IMLebanon

“صفقة القرن”.. إلى أين؟!

ظهرت سريعا المؤشرات التي تدل على أن الأمور ستتغيّر في الشرق الأوسط، وخصوصا في الملف الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ولن تبقى على حالها وكما كانت في عهد الرئيس دونالد ترامب، فها هي السلطة الفلسطينية تعلن استئناف التعاون الأمني و«المالي» مع إسرائيل، وتتلقى بارتياح إشارات من فريق جو بايدن تفيد باستئناف العلاقة الأميركية مع السلطة والاستعداد لفتح مكاتبها المغلقة في واشنطن، وها هي إسرائيل تتحسب لاحتمال حصول تغيير وتحوير في مسار خطة السلام الأميركية، أو ما سُمّي بـ «صفقة القرن»، باتجاه العودة الى إحياء المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية وعلى أساس حل الدولتين. وفي وقت ينهمك بنيامين نتنياهو، القلق على مصيره بعد سقوط حليفه ترامب، في البحث عن طرق لتعويم وضعه وإنقاذ حكومته، يسعى اليمين المتطرف الى انتزاع مزيد من المكاسب في أيام ترامب الأخيرة، وتحديدا لجهة الاعتراف الأميركي بشرعية المستوطنات وإعطاء الضوء الأخضر لضم أراضٍ في الضفة الغربية وغور الأردن.

عرفت «القضية الفلسطينية» في العقد لأخير تحوّلين رئيسيين: الأول حدث مع تفجّر الربيع العربي الذي قلب الأوضاع في المنطقة رأسا على عقب وخلط الأوراق بشكل جذري. فكانت القضية الفلسطينية إحدى ضحايا هذا الوضع المستجد، وأصبحت قضية مهملة ومنسية عند المجتمع الدولي ولم تعد أولوية على لائحة القضايا والملفات العربية، مع تراجع حدّة الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتقدم الصراع العربي ـ الإيراني، وحديثا الصراع العربي ـ التركي كانعكاس للواقع الجيوسياسي الجديد الذي وضع المنطقة العربية بين فكي كماشة المشروع الإيراني المتقدم والمشروع التركي الطموح. أما التحوّل الثاني فإنه حصل بعد وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض وإقدامه على «ابتداع» خطة جديدة للسلام تنسف القواعد والأسس والمفاهيم التي اعتمدتها وارتكزت عليها الإدارات الأميركية المتعاقبة في التعاطي مع أزمة الشرق الأوسط وإيجاد حل لها. هذه الخطة اعتمدت الاقتصاد أساسا للسلام ومحفزا له، واعتمدت التطبيع العربي، لا سيما الخليجي، مع إسرائيل مدخلا للسلام ومقدمة له بدل أن يكون من نتائجه وإفرازاته. هذه الخطة التي سُميت «صفقة القرن» أعادت القضية الفلسطينية الى الأضواء والواجهة، بغض النظر عما إذا كان مضمونها سيئا أو جيدا. وما نُفذ من «صفقة القرن» حتى الآن يصب في مصلحة إسرائيل وأعطاها جوائز كبرى، من اعتراف أميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، الى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، الى اتفاقات السلام والتطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان حتى الآن، الى الاعتراف الأميركي بمبدأ ضم أراض في الضفة الغربية ومن غور الأردن، وتوسيع المستوطنات وإضفاء شرعية عليها. ومشروع الضم ما زال قائما ولم يُلغَ وجرى تجميده لتمرير اتفاقات التطبيع وتبريرها.

مع خسارة ترامب في انتخابات الرئاسة، تُصاب «صفقة القرن» بانتكاسة كبرى، فكل هذه الدينامية التي أوجدها ترامب مهددة بالتوقف الآن، وأمور كثيرة ستتغيّر:

٭ العلاقات الفلسطينية ـ الأميركية تعود الى ما كانت عليه قبل ترامب.

٭ العلاقات الفلسطينية ـ الإسرائيلية تعود الى وضع طبيعي.

٭ العلاقة بين فتح (السلطة الفلسطينية) وحماس تعود الى الوراء.. وما حصل من تقارب بين الطرفين اللذين جمعت بينهما «مصيبة» ترامب و«صفقة القرن» سيتبدد سريعا، وكذلك مفاعيل مؤتمرات المصالحة والمواجهة التي عُقدت في بيروت واسطنبول، ليعود الملف الفلسطيني ويحطّ من جديد في كنف الرعاية المصرية.

٭ بنيامين نتنياهو لن يكون في إمكانه الصمود طويلا، وهو المحاصر بتهم فساد ومحاكمات وضغوط في الشارع مع حكومة هشة في ائتلافها ومهددة بانفراط عقدها كل وقت.. وإذا كان فوز بايدن جاء بمنزلة طوق نجاة للسلطة الفلسطينية، فإنه وجّه ضربة موجعة لنتنياهو ويعمّق مأزقه ويسرّع في نهايته السياسية.

كل ذلك لا يعني أن المسار الإسرائيلي- الفلسطيني عائد الى ما كان عليه قبل ترامب وقبل العام 2016، أو أن بايدن سيمحو تركة ترامب وإرثه الإسرائيلي، فهناك أمور وأوضاع تكرّست وأصبحت أمرا واقعا، وما أخذته إسرائيل أخذته من «قدس وجولان وتطبيع وضم».. والهامش الذي سيتحرك بايدن من ضمنه محصور في العودة الى المسار التقليدي الكلاسيكي المدعوم أوروبيا، والمحدد في استئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس حل الدولتين. ولكن من قال إن إسرائيل توافق على استئناف المفاوضات على هذا الأساس؟ وعلى الأرجح تكتفي بما تحقق مع ترامب وما أخذته في ولايته الأولى. وربما لا يشعر الإسرائيليون بالأسى والإحباط لمغادرة ترامب لأنهم أخذوا أفضل وأقصى ما يمكن، وكان عليهم في الولاية الثانية لو عاد ترامب أن يعطوا بالمقابل.. أليس من المفارقة أن أكثرية اليهود الأميركيين (65%) صوّتوا لمصلحة بايدن، مع أن ترامب يُعدّ بالنسبة لإسرائيل أفضل رئيس أميركي على الإطلاق؟!