IMLebanon

على الحريري مسؤولية لمصارحة اللبنانيين

كتب أنطوان الأسمر في صحيفة اللواء:

استخدم جوزف بايدن صحيفة «نيويورك تايمز» منصة ليرسم أول خيوط إستراتيجيته الخارجية كرئيس منتخب. صحيح أنه أطل على مجمل القضايا الشائكة التي تشغل السياسة الخارجية الأميركية، وخصوصا العلاقة مع كل من روسيا والصين، لكن الملف الإيراني يبقى الأكثر جاذبية نظرا الى تعقيداته وإرتباطاته، ولاسيما تداخله في أكثر القضايا لهيبا على المستوى الدولي، من النووي الى السلاح الباليستي، مرورا بتمدد طهران وتأثيرها البائن في 4 عواصم عربية، هذا التأثير الذي توظفه في سياق توسّعها السياسي والعقائدي.

كان بايدن واضحا ومباشرا في تناوله المسألة النووية الايرانية. هو كرر تعهده بالعودة الى الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات عنها، شرط امتثالها الكامل لمندرجات الإتفاق. لا بل ذهب حد إعتبار تلك العودة تصب في مصلحة الامن القومي الاميركي بإعتباره الاطار الوحيد المتوفر راهنا للحيلولة دون امتلاك طهران سلاحاً نووياً، مع ما يعني ذلك من خطر اطلاق سباق تسلح نووي في الإقليم سيتسبب حتما بفوضى لا مثيل لها، من الصعب لملمة تداعياتها، في حال وقوعها.

كما رأى في الاتفاق النووي مدخلا وحيدا لإعادة الاستقرار الى المنطقة، بما يتيح بدء البحث في الملفات والمسائل المثيرة للتوتر من اليمن الى الخليج، بإعتبار الإتفاق يقدم حوافز الى طهران تجعل تغيير سلوكها مصلحة قومية لها، قبل ان تكون إشتراطا أميركيا – دوليا عليها.

وضمّن بايدن حديثه الى «نيويورك تايمز»، دعوة صريحة الى طهران لكي تستوعب المرحلة وتمتصّ أي سلوك متهوّر، بغية قطع الطريق على ما قد تذهب اليه الإدارة الحالية قبل تسليمها مقاليد الحكم في 20 كانون الثاني 2021. وهو بذلك يقصد حتما صرف طهران النظر عن الرد على عملية إغتيال محسن فخري زادة، بإعتبار أن أي ضرر قد يتم التسبب به في هذا التوقيت سينسحب حكما على فرص إحياء الإتفاق النووي.

وحرص كذلك على بعث رسالة تطمين الى دول الخليج، حلفاء واشنطن، بأن إدارته العتيدة راغبة في جعلها شريكة في الإتفاق مع إيران، بحيث يُعزَّز هذا الإتفاق بتشدد في القيود الزمنية على البرنامج النووي، بما يؤدي أيضا الى تطويق التهديد الذي يشكّله السلاح الباليستي.

ولا يخفى أن ثمة في واشنطن من يعتبر أن خطر البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني بات يتعدى بأشواط البرنامج النووي، بإعتبار أن السلاح النووي غير قابل للصرف في أي مكان وزمان، الى جانب الفتوى التي صدّرها الإمام الخامنئي بعدم جواز إستخدامه، بعكس البرنامج الصاروخي، وخصوصا الذكي منه، والذي بات يشكل تهديدا على دول الخليج، تماما كما يشكل تحديا وجوديا لإسرائيل بمجرّد أن صار في حوزة حزب الله.

يبقى أن للبنان حصة وازنة، حتى لو غاب عن مجمل المقابلة مع الرئيس المنتخب. ذلك أن التوجه الإستراتيجي للإدارة العتيدة يحمل قطعا واضحا مع مرحلة الرئيس دونالد ترامب، بما يتيح إستنتاج وجود فرصة سانحة لإنفراجات ملحوظة على مستوى المنطقة، من شأنها أن تنسحب ليونة وتسويات في أكثر من محل.

لكن من مخاطر هذا الإنتظار اللبناني للإدارة الآتية، تعمّد البعض في بيروت ترجمته مزيدا من المراوحة في الملف الحكومي، بإنتظار تسلم بايدن الحكم، وهو أمر لا يمكن للبنان إحتماله بالنظر الى الدرك الذي وصلت اليه الأزمة الإقتصادية.

ولم يعد خافيا في هذا السياق أن الرئيس المكلف سعد الحريري هو أكثر المنتظرين، وتاليا المتريثين في المبادرة، ما إنسحب إبطاء مقصودا لحركته الحكومية. فالرجل الذي سبق أن تبلّغ بالفيتو الأميركي على أي إشراك لحزب الله في حكومته العتيدة، تحت طائل إدراجه في لوائح العقوبات، يمنّي النفس بأن يمر ما بقي من عمر إدارة ترامب بأقل ضرر عليه، في إنتظار السياسة الأميركية الجديدة.

تأسيسا على ذلك، تقع على الحريري مسؤولية أخلاقية وأدبية، قبل أن تكون مسؤولية سياسية، لمصارحة اللبنانيين بما يضمره ويريده وينتظره من التباطؤ الحاصل على مستوى تشكيل حكومته. بالتأكيد، لا تستقيم هذه المصارحة من خلال مسعاه رمي مسؤولية ما يقوم به على الفريق المسيحي. فإشتباكه المكبوت نسبيا مع القوات اللبنانية، وتعمّده تحميل التيار الوطني الحر مسؤولية قراره الشخصي بإبطاء مسعاه الحكومي، لا يخفيان أبدا حقيقة ما يرمي اليه من تأخير التأليف. والهروب من العقوبات الأميركية بإنتظار تغيّر ما تحمله الإدارة الجديدة، لا يعني حتما الإختباء وراء الترويج لعقد غير موجودة سوى في الرغبة العارمة من عدم الوقوع في شباك ما تبقى من عهد ترامب!