IMLebanon

الحكومة إلى العام المقبل!

لا حكومة في الأفق. كل الطرق مقفلة على قاعدة تمسّك كل طرف بوجهة نظره. رئيس الجمهورية مصرّ على وحدة المعايير. والرئيس المكلّف يراهن على تنازل يؤكد كثر أنه لن يأتي. مصادر تؤكد أن العرقلة أميركية يغطّيها سعد الحريري بالتصويب على جبران باسيل، ومصادر أخرى تشدّد على أن لا مؤشرات على صحة هذا التوجّه حتى الآن.

كما العام الماضي، احتفل البلد بذكرى الاستقلال في ظلّ حكومة تصريف أعمال. كل الأوضاع الكارثية التي يشهدها البلد لم تنعكس إصراراً على إنجاز الحكومة بسرعة. وكل المؤشرات تشي بأن المشهد الحكومي أشدّ سواداً من أي وقت مضى. منذ أن استقبل الرئيس ميشال عون الرئيس سعد الحريري في ١٦ الجاري، لم يحصل أي تواصل. آخر الإشارات صدرت عن رئيس الجمهورية في رسالة الاستقلال. في اتهام واضح للحريري بالعرقلة، سأل: «أوَلم يحن الوقت بعد، في ظل كل تلك الأوضاع الضاغطة، لتحرير عملية تأليف الحكومة من التجاذبات، ومن الاستقواء والتستّر بالمبادرات الإنقاذية للخروج عن القواعد والمعايير الواحدة التي يجب احترامها وتطبيقها على الجميع؟». عون كان واضحاً بأن لا تقدم في عملية التأليف إلا بالتعامل بالمثل مع كل المكوّنات. لكن، في المقابل، تتعامل أوساط الحريري مع كلام عون على أنه تصويب على المبادرة الفرنسية نفسها، والتي تردّد خلال اليومين الماضيين أنها لم تعد في التداول. إلا أن مصادر متقاطعة نفت هذه المعلومات، مؤكدة أن فرنسا لا تزال الأكثر قدرة على القيام بدور في لبنان. ونُقل عن السفيرة الفرنسية الجديدة، خلال لقاء مع مسؤولي الصحف الفرنسية في بيروت، تأكيدها أن المبادرة مستمرة رغم العقبات.

والعقبات الحكومية لم تتغير قيد أنملة منذ ما بعد العقوبات الأميركية على الوزير جبران باسيل. خاب ظن الحريري، كما الموفد الفرنسي باتريك دوريل، اللذين راهنا على العقوبات لكي يتنازل باسيل. ومنذ أن أيقنا أن الأخير ورئيس الجمهورية، يصران على موقفيهما توقفت عملية التأليف. أوساط الحريري لا تنكر أن الأخير طلب من عون أن يسمي وزيرين فقط، مقابل تسمية المردة وزيرين والطاشناق وزيراً، فيما يترك له حق تسمية الوزراء الآخرين من الاختصاصيين، غير القريبين منه. لكن هذا العرض لم يحظ بموافقة عون لكونه يتعارض مع معيار أن يسمي كل طرف وزراءه المتبع في الحصص الشيعية والدرزية والسنية. مصادر الحريري ترفض الإشارة إلى أنه ترك أمر تسمية الوزراء الشيعة لثنائي حزب الله وأمل أو الوزير الدرزي للحزب الاشتراكي، مؤكدة أن التسمية ستأتي من عنده وبالتشاور مع الأطراف المعنية. لكن ذلك تنفيه مصادر في ٨ آذار، مشيرة إلى أنه لم يتم الحديث بعد في أسماء الوزراء، إلا أنها أكدت أن من المحسوم أن الأسماء الشيعية ستطرح من قبل الثنائي، على أن يختار الحريري من بينها.

بالنتيجة، كل المؤشرات تؤكد أن لا حكومة في العام الجاري. مصادر ٨ آذار تصل إلى حد توقّع أن لا تكون هناك حكومة قبل كانون الثاني (موعد تسلّم جو بايدن الرئاسة في أميركا). كما تشير إلى أنه حتى حينها ليس مضموناً تأليف الحكومة. وبالرغم من هذا الربط، إلا أن المصادر تشير إلى أن لا معلومات مؤكدة عن تعطيل أميركي للاستحقاق، وأن المشكلة الأساسية هي في عدم احترام الحريري للتوازنات، وأن رهانه على تنازل رئيس الجمهورية مخطئ.

وعليه، تقول مصادر معنية بعملية التأليف، يبدو الرئيس المكلّف في وضع لا يُحسد عليه، وهو واقع بين حدَّي الانتظار حتى رحيل إدارة ترامب، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات انهيار في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية ومزيد من انهيار سعر صرف الليرة يومياً، وبين الاعتذار عن عدم التأليف. وكلا الخيارين مُرّ للرجل الذي كان ينتظر العودة الى السرايا الحكومية بفارغ الصبر، ويحاول التحايل عليهما بالتصويب على «عناد» التيار الوطني الحر ورئيسه، متهماً الأخير بالتعطيل والعرقلة، علماً بأن زواراً للحريري نقلوا عنه أخيراً أنه بدأ يشعر بعمق المأزق، وأنه «لو كان يعلم لما قبِل بالأمر من أساسه»، مع إدراكه لعجزه عن الوقوف في وجه الإدارة الأميركية، وإدراكه في الوقت نفسه استحالة إمكان تخطّي فريق لبناني أساسي في تأليف الحكومة.

أمام هذه الصورة، فإن الحديث عن تفعيل عمل الحكومة المستقيلة بدأ يتردد على اعتبار أنه الحل الوحيد لمواجهة تأخر التأليف. ولذلك، ثمة أفكار بدأ التداول بها عن احتمال عودة الوزراء إلى مزاولة عملهم بشكل أكثر فاعلية، وصولاً إلى احتمال عودة الحكومة إلى الاجتماع. وفيما تدعم فتاوى دستورية عديدة هذا التوجّه، فإن مصادر المستقبل تؤكد أن أي اجتماع أو تفعيل لعمل الحكومة هو مخالف للدستور، الذي يشير إلى «تصريف أعمال بالمعنى الضيق».