IMLebanon

المحكمة الجعفرية: “تلاعبٌ” بسنّ الحضانة؟

كتبت هديل فرفور في جريدة الأخبار:

مُجدّداً، تضع الأحكام الشرعية الأم أمام خيار التخلي عن أطفالها أو مواجهة السجن. وبدل الاستجابة لمطلب رفع سن الحضانة، يحدث أن تُحرم أم من حق رؤية أطفالها، فضلاً عن حق حضانتهم، كما جرى في الحكم بتسليم طفلين الى والدهما لتسفيرهما الى الخارج. والتبرير المنحاز لتجاهل الآثار النفسية على الطفلين هو أن مكانة الأب «المرموقة» قادرة على معالجة ذلك

قبل أكثر من سنة، أعلن رئيس المحاكم الجعفرية الشيخ محمد كنعان عن «خطوة إصلاحية» تتعلّق بقضايا الحضانة والطلاق لدى الطائفة الشيعية. ورغم أن كثيرين رأوا في تلك المبادرة التفافاً على مطلب رفع سن الحضانة (راجع الأخبار «الخميس 1 آب 2019» )، إلا أن الإعلان عنها مثّل إقراراً ضمنياً من «داخل البيت» بوجود خللٍ يستدعي الإصلاح، ويرفع الغبن عن آلاف ممّن يلُذن بأروقة المحاكم يومياً من دون نتيجة.

«مبادرة كنعان» تضمّنت اعتماد دفتر شروط يطّلع عليه الزوجان عند تسجيل زواجهما في المحكمة، يتضمن خيار توكيل الزوجة نفسها بالطلاق في حال امتنع الزوج عن الإنفاق عليها، كما أن لها أن تشترط الحضانة لأولادها حتى بلوغهم السن الشرعية أو سن البلوغ، إلى جانب أمور أخرى. حتى الآن، المبادرة لا تزال كما هي، مجرّد مبادرة، فيما تنفيذها «رهن استتباب الوضع الصحي المتعلق بوباء كورونا وغيره من العوامل الطارئة»، على ما قال كنعان لـ«الأخبار». في انتظار ذلك، يتواصل إصدار الأحكام المجحفة بحق النساء، خصوصاً الأمهات منهن وأطفالهن. وآخرها ذاك الصادر عن رئيس محكمة بيروت الشرعية الجعفرية القاضي بشير مرتضى، في 22 آب الماضي، والذي يُعدّ مثالاً فادحاً للانحياز ضدّ الأمهات

«الشأنية الاجتماعية» أولاً!

تقول رواية عبير خشّاب، وهي أم لتوأم (فتاة وصبي) في السابعة من العمر، إن زوجها السابق ح. ن. الذي يشغل منصباً دبلوماسياً في أحد البلدان الأفريقية، طلّقها غيابياً في الخامس من آب الماضي، وكلّف أشخاصاً بتغيير قفل باب منزلهما الزوجي حيث كانت تعيش مع ولديها، ما دفعها إلى الانتقال للعيش في منزل ذويها. بعدها، «في عزّ أزمة وباء كورونا، وخلال العطلة القضائية حين كانت عشرات دعاوى الحق بالرؤية للأمهات وغيرها من دعاوى النفقة والطلاق تؤجل وتجري المماطلة فيها رغم أنها طارئة»، بحسب مؤسِّسة «الحملة الوطنية لرفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية» زينة إبراهيم، استحصل الزوج السابق على حكم من القاضي مرتضى يمنحه بموجبه الحق في حضانة الطفلين وتسفيرهما إلى مقرّ إقامته في الخارج.

اللافت في نص الحكم الذي اطّلعت عليه «الأخبار» هو ردّ القاضي مرتضى على المطالعة التي قدّمها وكيل خشاب وتناول فيها التأثير السلبي لطبيعة عمل الوالد على ممارسته فعل الحضانة، نظراً إلى حالة الترحال المستمرة من جهة، وإلى تأثير فعل السفر الذي يحول دون إمكانية متابعة عامهما الدراسي من جهة أخرى، فضلاً عن أن السماح بتسفير الولدين يعني حُكماً حرمان الأم من حقها الشرعي في رؤيتهما؛ إذ جاء في حكم القاضي حرفياً: «(…) الادّعاء بالأثر السلبي لعمل المُدعي كسفير على الولدين ادّعاء لا يقوم على دليل علمي واجتماعي، لكون شأنية والدهما الاجتماعية والمرموقة سترتدّ إيجاباً على الولدين، كونهما سيتمتعان بحياة اجتماعية مرموقة وبرفاهية العيش»، مُضيفاً: «حيث إن ما ذكر لناحية الرؤية يتصل بدعوى مُستقلة عن هذه الدعوى، ما يفرض إهماله وعدم التطرّق إليه».

