IMLebanon

أعداد الفقراء تسابق مؤشّرات الانهيار..

كتبت غوى أسعد في اللواء:

لم يخرج الدخان الأبيض، حتى الآن، من الاجتماعات الماراتونية، في مجلسي النواب والوزراء، لبحث موضوع ترشيد الدعم أو رفعه.. وأغلب الظنّ أنه لن يخرج أبداً. لمَ العجلة، فالشعب في رفاهية لا يُحسد عليها، والمافيات المستفيدة من سياسات الدعم لن تشبع من التهريب ومراكمة الأرباح جرّاء نهب المال العام طالما بقي في احتياطي المصرف المركزي فلس واحد!

دوامة جدليّة صعبة بين وجهتي نظر؛ من يؤيد استمرار الدعم عدة أشهر إضافية ولو على حساب إفلاس الخزينة، ومن يريد ترشيد الدعم كسباً للوقت لكن مع غياب أيّ رؤية شفافة وسياسات عمليّة رشيدة للتعامل مع هذه المعضلة، وسط توسّع مخيف في شريحة الأكثر فقراً في المجتمع اللبناني، وتوالي التحذيرات الدولية من انفجار اجتماعي رهيب!

منذ بدء الأزمة أواخر العام 2019، إعتاد أصحاب الدخل المحدود، وما كان يسمى الطبقة الوسطى تصنيفهم كفقراء نتيجة الانهيار الدراماتيكي لقيمة العملة وتوقف الأعمال وارتفاع معدلات البطالة، أمّا «فقراء الفقراء» أي من هم تحت خط الفقر المدقع، فيخبرنا عنهم إحصاء البنك الدولي الأخير الذي صدر في آذار 2020 وصنّف 55% من اللبنانيين تحت خط الفقر. حينها، لم يتوقع معدو التقرير بأن هذه الأعداد ستتصاعد، وهي صارت كذلك بفعل أزماتٍ متتالية كجائحة كورونا وإنفجار مرفأ بيروت، والغريب بأن الإحصاءات لم تتجدّد بعد.

ما هي معدلات الفقر الحقيقية في لبنان؟ وما هي السياسات الرسمية والوطنية في التعامل مع الكارثة الاجتماعية القائمة؟ وهي من خطط بديلة لمرحلة ما بعد رفع الدعم عن المحروقات والأدوية والسلع الأساسية؟

 

«الشؤون» أنجزنا التفاوض مع «البنك الدولي»

ولمعرفة مستجدات أزمة الفقر والأزمات الإجتماعية والحلول المطروحة بشأن الفقراء وعوائلهم كـ «شبكة الأمان الإجتماعي» التي يجري الحديث في خصوصها في الآونة الأخيرة، التقت «اللواء» مستشار وزير الشؤون الإجتماعية والمشرف العام على خطة لبنان للإستجابة للأزمة في الوزارة عاصم أبي علي، الذي يصرّح أن «مفاوضات لبنان من أجل إتفاقية القرضمع البنك الدّولي ISSN انتهت الأسبوع الماضي، وقد وقّع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني على خلاصة المفاوضات، ليصبح الملف في عهدة مجلس النواب الّذي يفترض أن يجتمع قبل آخر السّنة أو على بداية السّنة الجديدة ويقرّ هذا القرض الّذي يبلغ 246 مليون دولار»، ويشير إلى أن»هذا القرض هو لإعداد «شبكة أمان إجتماعي»، لمساعدة الفقراء في لبنان، الذين يشكلون بحسب الإحصاءات والتقديرات الدولية-ما قبل إنفجار المرفأ-55% من سكان لبنان، أي تحت خطّ الفقر بشكل عام، و23% منهمتحت خطّ الفقر المدقع».

لا إحصاءات خاصة!

وبحسب أبي علي: «تبعاً للأرقام التي تقدّمها وزارة الشؤون الإجتماعية، تصل نسبة الفقر المدقع إلى 25% وليس 23% من عدد السكان ونسبة الفقر تصل إلى 60% وليس 55%، مع العلم أن معدلات الفقر اختلفت وارتفعت فهذه الإحصاءات منذ الدراسة الأخيرة للبنك الدولي والوزارة ليس لديها إحصاءات خاصة لمعدلات الفقر للأسف».

بدوره يفيد بأن «العائلات التي تقع بحالة الفقر المدقع حصراً ستستفيد من الشبكة ومن المشروع الجديد المموّل من قرض البنك الدولي ISSN، فهما يتكاملان فيما بينهما ضمن قاعدة المعلومات ((database نفسها»، ويضيف: «المشروع المعتمد من قبل البنك الدولي سيوصلنا تقريباً إلى 150 ألف عائلة للإستفادة منه وفيه تقديمات لأموال مدفوعة مباشرة (»cash») باللبناني. وهناك هدف لدعم التلامذة في المدارس الرّسميّة بسبب الإحصاءات الأخيرة التي تفيد بأن نسبة التسرّب المدرسيّ مرتفعة جداً لدى الأولاد ما بين سنّ الـ13 والـ15عاماً من الأسر الفقيرة، وبالتالي سيؤمّن هذا المشروع أموالاً لهذه الفئات لحمايتها من التسرّب المدرسي.» بحسب ما أفاد أبي علي.

