IMLebanon

عن أي تدقيق يتحدّثون؟

كتب طوني أبي نجم في “نداء الوطن”:

من تابع جلسة مجلس النواب الجمعة للنظر في رسالة رئيس الجمهورية حول التدقيق الجنائي، أدرك بما لا يقبل أي شك أن أي تفكير في أنّ هذه المنظومة الحاكمة والمتحكّمة في مفاصل المؤسسات الدستورية في البلد يمكن أن تنتج أي حلول، لا يعدو كونه مسرحية هزلية مقيتة.

مهمّة مجلس النواب أن يسنّ القوانين وأن يراقب عمل الحكومات ويحاسبها. وفي موضوع التدقيق الجنائي، كان على الكتل النيابية، إن كانت مقتنعة بضرورة إجرائه، أن تعمل على تعديل قانون النقد والتسليف بما يؤمّن رفع السرّية المصرفية، أو تعليق العمل بها لتسليم كل المستندات المطلوبة. ولكنّ المضحك – المبكي أنّ النواب أصدروا “قراراً” أو توصية، من دون أن نعرف التوصية لمن أو كيف يمكن تنفيذ “القرار”. والمضحك – المبكي أيضاً هو محاولة “تكبير الحجر” في ذلك القرار، بالإصرار على إجراء التدقيق المالي في مصرف لبنان وكلّ الوزارات والمؤسسات والإدارات والمجالس والصناديق والبلديات بالتوازي، وشدّدوا على كلمة “بالتوازي”، ما يعني دفن التدقيق قبل انطلاقه!

من المستحيل أن يقتنع أي عاقل بأنّ هذه المنظومة، بكامل أركانها، تريد فعلاً إجراء تدقيق جنائي يفضح كل ممارساتها على مدى الأعوام الماضية، وكيف تم إنفاق عشرات مليارات الدولارات في مختلف الوزارات والمجالس والمؤسسات والإدارات والبلديات على الصفقات والسمسرات والزبائنية السياسية. كما أنّه من المستحيل أن يقتنع أي انسان متّزن بأنّ أي تدقيق جنائي يمكن أن يجرى، في ظلّ هذه التركيبة بقيادة “حزب الله” وبحكمها وتحكّمها بالمفاصل السياسية والقضائية والأمنية يمكن أن تكشف أي حقيقة.

أي تدقيق يمكن أن يكشف فساداً أو أموالاً منهوبة إذا كان يقف وراءها “حزب الله” أو أي من الرؤساء والوزراء والقضاة والمسؤولين العسكريين والأمنيين وكبار الموظفين المحميين التابعين لمرجعيات سياسية؟

أي تدقيق ممكن في بلد تمّ فيه اغتيال قادة سياسة وفكر، ولم يجرؤ أحد على مجرّد إجراء تحقيق؟ وعن أي تدقيق يتحدّثون في بلد وقع فيه رابع أقوى انفجار في العالم أطاح بعاصمته، ويعتمد المسؤولون فيه سياسة “صمت القبور” تجاه ما جرى، ولم يسأل أي منهم عمّن أتى بباخرة نيترات الأمونيوم إلى بيروت؟ وأي حقائق يمكن أن تُكشف في بلد لا تستطيع قواه الأمنية أن تصل إلى مواقع انفجارات تبقى “غامضة”، أو حتّى أن تفرض القانون في مناطق تجري فيها اشتباكات مسلّحة بشكل أسبوعي وأحياناً شبه يومي؟

نعم، المحاسبة مستحيلة، وهذه المنظومة هي الناهب والحاكم والحكم. لذلك، رجاء دعكم من مهزلة التدقيق الجنائي بحضرة سلطة خاضعة لاحتلالي السلاح الإيراني ومافيات الفساد. محاربة الفساد وكشف الحقائق يحتاجان أولاً إلى دولة قادرة على زجّ الفاسدين والسارقين في السجن، وهذه الدولة يستحيل قيامها تحت احتلال السلاح الإيراني وحكم منظومة الفساد… وإلى اللقاء في مسرحية جديدة!