IMLebanon

المسؤولية السياسية عن انفجار المرفأ: المحقق العدلي “يهرب”

كتبت ميسم رزق في جريدة الأخبار:

بعث المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي فادي صوان برسالة الى مجلس النواب، يطالبه بتحمل المسؤولية والقيام بما يراه مناسباً في حق وزراء تعاقبوا على وزارات العدل والمالية والأشغال قد تكون هناك شبهة إهمال من قبلهم أدى إلى ترك نيترات الأمونيوم في الميناء لسنوات. وفيما يتعذر على المجلس القيام بهذه الخطوة لعدة أسباب، تبقى الرسالة في إطار الهروب من المسؤولية ورمي الكرة في ملعب البرلمان

ثلاثة أشهر و21 يوماً مرّت على انفجار مرفأ بيروت الذي حوّلها إلى مدينة منكوبة وأودى بحياة أكثر من 200 شخص، فيما لا يزال اللبنانيون ينتظرون نتائِج التحقيق. تتوالى الاتهامات والادعاءات التي طالت موظفين في المرفأ برتب مختلفة، كان آخرها يوم أمس ادعاء المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري على كل من: عضو المجلس الأعلى للجمارك هاني الحاج شحادة ومدير إقليم بيروت في الجمارك بالإنابة سابقاً موسى هزيمة، وبذلك يرتفع عدد المدعى عليهم إلى 33 شخصاً، من بينهم 25 موقوفاً وجاهياً واثنان غيابياً. وقد تسلم المحقق العدلي في الجريمة القاضي فادي صوان ادعاء النيابة العامة التمييزية الجديد، على أن يستمع الى إفادتيهما كمدعى عليهما بعدما كان قد استجوبهما في وقت سابق كشهود.

إلى جانب هذه الادعاءات المُعلنة، يعمل صوان على خطّ آخر لا يزال مكتوماً. فقد بعث المحقق العدلي، عبر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، برسالة إلى مجلس النواب يطالبه باتخاذ ما يراه مناسباً بشأن مسؤولية وزراء عن إهمال «ما» ساهم في وقوع انفجار المرفأ.

ورأى صوان في رسالته أنه بعد أشهر من حصول التفجير، لم يقُم البرلمان بأي دور. ويقول إنه بناءً على التحقيقات التي أُجريت، «ربما تكون هناك شبهة إهمال» من قبل مسؤولين ووزراء تعاقبوا على وزارات المالية والأشغال والعدل، وأن على مجلس النواب «القيام بما يراه مناسباً وفق مادتين من الدستور». الأولى هي المادة 70 التي تنص على ما حرفيته أن «لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس»، والثانية المادة 71 التي تقول بأن «اﻟوزﯾر اﻟﻣﺗﮭم يُحاكم أﻣﺎم اﻟﻣﺟﻟس اﻷﻋﻟﯽ لمحاكمة الرؤساء والوزراء».

هذه الرسالة لم تحمل أي اتهام للوزراء، إنما شدّدت على ضرورة أن يقرر مجلس النواب ما يراه مناسباً بحقهم، بعدما قرّر صوان رفع الحمل عن ظهره تحت وطأة الضغط الشعبي، ورمي المسؤولية على البرلمان. وفي الكتاب نفسه، يذكر صوّان رؤساء الحكومات المتعاقبين منذ وصول شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت (أي تمام سلام وسعد الحريري وحسان دياب)، إنما من دون مطالبة المجلس النيابي باتخاذ أي إجراء بحقهم.

وفيما لا يُمكن الجزم بخلفية ما أقدم عليه صوان حتى الآن، الا أن المحقق العدلي كان بإمكانه سلوك طريق آخر لاتهام الوزراء المُتعاقبين، كما رؤساء الحكومات، إن كان المُراد هو المحاسبة الفعلية والجدية. فعلى الرغم من أن الدستور والقوانين وضعت آلية لمحاكمة الرؤساء والوزراء في مجال عملهم بما يمنحهم حصانة لا يرفعها إلا المجلس النيابي، الا أن هناك اجتهادات ترى أن هناك جرائم لا تشملها هذه الحصانة. وبالتالي، كان الأجدى بصوان، لتأكيد جدّيته، إصدار قرار اتهامي بحق الوزراء والرؤساء الذين يرى بأنهم مقصرون، ويجعل هذا القرار أمراً واقعاً لا يُمكن للدولة أن تتجاهله، لأن قرارات المحقق العدلي لا يُمكن ردّها ولا الطعن بها ولا استئنافها. فهو شخصية مطلقة الصلاحيات، وفي حال أصدر قراراً كهذا فلن يستطيع أحد أن يُعيد النظر به. وبناءً على ذلك، يُمكن القول إن رسالة صوان إلى المجلس النيابي تأتي في إطار الهروب من المسؤولية بذريعة القوانين، ورمي الكرة في ملعب مجلس النواب، مع علمه بأن البرلمان لن يقوم بأي خطوة تُذكر، لعدّة أسباب، أبرزها أنه لم يتُمّ تعيين القضاة في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء حتى الآن، رغم انتخاب أعضائه من النواب. ومن ثم، هناك شبه استحالة في ظل الانقسام السياسي الحاد في البلاد توفير أصوات ثلثي أعضاء المجلس للادعاء على الوزراء والرؤساء الذين يُشتبه في إهمالهم أو تقصيرهم او ضلوعهم في الجريمة.

هذه الرسالة التي جرى التداول بمعلومات عنها أمس، أثارت بلبلة كبيرة حول المقصود منها. وقالت مصادر سياسية مطلعة إن «بعض المعنيين تواصلوا مع الحريري، طالبين إليه التحدث الى عويدات والاستفسار منه بشأن المقصود من الرسالة». وكان لافتاً أن صوان ختم رسالته بالقول إنه «يحتفظ بحق محاكمة كل اللبنانيين»، فهل كان المقصود منها التحرّك في حال عدم تجاوب المجلس، أم أنها مجرّد كلام في الهواء؟