IMLebanon

ما الفرق بين حسّان دياب وسليم عيّاش؟

كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:

هل يستطيع القاضي فادي صوّان أن يكسر القاعدة التي تقول أن القضاء في لبنان ليس إلّا جزءاً من النظام لا يمكنه أن يصلحه ولا أن يتمرّد عليه؟ وبالتالي هل قرار السير بالتحقيق في تفجير العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت قرار سياسي أم شأن قضائي؟ وهل تعيين صوّان محقّقاً عدليّاً في هذه القضية يمكن أن يكون خارج تأثير الدائرة السياسية التي كانت تعلم بما كان يحصل في المرفأ وفي العنبر رقم 12؟ وهل من الممكن الوصول إلى الحقيقة؟

يوم الجمعة 11 كانون الأول الحالي استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسّان دياب، في السراي الحكومي الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري. بعد اللقاء، قال الرئيس الحريري: “أتيت إلى رئاسة الحكومة لأعبّر عن رفضي المطلق للخرق الدستوري الواضح والفاضح الذي ارتكبه القاضي فادي صوان بالادعاء على رئيس الحكومة. الدستور واضح، ورؤساء الحكومات يمثلون فقط أمام محكمة خاصة يشكّلها المجلس النيابي. رئاسة الحكومة ليست للابتزاز، وهذا الأمر مرفوض ونحن لن نقبل به. من حقّ أهالي الشهداء معرفة الحقيقة، ومعرفة من أدخل هذه الباخرة ومن منحها الغطاء. أما التعدّي على الدستور والإدّعاء على رئاسة الحكومة، فهذا أمر مرفوض. وقد أتيت لأقف مع رئيس الحكومة وأتضامن معه”.

في اليوم نفسه والتوقيت نفسه تقريباً كانت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان الناظرة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري تنعقد في لايدسندام في هولندا لإعلان الأحكام النهائية بحقّ المتهم المدان في هذه القضية سليم عيّاش المنتمي لـ”حزب الله”، وقد حكمت عليه بخمس عقوبات بالسجن المؤبّد تنفَّذ في الوقت نفسه. وقد أصدرت الغرفة مذكّرة توقيف جديدة ومذكّرة توقيف دولية وقرار نقل واحتجاز بحق عياش “ودعت أولئك الذين يحمون سليم جميل عياش من العدالة إلى تسليمه للمحكمة الخاصة بلبنان”. بعد صدور الحكم علّق الرئيس المكلّف عبر “تويتر”: “العدالة الدولية أصدرت حكمها في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والعقوبة التي أنزلت بسليم عياش يجب وضعها موضع التنفيذ وعلى السلطات القضائية والامنية اللبنانية القيام بواجبها في هذا الخصوص”. اللافت أن جلسة المحكمة لقيت تجاهلاً إعلامياً بينما انتقل الإهتمام إلى السراي والإدعاء على الرئيس دياب.

الفرار من وجه العدالة

سليم عيّاش المنتمي إلى “حزب الله” فار من وجه العدالة و”حزب الله” يعتبر أنّ المحكمة جزء من مؤامرة دولية عليه وأنّه لن يكون من الممكن القبض على عياش أو غيره لا اليوم ولا بعد مئة عام. “حزب الله” رفض أيضاً ادعاء القاضي صوان على الرئيس حسان دياب والوزراء الثلاثة غازي زعيتر وعلي حسن خليل التابعين لحركة أمل ويوسف فنيانوس التابع لتيار المردة في ملف تفجير مرفأ بيروت وأكد “حرصنا أن تكون جميع الإجراءات التي يتّخذها قاضي التحقيق بعيدة عن السياسة والغرض، مطابقة لأحكام الدستور، غير قابلة للاجتهاد او التأويل أو التفسير، وأن يتمّ الإدّعاء على أسس منطقية وقانونية، وهذا ما لم نجده في الاجراءات الاخيرة وبالتالي فإنّنا نرفض بشكل قاطع غياب المعايير الموحّدة والتي أدّت الى ما نعتقده استهدافاً سياسياً طال أشخاصاً وتجاهل آخرين دون ميزان حقّ، وحمّل شبهة الجريمة لأناس واستبعد آخرين دون مقياس عدل، وهذا سوف يؤدّي مع الأسف إلى تأخير التحقيق والمحاكمة بدلاً من الوصول الى حكم قضائي مبرم وعادل، ولذا فإّننا ندعو قاضي التحقيق المختصّ الى إعادة مقاربة هذا الملف الهام من جديد واتخاذ الاجراءات القانونية الكفيلة بالوصول الى الحقيقة المنشودة بمعايير موحّدة بعيدة كليّاً عن التسييس وبما يطمئن الشعب اللبناني الى مسار هذه القضية فجريمة المرفأ ليست جريمة عادية انما هي قضية كبيرة بحجم الوطن”.

جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تكن جريمة عادية أيضاً وهي كانت جريمة كبيرة بحجم الوطن. إخفاء المتّهمين والمشتبه بهم بتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس الحريري حال دون معرفة الحقيقة الكاملة لمجريات تنفيذ العملية باستثناء ما وفّرته معلومات عن شبكات الإتصالات في مسرح الجريمة. من هذه الزاوية يمكن اعتبار أن رفض الرئيس حسّان دياب والوزراء الثلاثة المثول أمام قاضي التحقيق العدلي فادي صوان هو من باب الحؤول دون معرفة الحقيقة الكاملة لمجريات جريمة تفجير مرفأ بيروت. إذا كان الأربعة واثقين من براءتهم فلماذا يعلنون رفضهم المثول أمامه كمدّعى عليهم. وحتّى إذا كانوا يتحمّلون مسؤولية فكان من الأجدى لهم أن يمثلوا لا أن يعرقلوا سير العدالة.

من المصادفات الغريبة أن يحصل التفاف مذهبي حول الرئيس حسان دياب بعد الإدّعاء عليه على قاعدة الدفاع عن موقع رئاسة الحكومة. في الأساس اعتبر الرئيس سعد الحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقون ودار الفتوى أن خيار تسمية دياب رئيساً للحكومة كان انتهاكاً لموقع رئاسة الحكومة ولقرار الطائفة السنية ذلك أنّهم اعتبروا أيضاً أنّ دياب هو خيار “حزب الله” المتهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري. فعلى أي قاعدة حصل الإلتقاء مع “حزب الله” في رفض الإدّعاء على دياب والوزراء الثلاثة؟

“حزب الله” اعتبر أن هناك استهدافاً سياسياً من وراء ادّعاء صوّان. وأنّ هناك غياباً لاعتماد المعايير الموحّدة. الوزيران غازي زعيتر وعلي حسن خليل اتّهما القاضي صوّان، في كتاب طلب ردِّه عن متابعة التحقيق في هذه القضية للإرتياب المشروع، بأنّه غير موضوعي وغير حيادي وأنّه يتّهم رئيس حكومة وثلاثة وزراء ينتمون إلى خط سياسي واحد ومعروف.

ثمّة ارتياب مقابل لطلب الردّ هذا. ارتياب للشك بخلفيات الإمتناع عن المثول أمام قاضي التحقيق العدلي. وارتياب من تأجيل قاضي التحقيق نفسه الجلسات التي كان قرّر مواعيدها إلى ما بعد مطلع العام الجديد على خلفية انتظار ما يمكن أن تقرره المراجع القضائية المختصة بشأن طلب ردّه. كأن المسار القضائي يتحول من تحقيق العدالة من خلال التحقيق الذي يتولاه القاضي صوّان إلى وقف سير العدالة من خلال “التحقيق” مع القاضي صوان. فبدل أن يَتَّهِم يصير مُتَّهَماً وبالتالي تتوقف العملية القضائية ويبقى ملف القضية ناقصاً وتضيع المسؤولية والحقيقة.

