أي جدية منذ بدء مشاورات التشكيل، وحرص كل طرف على رفع سقف مطالبه عاليا لاسيما التيار الوطني الحر الذي تمسك رئيسه جبران باسيل بتشكيل حكومة موسعة من 22 وزيرا والحصول على الثلث المعطل بها، مع الاحتفاظ بحقيبة الطاقة أسوة بالثنائي الشيعي الذي نجح في تثبيت حقيبة المالية في حصته.

ويشير المراقبون إلى أن الأطراف الثلاثة أرادت على ما يبدو حشر الحريري في الزاوية بين الخضوع كليا لها أو الاعتذار، وهذا السيناريو “المحبب” الآن لإعادة تعويم حكومة دياب التي يرون أنها الأنسب لمصالحهم في المرحلة المقبلة، في ظل مؤشرات تنبئ بصعود إدارة أميركية جديدة بقيادة ديمقراطية.

ويشدد المراقبون على أن إدراج إدارة دونالد ترامب الجمعة لجبران باسيل ضمن القائمة السوداء من شأنه أن يزيد من التصاقه بالثنائي الشيعي، وأيضا بتصلبه لجهة إفشال مهمة الحريري، الذي يبدو أن مخاطرته بتقديم نفسه لمنصب رئيس الوزراء لم تكن في محلها، حيث بات اليوم مخيرا بين خيارين لا يقلان سوءا عن بعض الخضوع أو الاعتذار.

وأعرب رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع الجمعة عن أمله في أن “يبقى الحريري مصرا على ‘حكومة مهمة’ خارج نطاق الأحزاب والمجموعات التي اعتادت أن تشكل الحكومة وتتمثل فيها”، كما لم يُخفِ مخاوفه “من أن تكون الحكومة المنتظرة حكومة محاصصة، لاسيما وأن عملية التشكيل انطلقت بإعطاء وعد لأمل وحزب الله بوزارة المالية، وهذا يعني أن هذا الوعد سيكون أيضاً للفرقاء الآخرين بأن الحقائب ستعود أيضاً لهم”.

وشدد جعجع، الذي تحفظت كتلته على تسمية الحريري، على أنه “لا يحق لأي فريق أن يتمسك بأية حقيبة لأن البلد وصل إلى هذه الحال بسبب تمسك هؤلاء بالحقائب”، قائلا إن “حكومة الحريري تتشكل اليوم بنفس الطريقة التي شُكلت فيها الحكومات السابقة، وهنا لا يهم إن كانت الوجوه قديمة أو جديدة”.

ولفت زعيم القوات “إلى حكومة الرئيس حسان دياب حيث كانت كل الوجوه جديدة لكن الممارسات وهي الأهم بقيت على قِدمها”. وقال إنه في حال لم يجر الوصول إلى حكومة مهمة فإن “القوات اللبنانيّة” “لن تعطيها الثقة لأن مثل هذه الحكومة تعني تضييع المزيد من الوقت ونحن بأمس الحاجة إلى كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة من أجل عملية الإنقاذ المطلوبة”.

ويواجه لبنان أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الأهلية، وتتهم الطبقة السياسية الحاكمة بوصول لبنان إلى هذا المنحدر، وفي ظل الأجواء المحيطة بعملية التشكيل من المستبعد حدوث أي تحسن، وبالتالي فإن لا دعم دوليا قادم، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الأميركية.