IMLebanon

صورة مصغّرة لـ “أزمة شاملة”

الصورة في لبنان مقلقة، لا بل قاتمة، مع اكتمال معالم «الأزمة الشاملة» التي ترقى الى مستوى ومرتبة «أزمة وجودية»، وحيث التخوّف من انتهاء أو زوال لبنان بات على كل لسان وفي كل توقع.. وفي وقت بلغت الانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية القعر وتبدو مفتوحة على السيناريوهات الأسوأ، تبدو آفاق الحل مسدودة حتى إشعار آخر وسط أوضاع معقدة متشابكة ومتداخلة في الخيوط والعناصر، السياسية والاقتصادية، الداخلية والخارجية:

٭ المجتمع الدولي الذي تتصدره فرنسا في هذه المرحلة ماضٍ في مخاطبة المسؤولين والطبقة السياسية بكل لغات النصح والتحذير والمناشدة، من دون فائدة ومن دون أن يلمس تجاوبا وتحسسا بالمسؤولية، ليقف مذهولا أمام هذا الوضع اللبناني الذي لا يجاريه ولا يشبهه أي وضع وأي بلد في العالم.

٭ الطبقة السياسية الحاكمة يبدو أنها متمترسة ومستقرة في مواقعها، ولم يعد يؤثر فيها لا ضغوط وعقوبات ولا أزمات وانهيارات.. ويساورها شعور أنها اجتازت مرحلة الخطر، وأن الثورة الشعبية واحتجاجات الشارع لم تصل الى نتيجة وتم إخمادها واحتواؤها بطرق سياسية وأمنية، أو بفعل اصطدامها بجدار النظام الطائفي.

٭ الشارع في حال سكون وهدوء مريب.. من المؤكد أن جائحة كورونا وتدابير الإغلاق ومنع التجوّل لعبت دورا في لجم الغضب الشعبي، ولكن ثمة حالة من «الاستسلام والتكيّف أو التعايش» مع الأزمة مهما بلغت، وهذا يعبّر من جهة عن خيبة من عدم نجاح ثورة 17 تشرين، ومن جهة ثانية عن قناعة بأن التغيير من الداخل ما عاد ممكنا، وأن الحل يأتي من الخارج وينتظر التسوية الكبرى في المنطقة.

٭ الحكومة التي من دونها لا إصلاحات ولا مساعدات ولا مفاوضات واتفاق مع صندوق النقد الدولي متعثرة ومتأخرة، ولا مؤشرات على ولادة وشيكة لها.. قوة الدفع الفرنسي ضعفت ومبادرة ماكرون أُفرغت من مضمونها، والأزمة الحكومية لها وجهان: الأول خارجي ويندرج في إطاره المواجهة الأميركية ـ الإيرانية التي يتفرّع عنها الضغط الأميركي على حزب الله في لبنان لإقصائه عن معادلة الحكم، والتريث الإيراني الى ما بعد تسلم جو بايدن مقاليد الرئاسة واستقراره في البيت الأبيض، كما يندرج عدم التناغم بين فرنسا وكل من إيران والولايات المتحدة على الساحة اللبنانية لأسباب مختلفة. إيران تعتبر أن الملعب اللبناني لم يعد فرنسيا، وأميركا تعتبر أن مهادنة ومسايرة فرنسا لحزب الله خاطئة وليست في محلها.. وهناك الوجه الداخلي للأزمة التي يتمظهر حاليا في عملية الكباش وليّ الذراع الدائرة بين ميشال عون وجبران باسيل من جهة وسعد الحريري من جهة ثانية، وسط تكافؤ في نقاط القوة والضعف عند الطرفين. الحريري الذي يشكل مفتاحا للعلاقات والمساعدات الدولية وحاجة للعلاقة السنيةّ ـ الشيعية، ويستقوي بالضغوط الأميركية والمبادرة الفرنسية، لا يملك الأكثرية النيابية ولا القدرة السياسية على فرض شروطه والحصول على ما يريد، والنائب جبران باسيل المحاصر بضغوط وعقوبات يستند الى دعم رئيس الجمهورية وحزب الله، ويقاتل حكوميا حتى لا يخسر جولة حاسمة ويتعرض لعقوبات سياسية عبر العزل والتهميش والإقصاء.

٭ أزمة الحكومة وكل ما هو قائم من أزمات، هي نتاج أزمة النظام. ولا يعود مستغربا أن تفتح أبواب النقاش على مستقبل النظام والصيغة، وسط اعتقاد سائد بأن نظام «الطائف» لم يعد قادرا على احتواء الأزمة الوطنية الشاملة، وصار بحاجة الى تطوير وتعديل في الحد الأدنى، والى تغيير وتبديل في الحد الأقصى. ومن اللافت أنه في ظل أزمة اقتصادية مالية خانقة بدأ يعلو الكلام السياسي وتتقدم عملية البحث والنقاش في مستقبل النظام، وبدأت الطروحات والمشاريع تطرح في التداول: من اللامركزية الموسعة الى الفيدرالية، ومن الحياد الى الإستراتيجية الدفاعية، ومن النسبية والدائرة الواحدة الى مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية السياسية.

٭ الخلاف على نظام ما بعد الطائف والصيغ البديلة يوازيه خلاف على خريطة طريق الخروج من المأزق والأزمة الراهنة، وخلاف على أولويات المرحلة: هناك من يرى (مثل لقاء الجبل) أن استقالة رئيس الجمهورية هي بداية الخلاص.. وهناك من يرى مثل القوات اللبنانية أن الانتخابات المبكرة هي المدخل الى تغيير الأكثرية وكسر ميزان القوى الحالي الذي ينتج رئيسا مثل عون.. وهناك من يرى مثل الرئيس نبيه بري أن مفتاح الانفراج هو في قانون انتخابات جديد يقوم على النسبية والدوائر الكبرى، ويكون شرطا لأي انتخابات جديدة.. وهكذا يصبح الأفق السياسي والحالة هذه مفتوحا على تمديد نيابي وفراغ رئاسي، وتصبح الحاجة ماسة الى حوار وطني يكون أكثر من مؤتمر سياسي وأقل من مؤتمر تأسيسي.