IMLebanon

حكومة الحريري معلّقة على خشبة الإنتظار

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

صحيح أنّ المساحة الأكبر من المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خصص لعرض إشكالية إدارج اسمه على لائحة العقوبات الأميركية وما يمكن لهذه الخطوة أن تحمله من تداعيات سياسية انقلابية، إلا أنّ رئيس تكتل “لبنان القوي” لم يهمل جانب التطورات الحكومية. حسم موقفه وقال على الملأ ما كان يبلغه بالواسطة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بعد تحديده ثلاثة شروط:

أولاً، رفض الصيغة المصغّرة للحكومة ما يعني التمسك بالحكومة العشرينية وما فوق بحجة الخشية من فشل الوزراء في عملهم اذا ما حُمّلوا فوق طاقاتهم.

ثانياً، احترام وحدة المعايير، ما يعني أنّ ما يسري على الآخرين من امتيازات سينطبق بدوره على “التيار الوطني الحر”، واذا ما تولى “الثنائي الشيعي” كما الحزب التقدمي الاشتراكي تسمية وزرائهما أو تقديم سلّة أسماء ليختار منها رئيس الحكومة ما يناسبه من ترشيحات، فسيمنح “التيار” نفسه هذا الحقّ.

ثالثاً، حسم المداورة، فإما اعتمادها بشكل كلًي لتشمل برعايتها حقيبة المال وهو يعلم أنّه احتمال شبه مستحيل، وإما على نحو جزئي تحت عنوان عدم الاعتراف بالتثبيت، فتستثنى حقيبة الطاقة من “عقاب” المداورة لتبقى بين يديّ “التيار الوطني الحر”.

ولكن التشدد العوني، لن يكون وحده عاملاً مؤثراً على مجرى التأليف، الذي سيصاب بالعرقلة والجمود نتيجة تضارب الاحداثيات والمطالب، ذلك لأنّ المعطى الخارجي تعرّض بدوره للتغيير الانقلابي. وما كان جائزاً بالأمس، بات صعباً جداً اليوم.

يقول المواكبون إنّ إعلان الإدارة الأميركية عن ادراج باسيل على لائحة العقوبات في هذا التوقيت بالذات، ومسارعة عدد من المسؤولين إلى الإشارة إلى أنّ اللائحة تضم 19 اسماً قد ينضمون في أي لحظة إلى اللائحة السوداء، ما هو إلا مؤشر موثّق على لسان أصحابه، بأنّ المهلة المتبقية لادارة دونالد ترامب قبل تسليم مقاليد الحكم للفائز جو بايدن، في العشرين من كانون الثاني المقبل، ستكون مهلة ملتهبة بامتياز. بنظر هؤلاء لا يمكن فصل مصير الحكومة عما ينتظر المنطقة من تطورات خلال الفترة الانتقالية، التي قد تشهد العديد من التطورات والأحداث الكبيرة، ولن يكون بمقدور لبنان عزل نفسه عن الحراك المرتقب.

في الواقع، سيكون من الصعب جداً على الحريري الانصياع لسلّة المطالب التي عرضها باسيل، خصوصاً وأنّه يحاول جاهداً تقديم حكومته بشكل مخفّف على أنّها غير فاقعة للهروب من الضغط الأميركي، ولذا حاول تجميلها بمساحيق الاختصاصيين كي لا يتهم من جانب الأميركيين بأنّه يرأس حكومة “حزب الله” أو يجالس “الحزب” الى طاولة واحدة. ولكن هل لا تزال هذه “الفتوى” صالحة للاستخدام؟

لا يوحي التصعيد الأميركي الذي عبّرت عنه العقوبات بحق باسيل، بأنّ الادارة الأميركية التي تهمّ بالمغادرة قد تتعامل بشيء من التساهل أو التسامح أو غضّ النظر مع حكومة الحريري العتيدة، خصوصاً أنّ الادارة الفرنسية التي يحاول الحريري الاحتماء بمبادرتها لتمرير حكومته في الوقت الانتخابي الأميركي الضائع، تغرق في أزماتها الأوروبية ولا تبدو أنّها قادرة على لجم التشدد الأميركي الآخذ في التصعيد بعد التهديد المباشر الذي تمّ توجيهه إلى العديد من المسؤولين اللبنانيين.

وفق هؤلاء، باتت الخيارات أمام الحريري محصورة بإمكانية تأليف حكومة تحترم الشروط الأميركية في التأليف، وهو خيار أصلاً ليس في وارد الإقدام عليه ولن يكون قابلاً للحياة. حتى الاعتذار الذي ينصحه به بعض المقربين ويعتبرونه خشبة خلاصه من المستنقع الذي أوقع نفسه فيه، قد يكون مكلفاً جداً وله أثمان باهظة، ويقطع الطريق نهائياً على احتمال عودته من جديد الى السراي. ولهذا مثلاً، لم يحمل اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين رئيس الحكومة المكلف أي تطور نوعي. بالأساس، حرص الضيف على عدم الغوص في التفاصيل كثيراً في ضوء المستجد الذي فرضته العقوبات. وبالتالي لا خيار أمام القوى السياسية في الوقت الراهن سوى الانتظار. انتظار شيء ما لا يعرفون طبيعته أو توقيت حصوله.