IMLebanon

الفقر في لبنان بلغ أعلى مستوياته.. “الأمور تتجه إلى الأسوأ”

كتبت لينا الحصري زيلع في “اللواء”:

ينطوي العام 2020 على المزيد من الازمات السياسية والاقتصادية المتواصلة بانتظار إيجاد الحلول السحرية لها في ظل فراغ حكومي يفاقم الاوضاع الاجتماعية صعوبة، خصوصا في ظل الحديث عن رفع الدعم على مواد اساسية نتيجة عجز مالي كبير تعاني منه الدولة اللبنانية.

وحول تأثير رفع الدعم على المواطن اللبناني خصوصا بالنسبة الى المواد الاساسية والدواء يقول الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة ان ما يُسمّى بـ«الدعم» حاليًا لا يعكس حقيقة اقتصادية، فالدعم في النظرية الإقتصادية هو عبارة عن دعم الحكومة لإستهلاك سلعة أو عدة سلع من خزينة الدولة ويتم وضع المبلغ ضمن موازنة العام المعني، معتبرا أن ما يحصل حاليًا هو تأمين الدولارات على سعر الصرف الرسمي أو على سعر المنصة الإلكترونية وهو من إحتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية.

ويرى عجاقة ان رفع الدعم يعني بكل بساطة تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار. وهذا الأمر إن حصل يعني أن الأسعار سترتفع ما بين ضعفين وخمسة أضعاف. وفي ظل الأزمة الإقتصادية وتراجع النشاط الإقتصادي هناك تراجع للمداخيل وبالتالي القدرة على تأمين السلع والمواد الأساسية وهو ما سيزيد حكمًا نسبة الفقر التي نتوقّع أن ترتفع إلى أكثر من ٨٠٪ من الشعب اللبناني في فترة عدة أشهر في حال تمّ رفع الدعم ولم يكن هناك من شبكة آمان إجتماعي. متوقعا ان يتحول الفقر إلى فوضى إجتماعية وأمنية ستزداد معها الجريمة.

ويشرح عجاقة دور البطاقة التمويلية أو البطاقة الإجتماعية حسب المُعطيات المتوفّرة فيؤكد انها عبارة عن بطاقة مصرفية يُمكن لحاملها الإستفادة من مبلغ مُعيّن يتم الإتفاق عليه حكوميًا. وبما أن الدعم هو بإتجاه الأسر الأكثر حاجة، لذا سيتمّ تحديد لائحة بالأسر الأكثر فقرًا من قبل الحكومة بالتعاون مع فريق البنك الدولي في لبنان ويتم وضع مبلغ من المال في الحساب يسمح للعائلة بالاستفادة من المبلغ المرصود.

ويشير الى ان المُشكلة التي تدور حول هذه البطاقة يُمكن إختصارها بمُشكلتين أساسيتين: الأولى من يُحدّد الأسر المُستفيدة ومن يُموّلها. في ما يخص الجهة المُخوّلة تحديد المُستفيدين من هذه البطاقة يرى عجاقة أن أفضل جهة هي البنك الدولي على أن يتمّ القيام بمسح حقيقي ودقيق للأسر في لبنان تحت طائلة تحويلها إلى زبائنية للأحزاب.

وعن الدول التي تعتمد مثل هكذا بطاقات يكشف عجاقة ان هذه البطاقة هي نتاج الأنظمة الإقتصادية الإشتراكية والشيوعية، وبالتالي لا نجدها بالضرورة في الأنظمة الاقتصادية الحرّة. مشددا على ان وجود هذه البطاقة عادة يطال فئة مُحدّدة من المُجتمع تكون بحاجة قصوى على أن لا تزيد نسبتها عن ١٪ من سكان البلد، لكن الوضع في لبنان هو أن أكثر من ثلثي الشعب اللبناني بحاجة إلى هذه البطاقة مما يعني أن الاقتصاد اصبح موجّها وبالتالي فقد لبنان، بالتطبيق، ميزة الاقتصاد الحرّ.