هكذا آثر القاضي، وهو محسوب سياسياً على الجهة الحزبية نفسها التي ينتمي إليها طليق خشاب، المكانة المرموقة للأب على حق الأم في رؤية طفليها!

ثمّة أمر لافت آخر في القرار يكشف حجم الانحياز إلى الأب؛ إذ ورد في مطالعة وكيل خشاب أن الفتاة تُكمل السابعة من عمرها (سن الحضانة الشرعي لدى الفتاة) في كانون الثاني من العام المقبل، ونظراً إلى وجوب عدم الفصل بين الأخوين (السن الشرعي للصبي محدد بسنتين، تبقى الحضانة للأم إلى ذلك التاريخ. إلّا أن القاضي مرتضى ارتأى أن يُحتسب عمر الفتاة وفقاً للتقويم الهجري لا الميلادي، كي يسمح بانتقال الحضانة إلى الأب!

مصادر قانونية مطلعة على الملف أكّدت لـ«الأخبار» أن هذا الأمر من شأنه أن يحدث إرباكاً في ما بعد، «فعلى صعيد الوصاية أو الورثة أو غيرها، يُحدّد القاصر بأنه دون الـ18 عاماً ميلادياً، وإذا ما اعتمد التقويم الهجري، يصبح عمر القاصر محدداً بما هو أقل»، مشيرة الى أن قرار القاضي «هو حكم معجّل الإجراء واستئنافه لا يوقف تنفيذه. وعليه فإنّ خشاب أمام خيارين: إمّا تسليم الطفلين أو السجن».

وأوضحت المصادر نفسها أن الأم تقدّمت بطلب استئناف وبمنع سفر مرتين، «وتم رفض الطلبين»، وبما أنّ حكم القاضي مرتضى معجّل الإجراء، فإنّ الأب طلب تنفيذ القرار من دائرة التنفيذ لتسليم الطفلين أو حبسها ستة أشهر وفق أصول المحاكمات المدنية. وعليه، فإن خشاب حالياً مهددة بالسجن ما لم تتنازل عن حق رؤيتها لطفليها، وليس فقط حق حضانتهما، لأن تسليمها إياهما والسماح بسفرهما يعني حرمانها من حق رؤيتهما.

«الأخبار» حاولت التواصل مع القاضي مرتضى الذي رفض التعليق، محيلاً الإجابات إلى رئاسة المحاكم. إلا أن المعنيين في الرئاسة الذين تواصلت معهم «الأخبار» أكدوا أن مرتضى وحده له الحق في إعطاء التفاصيل التي استند إليها في حكمه.

إبراهيم انتقدت ربط القاضي مرتضى المكانة المرموقة للأب بأحقية الحضانة، متسائلة عمّا إذا كان «منطق» يعطي الأم الحق بالحضانة إذا ما كانت تتفوّق اجتماعياً على الأب؟ ووصفت الحكم بأنه «ليس إلا دليلاً على ضرورة مواصلة العمل على تحقيق مطلب رفع سن الحضانة والضغط لتحقيق إصلاحات فعلية تنصف النساء والأمهات وتمنع الغبن اللاحق بهن». وأكّدت أن الحملة ستنفذ في الفترة المقبلة وقفات احتجاجية أمام مراكز عمل القضاة الشرعيين للتنديد بالأحكام الظالمة الصادرة عنهم.

النفقة في ظلّ الأزمة وسيلة جديدة لإخضاع النساء

لفتت مؤسسة «الحملة الوطنية لرفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية»، زينة إبراهيم، إلى أن النفقة التي تُحدّد للزوجة المُطلقة غالباً لا تتجاوز 300 ألف ليرة، أي ما يُعادل حالياً نحو 37 دولاراً. «وعليه يغدو مطلب رفع النفقة من ضمن المطالب الأساسية التي تنادي بها الحملة»، مُشيرةً إلى أن كثيرين من الرجال باتوا يستخدمون مسألة النفقة كوسيلة إخضاع للنساء غير العاملات من أجل التخلي عن حضانة أطفالهن.