IMLebanon

لا اتفاق ولا افتراق ولا تشكيل ولا اعتذار

أن تتحول زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى قصر بعبدا «حدثا سياسيا»، فهذا يعني من جهة أن الحكومة باتت حاجة وضرورة ملحّة، وهناك رغبة ولهفة لرؤية حكومة جديدة، ويعني من جهة ثانية أن الأزمة الحكومية معقدة وشائكة.. زيارة الحريري أمس استنادا الى ظواهر الأمور والمؤشرات، يمكن قراءتها من زاوية إيجابية لمجرد أن هذه الزيارة العلنية وتحت الأضواء هذه المرة حركت الملف والمياه الحكومية الراكدة، وأن الحريري يعود الى قصر بعبدا بعد انقطاع دام ثلاثة أسابيع، وأن موعدا جديدا وقريبا حُدد لاستكمال البحث (غدا الأربعاء)، ولو لم يكن هناك من عناصر ومعطيات جديدة يُبنى عليها لما كان الاتفاق على لقاء آخر.. كما يمكن النظر الى هذه الزيارة من منظار حذر ومتحفظ لمجرد أنها كانت خاطفة ولم تدم أكثر من نصف ساعة، وأغفل الحريري بعدها الإشارة الى إيجابيات في تصريح مقتضب يعكس حالة عدم اليقين لديه.

جهات واسعة الاطلاع ومتابعة للملف الحكومي، لا ترى أن لقاء الغد سيكون حاسما أو أنه سيكون اللقاء الأخير بين ميشال عون وسعد الحريري، فإما اتفاق وإما افتراق، ولا ترى أن «أسبوع الحسم» الذي تحدث عنه بري ودعا إليه عبر بيان كتله سيتحقق.. وتتحدث هذه الجهات عن المعطيات والمعلومات التالية:

1 ـ الحركة السياسية على خط تشكيل الحكومة لا تحمل عناصر التقدم والحسم بقدر ما تهدف الى الإيحاء بوجود استعدادات ومناخات إيجابية قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى لبنان هذا الشهر، ولاستيعاب كمية الاستياء والخيبة والضغوط عند الفرنسيين ومجمل المجتمع الدولي. إضافة الى أن أحدا لا يريد ولا يستطيع أن يتحمّل مسؤولية الفراغ الحكومي وانزلاق لبنان أكثر فأكثر في الهاوية الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية، وأن يظهر بمظهر المعرقل للمبادرات الخارجية، وتحديدا المبادرة الفرنسية. والتفاهم الحاصل حتى الآن ليس على تشكيل الحكومة وإنما على تأجيل ولادتها.

2 ـ الخلاف قائم ومستمر بين الحريري وعون، وكلاهما يتمتعان بالقدرة على الرفض، ولكن ليست لأي منهما القدرة على الفرض، فرض ما يريده. وافق الرئيس عون على حكومة الـ 18 وزيرا ولكنه يصُرّ على «وحدة المعايير». هذا الشرط الذي «طلع به» باسيل وأربك الحريري وتبنّاه رئيس الجمهورية الذي يريد أن يسُمّي هو (وباسيل) سبعة وزراء مسيحيين على الأقل من أصل تسعة، وأن تبقى وزارة الطاقة مع «التيار» أسوة بوزارة المالية التي بقيت مع «أمل». المشكلة هنا أن الحريري يرفض إعطاء الثلث المعطّل لرئيس الجمهورية وفريقه.. ويحاذر الخروج عن الورقة الفرنسية التي تضمنت الإشارة الى وزارة الطاقة وعدم بقائها في يد جهة حزبية.. الحريري يطرح توزيعا للمقاعد المسيحية على هذا النحو: ستة وزراء للرئيس و«التيار»، وزيران لـ «المردة»، وزير للحزب القومي.. أو يأخذ «المردة» حقيبة خدماتية أساسية واحدة ويأخذ القومي حقيبة ويأخذ هو (رئيس الحكومة) حقيبة أساسية مثل الاتصالات.

3 ـ في حال تم تذليل «العقدة المسيحية» وحصل اتفاق بين عون والحريري، ستبرز من جديد العقدة الشيعية التي تُعتبر في حكم المجمّدة وليس «المحلولة». فحزب الله لم يقل كلمته بعد، وهو ينتظر اتفاق عون والحريري وبعده لكل حادث حديث. الحزب يفعل ذلك لدعم الموقف التفاوضي لرئيس الجمهورية والضغط على الحريري، في حين أن حسم الشق الشيعي من الحكومة يتيح للحريري استفراد عون ووضع كرة التأليف في ملعبه.

إذا صحّ أن بري قدم للحريري لائحة أسماء كي يختار منها وزيرين لـ «أمل»، فإن حزب الله لم يقدم حتى الآن أي لائحة أسماء. وإذا فعل فإنه لن يترك للحريري هامش الاختيار والتسمية، وإنما ستكون لائحة محصورة باسمي الوزيرين اللذين يمثلان حزب الله.. والأمر لا يقتصر على التسميات والحقائب، وحزب الله سيدخل في تفاوض سياسي مع الحريري يشمل برنامج الحكومة وسياستها الاقتصادية والمالية واتفاقها مع صندوق النقد، وكذلك موقفها من «المقاومة».

«مأزق» الحريري أنه لا يمكنه أن يشكل حكومة من دون حزب الله، وليس من السهل عليه ان «يشرك» حزب الله في الحكومة بطريقة ترضي المجتمع الدولي وتحظى بدعمه.. خطأ الحريري ربما في أنه استعجل العودة الى رئاسة الحكومة من دون ضمانات والتزامات مسبقة من خصومه.. الخصوم وقعوا أيضا في أخطاء يعترفون بها: خطأ التخلي عن حكومة حسان دياب، وخطأ الموافقة على تكليف الحريري من دون اتفاق مسبق معه على الحكومة.