IMLebanon

هل يسمح الأميركيون للفرنسيين بزرع نفوذهم داخل السلطة التنفيذية؟

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

في زيارته ما قبل الأخيرة الى لبنان وخلال لقاء مصغر جمعه مع شخصيات من المجتمع المدني، نُقل عن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر أنه نصح أحد الحضور ممن كان مرشحاً لمنصب وزاري في حكومة مصطفى اديب، قائلاً: «اذا عرضت عليك الوزارة لا تقبل لان اديب سيفشل كما ستفشل المبادرة الفرنسية وماكرون معاً».

فيما يحاول الفرنسيون استرداد المبادرة في الوقت الاميركي الضائع، يذهب الاميركيون بعيداً في استثمار ما تبقى من عهد الرئيس دونالد ترامب بإحداث تطورات دراماتيكية، ستتمثل في قرار اتخذته الادارة الاميركية الحالية بإسقاط كل الطبقة السياسية الراهنة في لبنان ولو شمل الامر بعض حلفائها الحاليين، وانتاج بديل غير واضح المعالم بعد، والارجح أن يكون هجيناً بالنظر إلى الشخصيات التي تطرح نفسها بديلاً ويتفاوض معها الاميركيون. أسابيع قد تكون مثقلة بالتطورات فهل حضر الموفد الفرنسي لينبه المسؤولين في لبنان الى مغبة ما ينتظرهم وينصحهم بتشكيل حكومة، تدراكاً للآتي من أيامنا الصعبة أم حضر ليقول إن مبادرة بلاده لا تزال قائمة ولو بشق النفس؟

مع زيارة الموفد الفرنسي باتريك دوريل مستشار الرئيس ‏الفرنسي لشؤون افريقيا والشرق الأوسط الى لبنان، لم يعد السؤال الاساسي هل سيستطيع الموفد الفرنسي احياء المبادرة الفرنسية، وانما هل سيسمح الاميركيون للفرنسيين ان يكونوا عرابي النظام السياسي اللبناني الجديد الذي سيتولى استخراج النفط وترسيم الحدود؟ الجواب يمكن استخلاصه من تاريخ دفع فيه الاميركي الجانب الفرنسي ليكون خارجاً في البلوك رقم 4، وليعلن من عين التينة بعدها بوقت قصير عن ترسيم للحدود مع اسرائيل برعاية اميركية، ورد هذا التطور بعد أن اصبحت فرنسا ذاتها وبقوة دفع اميركية خارج نادي الدول النفطية الذي ترأسه ايطاليا. كل المؤشرات تقول ان الاميركي لن يقبل بتعزيز النفوذ الفرنسي في لبنان وهو يعمل على اخراجه من المعادلات في اكثر من جهة في المنطقة، وأولاها ارمينيا التي دخلها العامل الروسي بقوة بعد ان انكفأ طوال فترة الانتخابات الاميركية الماضية حتى عن الملف السوري، كي لا يمنح ورقة رابحة للرئيس الاميركي دونالد ترامب، ثم عاد بعد فوز جو بايدن من خلال مؤتمر عودة النازحين. الفرنسيون في اوضاع دقيقة وحساسة داخلياً وخارجياً لم تستثن منها خلية الازمة التي تشكلت في قصر الاليزيه بعد كارثة المرفأ وقوامها ثلاثة أشخاص: برنار ايمييه مدير المخابرات الذي شغل منصب سفير بلاده في لبنان، ايمانويل بون وهو السفير الاسبق في لبنان وملحق بمكتب الرئيس الفرنسي مباشرة، وباتريك دوريل مستشار الرئيس ‏الفرنسي لشؤون افريقيا والشرق الأوسط الذي وصل الى لبنان امس. تعرض هذا الفريق للزعزعة، نتيجة إقصاء ايمانويل بون على خلفية فضيحة احاطت بعمله في الداخل الفرنسي، وتفرغ مدير المخابرات للملفات الداخلية بعد ما شهدته فرنسا مؤخراً.

وينتظر ‏ان يقوم دوريل بجولة على المسؤولين اللبنانيين في اليومين اللذين يمضيهما في ‏بيروت التي يغادرها يوم الجمعة المقبل، لكن اللافت إدراجه على جدول الزيارة لقاءات مع شخصيات لعبت دوراً في التحركات الاخيرة وعرفت على انها من المجتمع المدني. مصادر معنية بالملف الحكومي عن كثب وصفت زيارة الموفد الفرنسي بانها من باب تسجيل الحضور وحفظ ماء الوجه، وبجزء آخر «فولكلور» وعلاقات اجتماعية وإلا أي أوراق تملكها فرنسا للضغط باتجاه تشكيل الحكومة؟

باتت المواجهة واضحة بين الاميركي والفرنسي الذي يعود الى لبنان في «محاولة الاستقواء على الطرف الاضعف اي المسيحيين، كي يجبرهم على مزيد من التنازلات في الحكومة»، وهو ما يولّد خوفاً داخل فريق مسيحي، يعتبر ان «المسيحيين درجوا على تقديم التنازلات منذ مؤتمر الدوحة ولغاية اليوم حتى باتوا الحلقة الاضعف في المعادلة». وبالتالي هل سينجح دوريل في اعطاء قوة دفع لتشكيل الحكومة ويسمح له الاميركي بزرع نفوذه داخل السلطة التنفيذية، والاستثمار في الملفات الاقتصادية الكبرى واعادة اعمار المرفأ. كلها مؤشرات على انه لن يكون من السهل نجاح المبادرة الفرنسية في الحكومة ليس لأسباب تتعلق بتقاسم الحصص وانما بسبب ذاك الصراع الذي سيكون مستحكماً. ولنتذكر جيداً أن العقوبات بحزمتها الاولى التي طاولت الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس اعقبت تصريحاً للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بمنح المسؤولين اللبنانيين مهلة اسبوعين لتشكيل الحكومة، ولم يكد يمضي الاسبوع الاول حتى اعلنت الولايات المتحدة عقوباتها، ويتشابه اليوم بالامس مع جرعة مضاعفة، حيث شملت العقوبات الاميركية رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يفترض ان يكون شريكاً في تشكيل الحكومة، لتزيد من رزمة الممنوعات على الرئيس المكلف فيصبح ممنوعاً عليه تمثيل «حزب الله» أو فتح حوار مع رئيس تكتل نيابي يمثل العهد بطريقة او بأخرى.

سقطت المبادرة الفرنسية مع تراكم العقبات والعقوبات في طريقها، ما يحمل على التكهن بأن الموفد الفرنسي لا يحمل معه شيئاً من فرنسا ولن يحمل معه شيئاً من لبنان، لأن الاطراف الاساسية التي يجب أن تعطي انصرفت إلى مرحلة ترقب واعادة الحسابات جراء ما تشهده المنطقة في ضوء الانتخابات الاميركية، التي لن يكون تمريرها سهلاً مع اعلان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو ان ترامب يستعد للانتقال الى ولايته الثانية، ما ينذر بأن انتقالاً للسلطة لن يكون سهلاً، هذا فضلاً عن التغيرات الواسعة التي اجراها ترامب على مستوى ادارته والتي تؤشر الى تعاطٍ شرس خلال ما تبقى من ولايته.