نظامٌ جديد لشكاوى المواطنين

على صعيدٍ آخر، يتابع أبي علي الحديث حول المشروع، إذ «ستكون هناك تقديمات إجتماعية عبر مراكز الخدمات الإنمائيّة والّتي ستقدّم بدورها تدريباتٍ لبناء القدرات والدعم النّفسي والإجتماعي للمواطنين اللّبنانيين على كافة الأراضي اللبنانيّة، حيث ستكون مراكز الوزارة مفتوحة لهم للتقديمات الإجتماعيّة كجزء أساسي من هذا البرنامج»، ويؤكّد أنّ «لهذا البرنامج معايير عالميّة في مسألة إدارة الشّكاوى لتقبّل الشّكاوى من المواطنين لأنّ الوزارة لمست في الفترة المنصرمة أنّ هناك الكثير من شكاوى المواطنين لم تلقَ جواباً»، لذلك يصرّح أبي علي لـ»اللّواء» بأن «الوزارة أنشأت نظاماً إلكترونياً مع البنك الدوليّ لمتابعة الشّكاوى، يسمّى «الغريفنس» والّذي سيكون بإدارة وزارة الشؤون الإجتماعيّة لإستقبال اتصالات المواطنين وشكاواهم ليتم المعالجة وفق الأصول وتحت نُظمٍ محدّدة».

وعن الأعداد التي ستستهدفها «شبكة الأمان الاجتماعي» يفيد أبي علي بأنها «ستغطي حوالي 150 ألف عائلة، إضافةً إلى 50 ألف عائلة بمساعدة الإتحاد الأوروبي. وحالياً يقوم فريق في وزارة الشؤون الإجتماعية مكوّن من 480 عامل إجتماعي بزيارات منزلية حول لبنان للأسر المقدمة على مشروع الأسر الأكثر فقراً في مراكز الشؤون، ويتم زياراتهم في منازلهم وتقييم وضعهم المعيشي والإجتماعي من خلال  PMT test، وهي إستمارة علمية تعطي إنعكاس حقيقي لمجتمع الفقر. والوصول إلى 50 ألف عائلة مع مشروع إستهداف الأسر الأكثر فقراً وإضافة 150 ألف عائلة سيؤمنهم القرض من البنك الدّولي، يعني ذلك أنه سيتم مساعدة 200 ألف عائلة وهذه تشكل حوالي 25%  من عدد سكان لبنان الذين ينزحون تحت خطّ الفقر المدقع وبالتّالي تأمين الأمن الغذائي لهم».

ماذا عن رواتب اللبنانيين؟

وعن سؤاله حول رواتب اللبنانيين التي ما زالت بالليرة اللبنانية رغم الغلاء الذي يعيشه المواطن، يجيب أبي علي «اللواء»: «نحن نعرف اليوم أنّ هناك مشاكل في سعر الصرف وأن الرّواتب تعطى بالليرة وهذا الموضوع يؤدّي إلى زيادة حدّة الفقر. إضافةً إلى معدّلات البطالة الّتي تزيد يوماً بعد يوم في لبنان، وبالتّالي نحن لا نملك وسائل لحماية هذه الفئات إلاّ من خلال برنامج الأسرالأكثر فقراً وبرنامج ISSN «قرض البنك الدّولي».»

أما في خصوص خطّة لبنان للإستجابة للأزمة، يتابع: «هناك استهداف كبير للشرائح اللّبنانية، إذ نشترط دائماً على المانحين في ملف الإستجابة والذي هو منوط بإدارة الوجود السّوري في لبنان أن يكون هناك دعم 50%  للمجتمع اللبناني لأنه حالياً ضعيف وبحاجة إلى المساعدة مثل المجتمع النازح أي المجتمع السّوري.»

ويختم أبي علي حديثه متأسفاً «بسبب تعرض لبنان لأزمات متلاحقة في هذه الفترة»،إذ يعتبر أن «سنة 2020 كانت سيئة على لبنان، بدايةً بالأزمة المالية والإقتصادية ما أدى إلى تدهور سعر الصرف، بالإضافة إلى وجود نازحين سوريين عددهم يفوق المليون ونصف و 400 ألف لاجئ فلسطيني، وزيادةً على ذلك حلتجائحة كورونا والتي انعكست بتداعياتٍ سيئة على أصحاب المهن والمؤسّسات والمطاعم والقطاع السّياحي، ثم حصل إنفجار بيروت الذي (زاد الطّين بلّة) فزاد مستوى الفقر وحدّته».