وعن مصير الطبقات في لبنان لا سيما المتوسطة يشير الخبير الاقتصادي ان أرقام البنك الدولي واضحة: في العام ٢٠١٩ كانت نسبة الفقر المُدقع ٨.١٪ واليوم أصبحت هذه النسبة ٢٣.٢٪. الطبقة الفقيرة كانت ١٩.٨٪ وارتفعت إلى ٣٢٪ حاليًا. أما أسفل الطبقة الوسطى فقد إنخفض من ٤٥.٦٪ إلى ٣٥.٢٪ ذهبت إلى الفقر والفقر المُدقع!! وحتى أعلى الطبقة المُتوسطة إنخفضت من ١١.٥٪ إلى ٤.٦٪ حاليًا، وهذا يعني أن الأمور تتجه إلى الأسوأ في الأشهر المُقبلة حيث يلعب ارتفاع الأسعار دورًا محوريًا في تفقير الشعب.

وعن كيفية الوصول الى الحلول الاقتصادية السريعة لاستئناف العجلة الاقتصادية يشدد عجاقة على ان الخطوة الأولى لذلك تتمثّل بتشكيل حكومة، حيث أن أي حلّ من دون تشكيل حكومة لن يكون مصيره النجاح. وفي حال كانت هناك حكومة قادرة على إجراء الإصلاحات اللازمة يُمكن الحديث عن حلول للخروج من الأزمة.

ويعطي مثلًا لاحدى هذه الحلول تنص على الحلّ الذي طرحه البنك الدولي في تقرير الأخير بعنوان «المرصد الاقتصادي في لبنان: الكساد المتعمد» والذي طرح ستة ركائز هي: استقرار الاقتصاد الكلي، إصلاح الحوكمة والمساءلة، إصلاح وتطوير البنية التحتية، إصلاحات إقتصادية، إصلاحات تنمية رأس المال البشري، وتعزيز الحوكمة الإقتصادية الشفافة والخاضعة للمساءلة.

مشيرا الى ان الركائز تبدأ بعدد من الخطوات الأساسية والضرورية والتي صنّفها التقرير بحسب الأولوية التالية:

أولًا – اعتماد ميزانية ٢٠٢١ وإطار العمل المالي الكلي المستدام ٢٠٢١/٢٠٢٢.

ثانيًا – قانون توحيد سعر الصرف وضوابط رأس المال.

ثالثًا – إعادة هيكلة الدين العام.

رابعًا – اعتماد إطار عمل فعال للقرارات المصرفية.

خامسًا – إزالة قانون السرية المصرفية.

سادسًا – تطبيق قانون المشتريات العامة.

سابعًا – إنشاء لجنة رفيعة المستوى لإصلاح العدالة، والإعلان عن خطة عمل لتحسين العدالة وسيادة القانون وتنفيذ استراتيجية مكافحة الفساد.

ويختم بالتأكيد على وجوب ان يترافق مع هذه الخطوات عدد من البرامج الواجب تنفيذها وهي: توسيع نظام شبكة الأمان الاجتماعي (البرنامج الوطني لاستهداف الفقر)، تنفيذ خطة تعويضات التغطية الواسعة لإصلاح الدعم، اعتماد حزمة التعزيز التنظيمي للكهرباء، وإطلاق تدقيق شركة كهرباء لبنان وضمان الشفافية في عمليات الشراء، اعتماد وإطلاق حزمة إصلاح الامتثال الضريبي، وإطلاق مجموعات المواطنين التي تطور الخبرة في القضايا الرئيسية أو برامج الوزارات التنفيذية.

وبالتالي إذا ما تشكّلت حكومة قادرة على القيام بهذه الإصلاحات والبرامج، فإن الدعم الدولي سيتوفّر وستعود الأمور إلى التحسّن في الأسابيع أو الأشهر التي تلي البدء بالإصلاحات.

