IMLebanon

“مفاجأة قضائية” بارتدادات سياسية

الانفجار المروّع في مرفأ بيروت حفر عميقا في الوجدان اللبناني ولن ينُسى مع الوقت، ولا تسقط مفاعيله بمرور الزمن. هو الانفجار «غير النووي» الأقوى والأكثر تدميرا في العالم، وأدى الى ضحايا بالمئات وجرحى بالآلاف، والى تدمير جزء من واجهة بيروت ومن نبضها وحياتها وإرثها الثقافي والحضاري.

«زلزال انفجار المرفأ» ارتداداته مستمرة، بدأت على الفور على مستويات إنسانية واجتماعية واقتصادية.. وها هي تتواصل على مستويات أخرى قضائية وسياسية مع «المفاجأة» التي فجّرها المحقق العدلي القاضي فادي صوّان بادعائه على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين: علي حسن خليل، غازي زعيتر، ويوسف فينيانوس، وعلى مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا بعد جلسة استماع معه دامت ثلاث ساعات.

في لغة القضاء، المحقق العدلي له حق الادعاء، لأنه يقوم في الوقت نفسه بوظيفة النيابة العامة ويبني ادعاءه عامة على قرائن وإثباتات، فإذا امتلك المحقق العدلي الإثباتات والقرائن التي تترتب عليها مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة، يُفترض أن تتم ملاحقة المدعى عليه.. وقرار صوّان جاء (استنادا الى مصدر قضائي) بعد التثبّت من تلقي المدعى عليهم عدة مراسلات خطية تحذرهم من المماطلة في إبقاء نيترات الأمونيوم في حرم مرفأ بيروت وعدم قيامهم بالإجراءات الواجب اتخاذها لتلافي الانفجار المدمّر. والسؤال المطروح حاليا في السياق القضائي وفي ضوء ردود الفعل يتعلق بالخطوة التالية بعد خطوة الادعاء من جانب المحقق العدلي الذي قرر استجواب رئيس الحكومة والوزراء السابقين ابتداء من الإثنين المقبل، في حال رفضوا الامتثال، وفي حال برزت تفاعلات وتعقيدات سياسية تتعلق بالمواقع والاعتبارات والحصانات: هل يصُدر مذكرات توقيف غيابية إذا تأكد وجود شبهات جدية بشأنهم لأنهم مطلوبون في جريمة مصنفة ضمن «الجرائم العادية»، أم يستكمل ملف التحقيق والادعاءات ليعمد بعدها الى ختمه وإحالته الى مجلس النواب طالبا منه تحمّل المسؤولية إزاء القضية؟!

المحقق العدلي الذي تلقى إسنادا من مجلس القضاء الأعلى عبر بيان يتبنى قراره ويؤكد احترام تحقيقاته الأصول القانونية، ومن نقيب المحامين ملحم خلف الذي أثنى على قرار صوّان رافضا منح حصانات دستورية وقانونية وسياسية لأحد في سبيل إحقاق العدالة في هذه الجريمة الكبرى.. تلقى في المقابل وابلا من الانتقادات السياسية والإعلامية التي تركزت على النقاط التالية:

٭ ملاحقة الرؤساء والوزراء تتم عبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لأن الإهمال والتقصير ليس جرما مشهودا، مع العلم أن الجرم المشهود يسقط الحصانة ويبطل التصنيف، مما يجعل المواطنين سواء أمام العدالة.

٭ حصر الادعاء برئيس حكومة حالي وثلاثة وزراء سابقين، وإغفال وزراء حاليين ورؤساء حكومات سابقين.
٭ استهداف موقع رئاسة الحكومة وتجاوز مجلس النواب وخرق الدستور (الرئيس حسان دياب).

٭ الانتقائية في الملاحقة، وإغفال ما قاله رئيس الجمهورية من أنه قرأ التقارير التي تحذر من وجود مواد خطرة في المرفأ (الرئيس نجيب ميقاتي).

٭ عدم شمول الادعاء جميع الشخصيات التي طالب صوّان في رسالته الى المجلس النيابي بملاحقتهم. فلم يشمل ادعاؤه أياً من وزراء العدل السابقين والحاليين (مصادر نيابية) مع التذكير هنا أن المحقق العدلي كان استبق خطوة الادعاء برسالة الى مجلس النواب طلب فيها ملاحقة وزراء الأشغال والعدل الحاليين والسابقين، واعتبر الرئيس نبيه بري هذه الرسالة مخالفة للأصول لأنها لم تتم إحالتها الى البرلمان عبر وزيرة العدل، ولأنها لم تتضمن قرائن إدانة للشخصيات التي يدُّعى عليها، كما أنها خلت من أي مضبطة اتهامية لتلك الشخصيات.

الرئيس نبيه بري الذي رفض رسالة صوّان الى المجلس النيابي وتعامل معها باستخفاف، هو الآن أول المتصدّين لـ «ادعائه» الذي طال وزيرين سابقين من فريقه والمقربين منه (خليل وزعيتر) ووزيرا سابقا حليفا (فينيانوس)، وبالتالي استهدف فريقا سياسيا يشكل بري رافعته.. ولكن ادعاء صوّان أدُرج أيضا في خانة استهداف رئاسة الحكومة، وهذا ما جاهر به دياب الذي تلقى إسنادا من «اللقاء التشاوري»، معتبرا في بيان له «أن استهداف الرئيس دياب على هذا النحو دون سواه فيه الكثير من الانتقائية والكيدية، كما يبطّن شبهة استسهال المسّ بموقع رئيس مجلس الوزراء باعتبار أن شاغله ليس من أمراء الطوائف».

في هذا الكلام تلميح الى أن دياب جرى استهدافه ولأنه «الحلقة الاضعف» و«الهدف السهل والثمين»، وهذا الكلام يعكس في الواقع مناخا سنيّا عاما من التململ وعدم الرضا والشكوى إزاء ما يحصل من تجاوز أو تساهل لموقع رئاسة الحكومة ودورها وصلاحياتها. مثل هذا المناخ سجل صعودا لافتا وبرز بشكل متزايد هذا الأسبوع، وفي ثلاث محطات تباعا: اجتماع مجلس الدفاع الأعلى والمقررات الصادرة عنه وبما يوحي أنه بديل مرحلي عن مجلس الوزراء.. وتنازع الصلاحيات في تشكيل الحكومة بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية الذي قدم تشكيلة مضادة لتشكيلة الحريري كشريك في التأليف لا يقتصر دوره على رفض أو قبول ما يعُرض عليه. والآن، يأتي الادعاء على رئيس الحكومة حسان دياب ليعزز هذا الاعتقاد وهذا التململ، مع العلم أن هناك شكوى سنيّة من أمر آخر هو أن رئيس الحكومة يدفع دوما ودون سواه من الرؤساء ثمن الأزمات والأحداث التي تؤدي غالبا الى استقالة رئيس الحكومة، كما حدث مع استقالة عمر كرامي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانتفاضة 14 آذار، ومع استقالة حسان دياب بعد انفجار مرفأ بيروت.. فلماذا رئيس الحكومة هو العنصر المتغيرّ في معادلة الحكم، فيما رئيس الجمهورية ثابت لست سنوات ورئيس المجلس ثابت منذ ثلاثين عاما؟!