IMLebanon

تساؤلات بشأن مصداقية أرقام كورونا في مصر

تقرير الحرة:

لا تتوافق منشورات أطباء يعملون في مستشفيات حكومية مصرية مع البيانات اليومية التي تصدرها وزارة الصحة، بشأن الوضع الوبائي في البلاد، مما يثير التساؤل عن مدى مطابقة البيانات الرسمية للواقع.

وتتزامن هذه المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تطالب المواطنين بضرورة التقيد بالإجراءات الوقائية، مع معلومات يتم تداولها على تطبيقات تبادل الرسائل، بشأن ظهور حالات مصابة بفيروس كورونا وسط طواقم مدرسية، الأمر الذي دفع بعض الأهالي إلى الامتناع عن إرسال أطفالهم للمدارس.

ولم يرد المتحدث باسم وزارة الصحة، خالد مجاهد، ونقيب الأطباء حسن خيري، ومسؤول الإعلام بالنقابة حسام كمال على اتصالات موقع قناة “الحرة” للتعليق على هذا التباين.

وفي أحدث بيان لوزارة الصحة، قال مجاهد إن “إجمالي العدد الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد حتى اليوم الاثنين هو 118847 حالة، من ضمنهم 103703 حالات تم شفاؤها، و6790 حالة وفاة”.

لكن قال أستاذ علم الفيروسات والمناعة في كلية الطب البشري بجامعة الزقازيق، أحمد نور شاهين، إن “الإحصائيات الطبية تخضع لأساليب معينة، يتم على أساسها تقسيم البلاد إلى أجزاء، ويُحسب في النهاية متوسط عدد الإصابات والوفيات، وهذا ما يحدث في دول عدة منها دول أوروبية”، على حد قوله.

وأضاف شاهين في حديثه مع موقع الحرة: “أفريقيا وحدها رصدت مليوني مصاب، وهذه الإحصائية غير قابلة للتصديق، لكن ربما تكون المناعة سببا وراء قلة عدد الإصابات في القارة، ربما اكتسب الأفريقيون مناعة بسبب هيدروكسي كلوروكين، عقار الملاريا التي تعاني منها القارة السمراء”.

استهداف نقابة الأطباء

وبعيدا عن البيانات الرسمية، يقول شاهين إن الأطباء في المستشفيات يلاحظون زيادة عدد الإصابات والوفيات، مضيفا “الوضع الوبائي الحالي في مصر ليس سيئا، فالمستشفيات لم تبلغ طاقتها الاستيعابية”.

وسبق وأن رفض أطباء مستقلون الحديث مع موقع “الحرة” خوفا من الملاحقة الأمنية، حيث ألقي القبض على عدد من الأطباء بعد كتابة منشورات تنتقد التعامل الرسمي مع الأزمة، على صفحاتهم بفيسبوك. وتنفي السلطات الضغط على العاملين في القطاع الطبي، وتقول إن الحكومة أحسنت إدارة الجائحة.

دعوة لتدخل البنك الدولي

والثلاثاء، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن مشروع البنك الدولي لدعم الاستجابة لفيروس كورونا لا يعالج على النحو الملائم “اعتقالات الحكومة المصرية وترهيبها بحق الموظفين الطبيين”.

ومن المقرر أن يمول البنك نظام الرعاية الصحية في مصر بنحو 50 مليون دولار “لكنه لم يتحدث علنا عن ستة أطباء وصيادلة على الأقل ما زالوا في السجن، على ما يبدو لمجرد انتقادهم استجابة السلطات لفيروس كورونا، في انتهاك لسياسة البنك المناهضة للانتقام”، بحسب المنظمة الحقوقية.

وأضاف بيان المنظمة: “كما لم تتشاور الحكومة مع المجلس المنتخب لنقابة أطباء مصر، الجمعية الطبية الرئيسية في البلاد، والتي استهدفتها السلطات بشكل متزايد باعتبارها إحدى آخر مجموعات المهنيين الصحيين المستقلة في مصر”.

عدم التسامح

وقال باحث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش عمرو مجدي: “اعتقالات مصر بحق الموظفين الطبيين الذين انتقدوا سياساتها بشأن فيروس كورونا تستدعي معارضة واضحة من البنك الدولي، تماشيا مع التزامه بعدم التسامح مع الأعمال الانتقامية”.

وأضاف “على البنك إدراك أن حملة الحكومة ضد نقابة الأطباء، بصفتها آخر مكان للأطباء للتعبير عن مخاوفهم بشكل مستقل وفضح الأعمال الانتقامية، تضر بأهداف الصحة العامة”.

وكان البنك الدولي وافق في مايو الماضي على مشروع الاستجابة الطارئة لفيروس كورونا في مصر، وهو مشروع بقيمة 50 مليون دولار، لدعم قدرة الحكومة على اكتشاف فيروس كورونا الجديد والوقاية منه وعلاجه، بما يشمل تمويل عمليات المراكز الطبية وشراء الإمدادات مثل معدات الحماية الشخصية.