الاسمر

من ناحيته يؤكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر لـ«اللواء» انه تم الاتفاق على عدم المس برفع الدعم عن الطحين مما يعني ان لا جدال حول امن الخبز في الوقت المنظور حيث سيتم توزيع وتسليم الطحين كما في السابق.

وعن موضوع الدواء يعتبر الاسمر انه عوضاً عن الرفع الدعم عنه او ترشيده، سيتم تحديد الفاتورة الشرائية للدواء ضمن شروط محددة، ومنها استبدال الدواء في الوصفة الطبية من قبل الطبيب الى بديل عنه من قبل الصيدلي.

لافتا الى انه من الخطوات التي يمكن اتخاذها هي اعادة تسعير بعض الادوية في السوق، كذلك الامر بالنسبة الى المستلزمات الطبية مشيرا الى ان تنفيذ هذا الامر يقتدي عقد اجتماعات مع نقابات الاطباء والصيادلة و مستوردي الادوية من اجل تحقيق العديد من الوفر، لافتا الى العلم ان عددا من المواطنين قام بتخزين كميات كبيرة من الادوية في الفترة السابقة.

وفي ما يخص قطاع المحروقات، اكد الاسمر على انه سيتم ابقاء الدعم على مادة المازوت وذلك تبعاً للمفاوضات مع الحكومة العراقية لاستيراد النفط الخام وعلى ان يتم تكريره في الجمهورية العربية المصرية، بانتظار توقيع هذا الاتفاق بما يريح الحكومة اللبنانية من بعض الاعباء المالية.

خلاف بين الخبراء حول البطاقة التمويلية

وعن رأي الاتحاد العمالي حول موضوع البطاقة التمويلية اكد الاسمر ان الاتحاد ينكب على درس هذا الاقتراح بالتشاور مع عدد من الخبراء الاقتصاديين حول فاعلية هذه البطاقة، مشيرا الى وجود خلاف في الرأي بين الخبراء، خصوصا انها تحتاج الى ضخ اموال كبيرة مما ينعكس تضخما ماليا كبيرا وارتفاعا اضافيا بسعر صرف الدولار، لافتا الى ان الاتحاد يتشاور ايضا مع وزراء الاقتصاد والمال والشؤون الاجتماعية والطاقة، بعد ان كان اجرى حوارا مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة المستقيل حسان دياب حول موضوع الدعم.

لافتا الى ان هناك بحثا عن تمويل هذه البطاقة وتحديد سقفها ومن ستشمله، مشيرا الى ان هناك اقتراحا للاستعانة «بالداتا» الموجودة لدى وزارة المالية وصندوق الضمان الاجتماعي للاطلاع على رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص واللذين يشكلان نصف الشعب اللبناني، ولكن استطرد الاسمر متسائلا من اين يمكن ان الحصول على «داتا» النصف الاخر من الشعب اللبناني، لذلك يرى ان هناك ارباكا حول من يمكنه تحديد الاشخاص الاكثر فقرا والذين يمكنهم الاستفادة من البطاقة التمويلية، معتبرا ان القرار يحتاج الى دراسات مشتركة لانه لا يمكن الاستمرار بالعمل بشكل عشوائي خصوصا ان مثل هكذا قرار يكلف مئات ملايين الدولارات.

واشار الاسمر الى ان الاتحاد بانتظار دراسات الاختصاصيين واقتراحات الوزارات المعنية، على ان يتم الاتفاق بعد الاعياد على تحديد تحرك الاتحاد خصوصا لأنه ليس من هواة الاضرابات بالمطلق لانه عندما وجد نوافذ للحل قرر ابقاء الحوار مفتوحا.

رئيس الاتحاد العمالي العام ختم مؤكدا بأن المطلب الاساسي الاول والاخير هو تشكيل حكومة لانه لا يمكن علاج اي موضوع في ظل استمرار الفراغ الحكومي.