IMLebanon

كانتون جنبلاط المتخيّل: “بعذران حتماً”؟

كتبت صحيفة “الأخبار”:

 

نشر النائب السابق وليد جنبلاط، ليلة رأس السنة، صورة لمدرج طائرات قديم في بلدة بعذران الشوفية، وبدا المدرج نظيفاً عن آخر صورة ظهرت له قبل نحو شهرٍ ونصف. ثمّة من يريد أن يذكّر اللبنانيين بلبنان المنقسم بين «الإدارة المدنية» و«حالات حتماً».

اختار رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط أن يرسم المستقبل عشيّة العام الجديد، بصورةٍ لا تعكس إلّا الماضي.

حوالى الساعة الحادية عشرة والربع من مساء ليل الخميس – الجمعة، استلّ جنبلاط من هاتفه صورةً حديثة لشبه مدرج للطائرات في بلدة بعذران الشوفيّة، مذيّلةً بنسخة معدّلة من شعارٍ شهير للراحل كمال جنبلاط: «لسنا وحدنا في هذا العالم. المهم هو الصمود». وهو الشعار ذاته الذي استخدمه جنبلاط في العام 2004، بعد صدور القرار 1559.

الإشارة إلى «مطار بعذران»، كما تصفه خرائط «غوغل»، ليست الأولى من نوعها في الفترة الأخيرة. في بداية شهر تشرين الثاني، انتشرت صورٌ لرئيس الاشتراكي يسير على الممرّ الاسمنتي الذي يبلغ طوله 713 متراً وعرضه نحو 20 متراً، بينما كان العشب البرّي نابتاً بين مربعات الباطون التي تشكّل أرضيته.

ومنذ تلك الزيارة، بدأ إصلاح «المدرج»، عبر تنظيف الأرضية والاعتناء بها بالتعاون مع بلدية بعذران، التي عملت على إبعاد الردميات عن جزئه الجنوبي، ومعالجة الحفر فيه وإزالة العشب. بينما تؤكّد مصادر «الأخبار» أن صخوراً لا تزال موضوعةً في وسطه لمنع بعض شبّان المنطقة من هواة السرعة والألعاب البهلوانية بالسيارات من استخدامه.

يعود بناء «المدرج» إلى العام 1984، في عزّ حمأة الحرب الأهلية وانفلاش مشاريع التقسيم في البلاد بعد حرب الجبل. الاستخدام الجدي الوحيد للمدرج جرى عام 1989، عندما تمّ تدريب اشتراكيين على قيادة طائرات زراعية فيه. إلّا أن «المطار» – الحلم، لكانتون «الإدارة المدنية» للحزب التقدمي الاشتراكي، بقي مشروعاً متخيّلاً. وطوال العقود الماضية، لم يُسجّل سوى هبوط بضع طائرات مروحية على فيه، معظمها للجيش اللبناني، إذ إن طول المدرج لا يسمح سوى باستقبال الطائرات الصغيرة أو الطائرات المروحية كطائرات سيسنا، مع استحالة هبوط طائرات نقل أو طائرات عسكرية، والتي يحتاج معظمها إلى ما يزيد على الـ1300 متر طولياً لعملية الهبوط. كما أن أرضية المدرج بوضعها الحالي كناية عن بلاطات اسمنتية متلاصقة مع وجود شقوق، تشكّل خطراً على إطارات الطائرات، حتى الصغيرة منها. وأكّد أكثر من خبير لـ«الأخبار» أن هذه الأرضية (وبحسب الصورة الأخيرة التي نشرها جنبلاط)، قد تؤدّي إلى خروج الطائرات عن مسارها وتعرّضها لحوادث تحطّم، هذا فضلاً عن أن ارتفاع المطار عن سطح البحر أكثر من ألف متر، يشكّل تحديّاً آخر لعمليات الهبوط.

الأسئلة كثيرة عن أسباب جنبلاط للإضاءة على مدرج لا يصلح لشيء جدّي، والقصد من وراء ذلك. فالصورة تلت فوراً موقفاً لافتاً عبر قناة «العربية» بالإشارة الساخرة إلى أن لبنان بات جزءاً من إيران، واعتبار الإمارات «قلب العروبة النابض»، في الوقت الذي تقود فيه الإمارات مشروع التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي.

من يتتبع حركة جنبلاط السياسية خلال الأشهر الماضية، يلاحظ تخبّطاً زائداً عمّا تعيشه القوى السياسية الأخرى في ظلّ الانهيار الاقتصادي وتحركات الشارع وكورونا وانعدام الأفق السياسي. فمن جهة، يدرك جنبلاط كلفة المواجهة الشعبية والعسكرية المطلوبة أميركياً من قوى الداخل ضد حزب الله، وصعوبة خروج أحدٍ منها من دون خسائر فادحة وغرق لبنان في بحر من الدماء. وهو من أجل ذلك مارس قبل مدّة حالة تشذيب وتهدئة داخل طائفة الموحدين الدروز، ووجّه الجنبلاطيين نحو تجميع المحاصيل وتشجيع الزراعة ومحاولات الاهتمام بالشأن الصّحي والابتعاد عن الغرق في المناكفات الداخلية اللبنانية.

ومن جهة ثانية، يبدو كمن يعوّل على الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لاستعادة بعض من التوازن والدور على الساحة اللبنانية، فيحافظ على تمايزه وانتقاداته لحزب الله، كما يخاصم الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري.

إلّا أن جنبلاط، المعجب بالنموذج الكردي، يدرك خطورة الإشارة إلى مطار في الشوف واعتباره معبراً نحو العالم، في عزّ الهجوم السياسي الإسرائيلي والغربي على مطار بيروت وتدمير المرفأ، بإيحاءٍ مكشوف للبنان منقسم إلى محميات طائفية وكانتونات تشبه تلك التي سقطت في الحرب الأهلية. فهذا الموقف والخطاب، عُدَتّهما مطارات الطوائف ومرافئها، يتردّدان دائماً وعادا ليتردّدا من جديد عند بقايا اليمين اللبناني، وعند حزب القوات اللبنانية طبعاً. وهو ليس خطيراً في الواقع اللبناني، بقدر خطورته عندما يجد له صدىً عند جنبلاط.

فهل عاد جنبلاط ورهاناته الخاسرة في لبنان وسوريا، مع وصول النظام اللبناني إلى الانهيارين الاقتصادي والسياسي بمشاركته كأحد أبرز رموز السلطة السياسية والمالية، إلى رهانات تقسيمية قديمة – جديدة بعنوان «بعذران حتماً»، كما راهن رئيس القوات سمير جعجع سابقاً وخسر على «حالات حتماً»؟