IMLebanon

وليد المعلّم… رمز “الإحتلال الديبلوماسي” بعد الإنسحاب العسكري

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

يتساقط رموز النظام السوري الواحد تلو الآخر، منهم بفعل المرض وبعضهم نتيجة الحرب الدائرة هناك وآخرون بسبب الصراع داخل أجنحة النظام مثلما حصل مع رستم غزالي.

إستفاق الشعب السوري أمس على خبر رحيل وزير الخارجية ونائب رئيس الحكومة وليد المعلّم عن عمر يناهز 79 سنة، وإذا كان السوريون يهتمون بهذا الخبر إلا أن اللبناني أيضاً يتتبع أخبار رجالات النظام السوري الذين حكموا لبنان أو حاولوا الإستمرار على النهج نفسه حتى بعد خروجهم عسكرياً في 26 نيسان 2005.

وللملاحظة، لم يكن المعلّم في لبنان طوال فترة تواجد نظامه، ولم يمارس تجاوزات مثل ضباط النظام كغازي كنعان ورستم غزالي، أو مثل نائب الرئيس السوري الراحل عبد الحليم خدّام، إلا أنه رسخ في ذاكرة اللبنانيين لأنه وزير الخارجية الذي عُين في منصبه في شباط من العام 2006 وحاول العمل وكأن النظام السوري لا يزال يحكم لبنان.

ولعلّ دوره برز أيضاً عندما كان سفيراً لبلاده في الولايات المتحدة الأميركية من العام 1990 إلى 1999، فهذه الفترة مهمّة جداً للبنانيين، وحسب ما ينقل من عايش تلك المرحلة أن المعلّم لعب دوراً بارزاً في الصفقة بين واشنطن ودمشق بعد توقيع “اتفاق الطائف” الذي نصّ على انسحاب القوات السورية من لبنان، فكان للمعلّم دور ديبلوماسي أساسي في المماطلة السورية، حيث شارك الرئيس الراحل حافظ الأسد في القوات التي ساهمت في تحرير الكويت من العراق، فكانت هدية الأسد نيل لبنان كجائزة طردية بعدما تخلّى عن الجولان سابقاً.

هذا الدور الديبلوماسي المحفور في ذاكرة من عايش تلك الحقبة كان أساسياً في إبقاء سيطرة الأسد على لبنان وتنظيم العلاقات مع واشنطن، ولولا الغطاء الأميركي لما استطاع الأسد فرض احتلاله.

وبعد حدوث زلزال 14 شباط 2005، أدرك المعلّم الذي يوصف في سوريا بـ”الديبلوماسي المحنّك” أن هناك شيئاً كبيراً قد حدث وبدّل موازين القوى وبات نظامه في عزلة، فاستعان به الأسد الإبن وعينه وزيراً للخارجية في شباط 2006 في أصعب مرحلة ديبلوماسية في تاريخ النظام السوري، يومها كان النظام محاصراً ويعاني من عزلة عربية بسبب تحميل السعودية ومصر ومعظم الدول العربية سوريا مسؤولية إغتيال الرئيس رفيق الحريري، كذلك كان يعاني من مقاطعة غربية، إضافة الى سيف التحقيق الدولي.

استلم المعلّم الخارجية وبدأ رحلة المواجهة مع الفريق السيادي اللبناني، وكانت هذه المرحلة كفيلة باشهار سيف العداء في وجهه بعدما ظنّ أن دور سوريا بعد خروجها من لبنان سيبقى نفسه، وفي ذلك الحين رفع فريق 14 آذار مطلب ترسيم الحدود مع سوريا وانشاء سفارتين بين البلدين، لكن المعلّم كان معارضاً واضطر إلى الرضوخ مع النظام السوري لمطلب السفارات بعد مبادرة قام بها الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي.

حاول المعلّم فك العزلة عن بلاده مراهناً على انتهاء ولاية كل من الرئيس الأميركي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك إلا أنه لم يكن على قدر الحمل الذي أوكل إليه خصوصاً أن سياسة النظام السوري يرسمها الأسد، وعلى رغم بعض المؤشرات بعد توقيع الـ (س-س)، إلا ان النظام عاد إلى عزلته بعد انفجار الثورة السورية في 15 آذار 2011.

طوال الفترة الماضية كانت الكلمة الأساس في سوريا للعسكر وليس للديبلوماسية، واقتصر دور المعلم على بعض التصاريح المستفزة للشعب اللبناني وتحوّل إلى وزير خارجية على شاكلة محمد سعيد الصحّاف، إلى أن دخل الروس الحرب السورية وباتوا هم من يملكون الكلمة الفصل في سوريا. وطوال الفترة الماضية، كان نشاط المعلّم يقتصر على التنسيق مع الديبلوماسية الإيرانية، مع العلم أن قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي اغتيل بضربة أميركية، كان من يرسم الخطوط العريضة للعبة محور الممانعة قبل التدخل الروسي وخطف الأضواء.

إذاً، رحل المعلم طاوياً معه صفحة من العلاقات المتوترة مع الشعب اللبناني الذي يؤمن بحرية بلده وسيادته واستقلاله، ولعب دور المواجه لحلم التحرّر والشخص الذي يواجه المحكمة الدولية والرجل الديبلوماسي الذي أراد تحويل السفارة السورية في لبنان إلى وكر للمخابرات السورية، كذلك الذي حاول أن يخلّص بلاده من ورطة مخطط سماحة – المملوك التفجيري، والأهم من هذا كلّه يبقى وزير خارجية النظام الذي ضرب شعبه بالبراميل المتفجرة وقتل وهجر القسم الأكبر منه.