يضيف قائلاً في الختام: «سنصل إلى مكانٍ سيّءٍ جداً جرّاء كل هذه الأزمات المتلاحقة».

شهاداتٌ متكررة في ظلِّ «صراع الفقر»

ولإيصال صوت الناس الذين هم فعلياً محط المعاناة، وبعدما كثرت واختلفت حكاياهم إلا أنها تجتمع تحت غطاءٍ واحد وهو «صراع الفقر»، تتحدّث بعض العائلات لـ»اللّواء» عن أزمتهم. فمن بيروت المدوّر، يتحدث «م . خ» الّذي تجاوز عقده ال 60 ولديه دُكّانٌّ صغير في الكرنتينا، ويشتكي من أنّ «الوضع بات تعيساً للغاية، لا عمل، لا بيع، لا قدرة على الشّراء»، ويضيف: «إبني الذي يبلغ من العمر 17 سنة أعجز عن تسجيله في معهدٍ مهني لأنّ الأقساط غالية.» ويروي «م.خ» أنّ «جزءاً من دكّانه تدمّر بعد انفجار مرفأ بيروت، فلم يستطع شراء رفوفٍ جديدة للدّكان، بسبب تدهور سعر الدّولار، بل أبقى بضائعه القليلة على الرفوف المكسورة، ويقول بحزنٍ: «زوجتي تعاني من أمراضٍ قلبيّة، وتحتاج إلى 9 أدوية شهريّاً»، فيتنهّدُ متسائلاً: «إذا ارتفع الدّعم، ماذا سيحصل للمواطن المريض عندها؟ من أين سنجلب الدواء؟ أنموت؟».

ثم يقول تارةً: «المنقوشة الّتي كنت أشتريها لي ولأولادي كوجبة للفطور بـ1000 ل.ل أو   1500 ل.ل أصبحت الآن بـ7000 ل.ل أو 8000 ل.ل، فقوت الفقير لم يعد له، هم أصبحوا بفضل سرقتهم أصحاب المليارات ونحن نعجز اليوم عن شراء المنقوشة!».

ومن بيروت إلى عائلةٍ في منطقة برج حمود، ومن جملة «الوضع تعيسٌ للغاية» الّتي ردّدها ربّ المنزل السابق إلى جملة «الحياة أصبحت صعبة ومتعبة للغاية هنا» يقولها الأب ع.س ويتابع: «كنت أعمل في تصنيع الأحذية لأكفي نفسي وأولادي حتّى أتت الأزمة فخسرت عملي بعد إغلاق المصنع، ولم يعد لدي مردود شهري، وأنا مريض سكري،عدا عن أن الدواء مقطوع، في حال تيسّر لي هذا الشّهر، لا أضمن أن أستطيع شراءه الشّهر القادم».

ليس فقط الآباء والأهالي، شباب لبنان يعاني أيضاً، الشّابة ر. ح من بلدة القرعون في البقاع الّتي «درست الهندسة الداخلية، لكن الغريب أنّ هذا البلد أخذ بي للعمل في مجال الزراعة بسبب قلّة فرص العمل»، بحسب ما ترويه.

وتشتكي قائلةً: «منذ فترةٍ أصبحت مضطرة للبحث عن أدوية أمي في الكثير من الصيدليات، وهي تعاني من صعوبات في جهازها التنفسي… لذلك أحتاج أن أؤمن هذا الدّواء بشكلٍ دائم، فماذا نفعل إذا انقطع؟!».

وتضيف: «أعمل وأقبض شهريّاً حسب عدد أيّام العمل، وأتقاضى 30,000 ل.ل على نهارٍ كاملٍ من التشجير. كنت أحاول صيفاً أن ألتزم بعملين مختلفين لأقوم بجمع بعض الأموال للشتاء ولأتمكن من شراء دواء أمي… إلاّ أنّ أجريَ الشهري اليوم، يكفينا للطّعام والشّراب فقط بسبب غلاء الأسعار.»

إنتشال المواطن أم استمرار المعاناة؟

شكاوى وآهاتٍ كثيرة،علَّ صدى الكتابة يفتح آذان سلطةٍ مُغلقة بإحكامٍ لا تسمع لمطاليب وحقوق شعبها، وتعجز،»بسياساتها الغير مدروسة»كما وصفها تقرير البنك الدّولي الأخير، عنانتشال مواطنيها من وحل سيلها المنهوب، فهل تنجح الجهات المعنيّة بتطبيق «شبكة الأمان الإجتماعي» الموعودة بها عائلات لبنان اليوم؟ وهل ستهبّ فعاليات المجتمع الدّولي حقّاً لإنقاذ ما تبّقى من هذا الوطن والمواطن؟ أمّ أنّ الإصلاحات هذه ستكون باباً جديداً لرفع ديون لبنان أكثر من ما هي عليه الآن؟ وبالتالي زيادة أزمات المواطن وكالعادة… استمرار سيناريو «المعاناة».