IMLebanon

دور عون في تشكيل الحكومة هرطقة دستورية!

كتب حسن بيان في “اللواء”:

في كل بلدان العالم التي تواجه ازمات تفضي الى استقالة حكومات، تشكل حكومات جديدة وفق الاليات الدستورية المعمول بها لحل الازمات، الا في لبنان فإن تشكيل الحكومات يتحول الى ازمات قائمة بذاتها، بحيث يحتاج الامر الى «مدبر اعلى» للدخول على خط الازمات الحكومية لحلحلة عقدها.

وسبب هذا الواقع “النشاز” في لبنان، انما يعود لسببين رئيسيين.

الاول، هو طبيعة النظام القائم على قواعد المحاصصة السياسية والطائفية، وتشويه مفهوم الديموقراطية عبر اجتراح ما اصبح يعرف بالديموقراطية التوافقية.

الثاني، هو الغموض في النص الدستوري، «وسامح» الله تاليران، الذي عندما طلب منه نابليون بونابرت ان يكون الدستور مختصراً، اضاف وان يكون غامضاً.

مبرر هذا الكلام، هو الازمات الدورية التي ترافق تشكيلات الحكومات، وهذه لم تكن ملحوظة كثيراً قبل اتفاق الطائف، اذ كان النص واضحاً، لجهة صلاحية رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومات، حيث النظام رئاسياً، وان كان الدستور اكد على كونه برلمانيا، الا ان الواقع الممارس كان عكس ذلك اذ كان اقرب الى النظام الرئاسي منه الى النظام البرلماني. فرئيس الجمهورية كان يجري استشارات نيابية، لكنها كانت على سبيل الاستئناس وليست الزامية بمحصلتها. وكان رئيس الجمهورية هو الذي يشكل الحكومة ويصدر مراسيم تشكيلها وتسمية رئيسها، وهو كان رئيس مجلس الوزراء، يرأس المجلس وله حق التصويت على القرارات.

هذه الصلاحيات التي كانت لرئيس الجمهورية عُدلت بالاستناد الى اتفاق الطائف، فاصبحت الاستشارات النيابية ملزمة بنتائجها، ورئيس الحكومة اصبح بحسب النص الدستوري هو رئيس مجلس الوزراء (المادة ٦٤) وله حق التصويت، واذا ما حضر رئيس الجمهورية اجتماع مجلس الوزراء، فيرأس الجلسة دون حق التصويت. والمادة ذاتها في (البند ٢)، منحت الرئيس المكلف استناداً الى الاكثرية النيابية التي سمته صلاحية تشكيل الحكومة. فقد نصت المادة ٦٤/٢، يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة. ولم يرد في النص ما يشير الى دور لرئيس الجمهورية في التشكيل، وكل ما اشار اليه، انه بعد انجاز رئيس الحكومة تشكيلة الحكومة يوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. ولم يرد بالنص الى ما يشير، لا صراحة ولا ضمناً، ان رئيس الحكومة يشكل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، على قياس ما ورد في (المادة ٥٣)، البند ٤، والتي جاء فيها: يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة. وهذه المادة لم تشر الى انشاء الحكومة وانما اشارت الى الاعلان عنها، ولو كان الدستور يرمي الى اعطاء دور لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة لكان نص على ذلك صراحة في (المادة ٦٤) التي حددت فيها صلاحية رئيس الحكومة بما يتعلق بتشكيل الحكومة.

وبما ان الدستور اعطى رئيس الحكومة المكلف صلاحية تشكيل الحكومة باعتباره هو رأس السلطة التنفيذية التي يتولاها مجلس الوزراء، فقد حمله بذلك مسؤولية تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، وهو يمثل الحكومة ويتكلم باسمها. وعملاً بقاعدة استنباط الاحكام من القواعد، فان الدستور عندما يحمل رئيس الحكومة مسؤولية تنفيذ السياسة العامة، فلانه هو من قام بتشكيل الحكومة. اما اذا كان رئيس الجمهورية يريد ان يكون شريكاً في تشكيل الحكومة، فمنطق الامور يملي ان يكون مسؤولاً بالتوازي، مع مسؤولية رئيس الحكومة. اما وان الدستور لم يحمله مسؤولية الا ما نصت عليه (المادة ٦٠) والتي حددت التبعة على رئيس الجمهورية في حالتي خرق الدستور والخيانة العظمى، فإنه لا دور له في التشكيل الحكومي لانه لا تبعة عليه عن اعمال الحكومة، لان من يكون شريكاً في الفعل، يكون شريكاً في تحمل المسؤولية، وهذا الامر غير قائم.

على هذا الاساس، انه لا دور لرئيس الجمهورية بما يتعلق بتشكيل الحكومة، لسببين اساسيين: الاول، ان الدستور لم يشر الى دور له في (المادة ٦٤)، والثاني انه لم يشر الى مسؤوليته عن اعمال الحكومة. وان دوره ينحصر في اجراء الاستشارات النيابية الملزمة واصدار مرسوم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة. بالتالي فان دوره بالنسبة لتشكيل الحكومة هو اعلاني وليس انشائياً. واذا ما تم التشاور معه من قبل الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة، فهذا التشاور هو على سبيل الاستئناس، وليس لكونه شريكاً اصلياً في التشكيل.

اما عن تمنع رئيس الجمهورية عن اصدار مرسوم تشكيل الحكومة، فهذا يندرج تحت عنوان التعسف في استعمال الحق فضلا عن كونه يشكل افتئاتاً على صلاحية رئيس الحكومة.

اذاً، على رئيس الجمهورية ان يصدر مرسوم تشكيل الحكومة بالصيغة المرفوعة اليه، لان رئيس الحكومة هو من يتحمل المسؤولية عن سياستها العامة كما المسؤولية امام سلطة المحاسبة والمساءلة المتمثلة بالمجلس النيابي، فالسلطة التشريعية هي سلطة الاعتراض على تشكيلة الحكومة وعلى سياساتها، وبامكانها اسقاطها اما بعدم منحها الثقة بداية والا بسحبها لاحقاً. اما اذا كانت رئاسة الجمهورية ما تزال مسكونة بصلاحيات ما قبل الطائف وتريد العودة اليها، فهذه لا تتم عن طريق المناكفة والتعطيل، وانما بتعديل الدستور، وهذا له آلياته الدستورية، وبدون ذلك فإن ما يحكى عن دور لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة انما هو هرطقة دستورية ان لم نقل بدعة يراد تكريسها كعرف، والعمل به على قاعدة «المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً».