IMLebanon

باسيل للأميركيين: حرّرتموني

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

في التاريخ الحديث والمعاصر للمسيحيين في لبنان وتحديداً الموارنة، هناك علامتان فارقتان يمكن لحظهما: الأولى حصلت يوم استطاع الرئيس ميشال عون ان يأخذ المجتمع المسيحي بأغلبيته نحو خيار الانتماء المشرقي، والثانية يوم خرج رئيس تيار مسيحي يميني يغالط الاميركيين ويتحداهم، وهو سليل مجتمع وثقافة تشكل علاقته مع الغرب والاميركيين جزءاً من أحلامه وطموحه ويعتبر نفسه الأقرب الى هذا الغرب. الجديد في ما قيل يتجلّى في شخص من قاله وخلفيته السياسية والحزبية والطائفية، والجديد فيه أيضاً أن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خرج من العقوبات الاميركية متحرراً داخلياً وخارجياً. سيطول الزمن حتى تتبين حقيقة من نصح الاميركيين بفرض عقوبات على باسيل، لكن الأكيد أنّ لأميركا القدرة على تجميد حسابات أي لبناني وتعاقبه، وتجد من يصفق لفعلتها في الداخل ومن يتهيّب الموقف ويخاف على ذاته وماله بمعزل عن صوابية أو عدم صوابية قرارها.

خلال مؤتمره الصحافي، أسهب باسيل في شرح تفاصيل المطالب الأميركية لوقف العقوبات بحقه، وقال انه تبلّغ من السفيرة الأميركية دوروثي شيا مباشرةً بضرورة تلبية 4 مطالب فوراً وإلاّ ستفرض عليه عقوبات اميركية، مكتفياً بالكشف عن المطلب الاول وهو فك العلاقة فوراً مع “حزب الله” من دون الاعلان عن النقاط الثلاث الاخرى، وذلك بناء على نصيحة تلقاها من مقربين. وتفيد معلومات موثوق بها أنّ النقاط التي لم يعلن عنها باسيل دارت حول مسائل مطلوبة على درجة عالية من الخطورة وبعضها يتعلق بخيارات استراتيجية، فيما البعض الآخر يتصل بالعلاقات مع شخصيات ذات مستوى. ويستغرب باسيل الذي عوقب بناء على قانون ماغنيتسكي على خلفية قضايا فساد كيف ان الحديث معه تضمّن “حزب الله” وكلّ شيء الاّ الفساد، ليسأل: “طيّب لو انا قبلت معهم اقطع العلاقة مع “حزب الله”، كنت بطّلت فاسد؟”.

ما قاله باسيل وأكثر، أبلغه الى الامين العام لـ”حزب الله” مباشرةً والذي “ابدى تفهمه لأي موقف ممكن أن نتخذه وأبدى استعداده لأي مساعدة نطلبها منّه، وطبعاً انا ما طلبت شي بهيك لحظة”. ترفض المصادر القيادية في “التيار الوطني” الإفصاح عما اذا كان الحديث المباشر جرى باتصال هاتفي او خلال لقاء هو المرجح بينهما، لكنها تقول ان البحث تطرق الى تفاصيل القرار الاميركي وعواقبه وقد أظهر هذا التواصل مؤشرات عدة في الوقت عينه: قطع الشك باليقين ان العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” هي في اعلى درجات التنسيق رغم كل ما كشفه باسيل من اختلاف بين الطرفين، فجاء الاتصال ليقول ان كل من يراهن على نهاية التحالف قد خابت حساباته. وقد وضع باسيل “حزب الله” بشخص امينه العام في اجواء التهديدات الاميركية ليس من موقع الابتزاز او الشكوى او التبرّم، وانما من موقع التبليغ عما يجري معه، وعندما سأله السيد حسن نصرالله هل تريد ان نفعل شيئاً أجابه: “لا ليس الآن وانما لاحقاً نعم”. لم يطلب تحت الضغط ولكن من بعد جلجلة العقوبات سيكون الحديث عن ضرورة اعادة النظر في بنود تضمنها التفاهم، جعلت بيئة “التيار” ممتعضة لعدم تنفيذها وليس من باب نكء التحالف وانما في سبيل تحديثه واعطائه دوراً يمتد بالزمن لمرحلة أطول، وهو المستمر منذ 14 عاماً لينتقل بعدها من التفاهم السياسي الى التفاهم الكياني. أعاد باسيل تأكيد تحالفه مع “حزب الله”: “نحنا لا يمكن ان نطعن اي لبناني لصالح أجنبي، هيدا مبدأ سياسي بالتيار لا يمكن ان نخلّ فيه تجاه حدا، ولا نمشي بعزل اي مكوّن لبناني”.