عن أي انتماء سياسي يتحدثون؟

هل كان المطلوب من القاضي صوّان أن يعمّم الإتهامات وأن يدّعي على أشخاص من أكثر من انتماء سياسي واحد؟ لو ادّعى أيضاً على وزراء ومسؤولين من التيار الوطني الحر مثلاً أو من الحزب التقدمي الإشتراكي أو تيار المستقبل من الذين تولوا مسؤوليات تتعلق بمسار باخرة النيترات منذ وصولها إلى مرفأ بيروت حتى انفجارها كان يمكن اعتبار أنه موضوعي وحيادي؟ هل في الجرائم المماثلة التعميم هو القاعدة أم تحديد المسؤوليات بموجب ما تكشفه التحقيقات؟ يكون صوّان مخطئاً وغير حيادي إذا لم يدّع على أشخاص تتوفّر لديه أدلّة يمكن أن تدينهم. في الجرائم العادية مثلاً، حتّى لو اشترك عدد من الأشخاص في عصابة ونفّذوا عمليات قتل، لا يمكن أن تكون الأحكام بحقّهم جميعاً مماثلة حيث يجوز أن يحكم على أحدهم بالإعدام وعلى آخر بالسجن المؤبّد وعلى غيره بالبراءة وذلك تبعاً لموقع كل منهم في عملية القتل. الأمر نفسه ينطبق على موضوع عملية تفجير المرفأ. من خلال التحقيقات التي أجراها منذ تكليفه هذه المهمّة هل توصل صوان إلى تكوين تصوّر أوّلي مثلاً حول من هي الجهة التي أتت بالباخرة وحول الجهة التي كان لها الدور في نقل حمولتها إلى العنبر رقم 12 ومن هي الجهات التي غطت العملية ومن كان يستفيد منها ومن المسؤول عن تخزينها كل هذه السنوات بين 2013 و2020 ومن سكت عنها ولماذا؟ وهل اكتشف مثلاً كيف تعاطى جهاز أمن الدولة مع هذه القضية وكيف تعاطت المؤسسات الرسمية التي تم إبلاغها مجدداً بخطر كميات نيترات الأمونيوم؟ وهل هناك من حاول أن يعيد التعتيم على معلومات أمن الدولة ومَنَعَ التعرض إلى خصوصية ما يحصل في العنبر رقم 12؟ ومن أقنع الرئيس حسّان دياب بالنزول إلى مرفأ بيروت لاكتشاف سرّ العنبر رقم 12؟ ومن أقنعه بِالعدول عن النزول وهل هناك من اعتبر أن أمن الدولة يتعاطى في مسألة ممنوع التعاطي فيها؟

هل التحقيق المحلّي قادر على إظهار كلّ الحقيقة؟ المسألة لا تتعلّق بإرادة شخص واحد هو المحقّق العدلي القاضي فادي صوّان. حتّى لو توفّرت لديه هذه الإرادة إلّا أنّه لا يمكن أن يعمل وحده إذا لم تكن هناك استجابة لما يطلبه وتسليم بموضوعيته ومهنيته وحياديته. صحيح أنّه ابن هذا النظام القضائي ولكنّ الصحيح أيضاً أن هذا النظام القضائي هو ابن هذا النظام المسؤول عن انفجار المرفأ والعنبر رقم 12. وهو النظام الذي قد لا تكون له مصلحة في اكتشاف حقيقة ما حصل أو الكشف عن هذه الحقيقة. من هذه الزاوية يصبح رفض الرئيس حسان دياب والوزراء الثلاثة، وغيرهم ممن يمكن أن تشمله لائحة الإدعاء، مثل رفض سليم عيّاش المثول أمام المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ويكون الهدف واحداً منع الوصول إلى الحقيقة وبالتالي يكون ما يحصل في ملف التحقيق من باب مراسم دفنه ووضع حجر على قبره كما هو حاصل في ملفّات كثيرة غيره.