ويوسع هذا المشروع مشروعا مستمرا، بقيمة 530 مليون دولار، بدأه البنك الدولي عام 2018، لدعم خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية في مصر.

“سياسة مناهضة للانتقام”

وأثار بيان هيومن رايتش ووتش انتقادات عدة على مواقع التواصل، لكن عمرو مجدي قال لموقع الحرة: “هناك حملة تضليل مستمرة الآن تزعم دعوة المنظمة لوقف برنامج البنك الدولي”.

وأضاف “لا يوجد أي شيء في البيان على هذا النحو، إنما هناك دعوة للبنك الدولي لتفعيل سياساته المناهضة للانتقام، وذلك بالحث علنا بالإفراج عن الأطباء المسجونين، وإنهاء الحملة ضد نقابة الأطباء، والالتزام بذلك هو جزء من اتفاقية القرض الموقعة مع مصر”.

وتابع “هذه الرقابة من المجتمع المدني والفاعلين في المجال الطبي مهمة لضمان أكبر فعالية ممكنة للبرنامج وأن يحقق نتائجه على الأرض”.

وفيما يتعلق باستجابة البنك لدعوة المنظمة قال مجدي: “نحن في محادثات مستمرة مع المسؤولين في البنك، وأعتقد أنه هناك تعاون متبادل لتحقيق أفضل شيء للمستفيدين من القرض، وهم الأطقم الطبية والمرضى”.

“سمات الموجة الثانية”

ولا تزال أعداد الإصابات اليومية الرسمية في مصر، الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان، أقل بكثير منها في إيران وتركيا، وهما على رأس قائمة الدول الأكثر تضررا من انتشار الفيروس في المنطقة، الأمر الذي يجعل البعض يشك في أن الجائحة تحت السيطرة.

ويرجع شاهين السبب في قلة أعداد الإصابات إلى ما وصفه باختلاف سمات الموجة الثانية من الفيروس، التي تجعله ينتشر في مناطق ويختفي في مناطق أخرى، مشيرا إلى الأردن كنموذج، حيث لم تعاني المملكة في الموجة الأولى مثلما تعاني حاليا من الموجة الثانية.

وعلى العكس من ذلك، كانت مصر التي عانت في الموجة الأولى بينما يختلف وضعها الآن.

كما أشار أستاذ علم الفيروسات والمناعة كلية الطب البشري جامعة الزقازيق إلى السلالات المختلفة لفيروسا كورونا والتي تتراوح بين بسيط ومتوسط وقاتل، مشددا على خطورة نقل هذه السلالات عبر السفر الدولي، حيث ينتقل الفيروس عن طريق التنفس.

وفي آذار الماضي، أغلقت مصر المطارات، وفرضت حظر تجول ليلي، وسط إجراءات أخرى لمكافحة انتشار الفيروس. كما أجرى الجيش عمليات تعقيم لبعض الأماكن الحيوية.

وقال شاهين إن مصر تجري آلاف الاختبارات يوميا في المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة والموجودة في جميع المحافظات المصرية، فضلا عن مستشفيات الحميات، والمستشفيات الخاصة، ومستشفى عين شمس التخصصي، والمعامل الخاصة.

نسبة الانتشار وليس العدد

لكنه شدد على أن الإحصاء الطبي الذي تتبعه مصر يهتم بنسبة الانتشار وليس العدد، قائلا: “لا تلزمنا الدقة، لكن يهمنا الانتشار، هل هو بطيء أم سريع، الأمر الذي يترتب عليه درجة استعداد الأطقم الطبي وتطبيق قواعد مكافحة العدوى”.

وأشار شاهين إلى أوقات ذروة الموجة الأولى من الفيروس في مصر، في مايو ويونيو الماضيين، قائلا: “كانت نسبة الوفيات مرتفعة فعلا، إنما الوضع حتى الآن مختلف”.

وكانت الحكومة خففت، قبيل بدء شهر رمضان، بعض القيود المفروضة في مواجهة تفشي الفيروس، وقلصت حظر التجول الليلي، حتى ألغته تماما في يونيو الماضي.

وبحسب أستاذ علم الفيروسات والمناعة كلية الطب البشري جامعة الزقازيق، فإن الأرقام الرسمية وما يلاحظه الأطباء العاملون في المستشفيات من عدد المصابين يعطي إشارة إلى أن نسبة انتشار المرض حتى الآن بسيطة.

وفي وقت سابق من كانون الأول الجاري، نقلت وسائل إعلام محلية مصرية عن وزيرة الصحة، هالة زايد، قولها إن مصر بصدد التعاقد على 20 مليون جرعة من لقاح فيروس كورونا.

وأوضح شاهين، نقلا عن مصادر مقربة، أن هذه الجرعات ستكون مخصصة للطاقم الطبي وكبار السن، وأن اللقاح المنتظر ستورده شركتا فايزر وبيونتيك.