خرج رئيس “التيار الوطني الحر” ليقول للأميركيين علانية: “على كل حال، حرّرتموني، الظلم يكبّر النفس الحرّة والأبيّة، وانا اليوم اكثر حريّة وعزة”. والتحرر المقصود هنا متشعب الأبعاد والمغازي فمن جهة اراد ان يقول ان خياراتي بعد اليوم باتت مفتوحة من سوريا الى الصين وايران، ومن جهة ثانية اراد ان يستثمر في العقوبات داخل تياره لتكون فرصة للتخلص من عبء المزايدين والمعترضين على سياسته وخياراته في السر والعلن. لمح باسيل “الى محاولات أجهزة وسفارات وجهات داخلية للتلاعب فيهم مثلما حصل مع بعض اعضاء التكتّل، وانا اعرف ضعاف النفوس تماماً وبعرف خيانتهم من عيونهم، وأحدهم وقع، لا بل هو واقع اساساً، وهو بالخارج”، ملمحاً الى شخصية قيادية تسببت بحالة انقسام داخل “التيار” بعد ان خابت طموحاته بالتوزير، ولم يعف من خلفيات كلامه اولئك النواب الذين خرجوا من تكتل التيار النيابي بفعل الاغراءات والضغوط في محاولة لفكفكته وإضعافه وحاولوا ركوب موجة الثورة. منذ بداية الضغوطات ابلغ باسيل الهيئة السياسية حقيقة ما يجري والخيارات المطروحة والتي كانت موضع نقاش واعتراض انتهى عند تأييد الجميع للخيارات، من دون ان تنكر المصادر القيادية وجود حالات امتعاض محصورة نتجت عن وصول باسيل الى رئاسة “التيار” عام 2015 وخياراته السياسية تسعى اليوم للاستثمار في العقوبات.

وفي المعطى الحكومي، بدا باسيل مصراً على أن يكون طرفاً في تشكيل الحكومة ولو من باب الرأي، داعياً الرئيس المكلف الى اعتماد وحدة المعايير ونصحه بعدم تكرار تجربة تسمية الوزراء المسيحيين وبإعادة النظر بتعاطيه في تشكيل الحكومة والا سيطول الفراغ، منبهاً الى أن منطق التكليف لا يسري على التأليف غامزاً من قناة النواب الارمن ليقول له ان تسميتهم للحريري بالتكليف لن تسري في عملية التأليف. وتجزم المصادر بان ما قاله لا يدخل في خانة نعي الحكومة وانما من باب النصيحة بأن يتعاطى مع الموضوع من منطلقه السياسي والدستوري.

أغلق باسيل ستار علاقته مع الادارة السياسة الاميركية الراهنة لكنه ابدى انفتاحاً على الادارة الجديدة، متطلعاً للعمل مع رئيس جديد وادارة جديدة ومع نفس جديد… “ولنحارب الارهاب فعلياً ونبني السلام العادل ونعيد الحقوق لأصحابها ليكون الانماء والازدهار والانفتاح بدل التخلّف والفقر والانغلاق”.